Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 35-37)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ذكر أنها قالت : إنـي مرسلة إلـي سلـيـمان ، لتـختبره بذلك وتعرفه به ، أملك هو ، أم نبـيّ ؟ وقالت : إن يكن نبـيا لـم يقبل الهدية ، ولـم يرضه منا ، إلا أن نتبعه علـى دينه ، وإن يكن ملكاً قبل الهدية وانصرف . ذكر الرواية عمن قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قالت : { وإنّـي مُرْسلَةٌ إلَـيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِـمَ يَرْجِعُ الـمُرْسَلُونَ } قال : وبعثت إلـيه بوصائف ووصفَـاء ، وألبستْهم لبـاساً واحداً حتـى لا يعرف ذكر من أنثى ، فقالت : إن زيَّـل بـينهم حتـى يعرف الذكر من الأنثى ، ثم ردّ الهدية فإنه نبـيّ ، وبنبغي لنا أن نترك ملكنا ، ونتَّبع دينه ، ونلـحق به . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد قوله : { وإنّـي مُرْسِلَةٌ إلَـيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ } قال : بجوارٍ لبـاسهم لبـاس الغلـمان ، وغلـمان لبـاسهم لبـاس الـجواري . حدثنا القامس ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : قولها : { وَإنّـي مُرْسِلَةٌ إلَـيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ } قال : مئتـي غلام ومئتـي جارية . قال ابن جُرَيج ، قال مـجاهد : قوله { بِهَدِيَّةٍ } قال : جوار ألبستهنّ لبـاس الغلـمان ، وغلـمان ألبستهم لبـاس الـجواري . قال ابن جُرَيج : قال مـجاهد : قالت : فإن خـلَّص الـجواري من الغلـمان ، وردّ الهدية فإنه نبـيّ ، وينبغي لنا أن نتَّبعه . قال ابن جُرَيج ، قال مـجاهد : فخـلَّص سلـيـمان بعضهم من بعض ، ولـم يقبل هديتها . قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا سفـيان ، عن معمر ، عن ثابت الـيُثانـيّ ، قال : أهدت له صفـائح الذهب فـي أوعية الديبـاج فلـما بلغ ذلك سلـيـمان أمر الـجنّ فموّهوا له الآجرّ بـالذهب ، ثم أمر به فألقـي فـي الطرق فلـما جاءوا فرأوه ملقـى ما يُـلتفت إلـيه ، صغر فـي أعينهم ما جاءوا به . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { إنَّ الـمُلُوكَ إذَا دَخَـلُوا قَرْيَةً أفْسَدُوها … } الآية ، وقالت : إن هذا الرجل إن كان إنـما همته الدنـيا فسنرضيه ، وإن كان إنـما يريد الدين فلن يقبلَ غيره { وإنّـي مُرْسِلَةٌ إلَـيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظرَةٌ بِـمَ يَرْجِعُ الـمُرْسَلُونَ } . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلـم ، عن وهب بن منبه ، قال : كانت بلقـيس امرأة لبـيبة أديبة فـي بـيت ملك ، لـم تـملك إلا لبقايا من مضى من أهلها ، إنه قد سيست وساست حتـى أحكمها ذلك ، وكان دينها ودين قومها فـيـما ذُكر الزنديقـية فلـما قرأت الكتاب سمعت كتابـاً لـيس من كتب الـملوك التـي كانت قبلها ، فبعثت إلـى الـمَقَاولة من أهل الـيـمن ، فقالت لهم : { يا أيُّها الـمَلاُ إنّـي أُلْقِـيَ إلـيَّ كِتابٌ كَرِيـمٌ ، إنَّهُ مِنْ سُلَـيْـمانَ وَإنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيـمِ ، ألاَّ تَعْلُوا عَلـيَّ وأْتُونِـي مُسْلِـمِينَ } إلـى قوله { بِـمَ يَرْجِعُ الْـمُرْسَلُونَ } ثم قالت : إنه قد جاءنـي كتاب لـم يأتنـي مثله من ملك من الـملوك قبله ، فإن يكن الرجل نبـيا مرسلاً فلا طاقة لنا به ولا قوّة ، وإن يكن الرجل ملكاً يكاثر ، فلـيس بأعزّ منا ، ولا أعدّ . فهيَّأت هدايا مـما يُهدَى للـملوك ، مـما يُفتنون به ، فقالت : إن يكن ملكاً فسيقبل الهدية ويرغب فـي الـمال ، وإن يكن نبـياً فلـيس له فـي الدنـيا حاجة ، ولـيس إياها يريد ، إنـما يريد أن ندخـل معه فـي دينه ونتبعه علـى أمره ، أو كما قالت . