Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 64-68)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعنـي بقول تعالـى ذكره : { وأزْلَفْنا ثَمَّ الآخَرِينَ } : وقرّبنا هنالك آل فرعون من البحر ، وقدمناهم إلـيه ، ومنه قوله : { وأُزْلفَتِ الـجَنَّةُ للْـمُتَّقِـينَ } بـمعنى : قربت وأُدنـيت ومنه قول العجاج : @ طَيَّ اللَّـيالـي زُلَفـا فَزُلَفـا سَماوَةَ الهِلالِ حتـى احْقَوْقَـفَـا @@ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن عطاء الـخراسانـي ، عن ابن عبـاس ، قوله { وأزْلَفْنا ثَمَّ الآخَرِينَ } قال : قرّبنا . حدثنا الـحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، فـي قوله { وأزْلَفْنا ثَمَّ الآخَرِينَ } قال : هم قوم فرعون قرّبهم الله حتـى أغرقهم فـي البحر . حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قال : دنا فرعون وأصحابه بعد ما قطع موسى ببنـي إسرائيـل البحر من البحر فلـما نظر فرعون إلـى البحر منفلقا ، قال : ألا ترون البحر فرِق منـي ، قد تفتـح لـي حتـى أدرك أعدائي فأقتلهم ، فذلك قول الله { وأزْلَفْنا ثَمَّ الآخَرِينَ } يقول : قرّبنا ثم الآخرين هم آل فرعون فلـما قام فرعون علـى الطرق ، وأبت خيـله أن تقتحم ، فنزل جبرائيـل صلى الله عليه وسلم علـى ماذيانة ، فتشامَّتْ الـحُصُن ريح الـماذيانة فـاقتـحمت فـي أثرها حتـى إذا همّ أوّلهم أن يخرج ودخـل آخرهم ، أمر البحر أن يأخذهم ، فـالتطم علـيهم ، وتفرّد جبرائيـل بـمقلة من مقل البحر ، فجعل يدسها فـي فـيه . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن أبـي بكر بن عبد الله ، قال : أقبل فرعون فلـما أشرف علـى الـماء ، قال أصحاب موسى : يا مكلـم الله إن القوم يتبعوننا فـي الطريق ، فـاضرب بعصاك البحر فـاخـلطه ، فأراد موسى أن يفعل ، فأوحى الله إلـيه : أن اترك البحر رَهْوا : يقول : أمره علـى سكناته إنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ إنـما أمكر بهم ، فإذا سلكوا طريقكم غرقتهم فلـما نظر فرعون إلـى البحر قال : ألا ترون البحر فِرق منـي حتـى تفتـح لـي ، حتـى أدرك أعدائي فأقتلهم فلـما وقـف علـى أفواه الطرق وهو علـى حصان ، فرأى الـحصان البحر فـيه أمثال الـجبـال هاب وخاف ، وقال فرعون : أنا راجع ، فمكر به جبرائيـل علـيه السلام ، فأقبل علـى فرس أنثى ، فأدناها من حصان فرعون ، فطفق فرسه لا يقرّ ، وجعل جبرائيـل يقول : تقدم ، ويقول : لـيس أحد أحقّ بـالطريق منك ، فتشامَّت الـحُصُن الـماذيانة ، فما ملك فرعون فرسه أن ولـج علـى أثره فلـما انتهى فرعون إلـى وسط البحر ، أوحى الله إلـى البحر : خذ عبدي الظَّالـم وعبـادي الظلـمة ، سلطانـي فـيك ، فإنـي قد سلطتك علـيهم ، قال : فتغطمطت تلك الفرق من الأمواج كأنها الـجبـال ، وضرب بعضها بعضا فلـما أدركه الغرق { قالَ آمَنْتُ أنَّه لا إلَهَ إلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسرَائيـلَ وأنا مِنَ الـمُسْلِـمِينَ } وكان جبرائيـل صلى الله عليه وسلم شديد الأسف علـيه لـما ردّ من آيات الله ، ولطول علاج موسى إياه ، فدخـل فـي أسفل البحر ، فأخرج طينا ، فحشاه فـي فم فرعون لكيلا يقولها الثانـية ، فتدركه الرحمة ، قال : فبعث الله إلـيه ميكائيـل يعبره : { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنْتَ مِنَ الـمُفْسِدِينَ } وقال جبرائيـل : يا مـحمد ما أبغضت أحدا من خـلق الله ما أبغضت اثنـين أحدهما من الـجنّ وهو إبلـيس ، والآخر فرعون قالَ { أنَا رَبُّكُمُ الأَعْلـى } ولقد رأيتنـي يا مـحمد ، وأنا أحشو فـي فـيه مخافة أن يقول كلـمة يرحمه الله بها . وقد زعم بعضهم أن معنى قوله : { وأزْلَفْنا ثَمَّ الآخَرِينَ } وجمعنا ، قال : ومنه لـيـلة الـمزدلفة ، قال : ومعنى ذلك : أنها لـيـلة جمع . وقال بعضهم : وأزلفنا ثم وأهلكنا . وقوله : { وأنـجَيْنا مُوسَى وَمَنْ مَعَه أجَمعِينَ } يقول تعالـى ذكره : وأنـجينا موسى مـما أتبعنا به فرعون وقومه من الغرق فـي البحر ومن مع موسى من بنـي إسرائيـل أجمعين ، وقوله : { ثُمَّ أغْرَقْنا الآخَرِينَ } يقول : ثم أغرقنا فرعون وقومه من القبط فـي البحر بعد أن أنـجينا موسى منه ومن معه ، وقوله : { إنَّ فِـي ذلكَ لآيَةً } يقول تعالـى ذكره : إن فـيـما فعلت بفرعون ومن معه تغريقـي إياهم فـي البحر إذ كذّبوا رسولـي موسى ، وخالفوا أمري بعد الإعذار إلـيهم ، والإنذار لدلالة بـينة يا مـحمد لقومك من قريش علـى أن ذلك سنتـي فـيـمن سلك سبـيـلهم من تكذيب رسلـي ، وعظة لهم وعبرة أن ادّكروا واعتبروا أن يفعلوا مثل فعلهم من تكذيبك مع البرهان والآيات التـي قد أتـيتهم ، فـيحلّ بهم من العقوبة نظير ما حلّ بهم ، ولك آية فـي فعلـي بـموسى ، وتنـجيتـي إياه بعد طول علاجه فرعون وقومه منه ، وإظهاري إياه وتوريثه وقومه دورهم وأرضهم وأموالهم ، علـى أنـي سالك فـيك سبـيـله ، إن أنت صبرت صبره ، وقمت من تبلـيغ الرسالة إلـى من أرسلتك إلـيه قـيامه ، ومظهرك علـى مكذّبـيك ، ومعلـيك علـيهم ، { وما كان أكثرهم مؤمنـين } يقول : وما كان أكثر قومك يا مـحمد مؤمنـين بـما أتاك الله من الـحقّ الـمبـين ، فسابق فـي علـمي أنهم لا يؤمنون { وَإنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ } فـي انتقامه مـمن كفر به وكذب رسله من أعدائه ، { الرَّحِيـمُ } بـمن أنـجى من رسله ، وأتبـاعهم من الغرق والعذاب الذي عذّب به الكفرة .