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : أخبرنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { وإنّـي مُرْسِلَةٌ إلَـيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ } بعثت بوصائف ووصفـاء ، لبـاسهم لبـاس واحد ، فقالت : إن زيَّـل بـينهم حتـى يعرف الذكر من الأنثى ، ثم ردّ الهدية فهو نبـيّ ، وينبغي لنا أن نتَّبعه ، وندخـل فـي دينه فزيَّـل سلـيـمان بـين الغلـمان والـجواري ، وردّ الهدية ، فقال : { أتُـمِدُّونَنِ بِـمَالٍ فَمَا آتانِـيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِـمَّا آتاكمْ } . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : كان فـي الهدايا التـي بعثت بها وصائف ووصفـاء يختلفون فـي ثـيابهم ، لتـميـيز الغلـمان من الـجواري ، قال : فدعا بـماء ، فجعل الـجواري يتوضأن من الـمرفق إلـى أسفل ، وجعل الغلـمان يتوضئون من الـمرفق إلـى فوق . قال : وكان أبـي يحدثنا هذا الـحديث . حدثنا عبد الأعلـى ، قال : ثنا مروان بن معاوية ، قال : ثنا إسماعيـل ، عن أبـي صالـح { وَإنّـي مُرْسِلةٌ إلَـيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ } قال : أرسلت بلبنة من ذهب ، وقالت : إن كان يريد الدنـيا علـمته ، وإن كان يريد الآخرة علـمته . وقوله : { فَناظِرَةٌ بِـمَ يَرْجِعُ الْـمُرْسَلُونَ } تقول : فأنظر بأيّ شيء من خبره وفعله فـي هديتـي التـي أرسلها إلـيه ترجع رسلـي ، أبقبول وانصراف عنا ، أم بردّ الهدية والثبـات علـى مطالبتنا بـاتبـاعه علـى دينه ؟ وأسقطت الألف من « ما » فـي قوله { بِـمَ } وأصله : بـما ، لأن العرب إذا كانت « ما » بـمعنى : أي ، ثم وصلوها بحرف خافض أسقطوا ألفها تفريقا بـين الاستفهام وغيره ، كما قال جلّ ثناؤه { عَمَّ يَتَساءَلونَ } و { قَالُوا : فِـيـمَ كُنْتُـمْ } ، وربـما أثبتوا فـيها الألف ، كما قال الشاعر : @ عَلامَا قَامَ يَشْتُـمُنِـي لَئِيـمٌ كَخِنْزِيرٍ تَـمَرَّغَ فِـي تُرَابِ @@ وقالت { وإنّى مُرْسِلَةٌ إلَـيْهِمْ } وإنـما أرسلت إلـى سلـيـمان وحده علـى النـحو الذي بـيَّنا فـي قوله : { عَلـى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ } وقوله : { فَلَـمَّا جاءَ سُلَـيْـمانَ قالَ أتُـمِدُّونَنِ بِـمَالٍ } . إن قال قائل : وكيف قـيـل : { فَلَـمَّا جاءَ سُلَـيْـمانَ } فجعل الـخبر فـي مـجيء سلـيـمان عن واحد ، وقد قال قبل ذلك { فَناظِرَةٌ بِـمَ يَرْجِعُ الـمُرْسَلُونَ } فإن كان الرسول كان واحداً ، فكيف قـيـل { بِـمَ يَرْجِعُ الـمُرْسَلُونَ } وإن كانوا جماعة فكيف قـيـل : { فَلَـمَّا جَاءَ سُلـيْـمَانَ } ؟ قـيـل : هذا نظير ما قد بـيَّنا قبل من إظهار العرب الـخبر فـي أمر كان من واحد علـى وجه الـخبر ، عن جماعة إذا لـم يقصد قصد الـخبر عن شخص واحد بعينه ، يُشار إلـيه بعينه ، فسمي فـي الـخبر . وقد قـيـل : إن الرسول الذي وجَّهته ملكة سبأ إلـى سلـيـمان كان أمرأً واحداً ، فلذلك قال : { فلَـمَّا جاءَ سُلَـيْـمانَ } يُراد به : فلـما جاء الرسول سلـيـمان واستدلّ قائلو ذلك علـى صحة ما قالوا من ذلك بقوله سلـيـمان للرسول : { ارْجِعْ إلَـيْهِمْ } وقد ذكر أن ذلك فـي قراءة عبد الله . فلـما جاءوا سلـيـمان علـى الـجمع ، وذلك للفظ قوله : { بِـمَ يَرْجِعُ الـمُرْسَلُونَ } فصلـح الـجمع للفظ والتوحيد للـمعنى . وقوله : { قال أتُـمِدُّونَنِ بِـمَالٍ } يقول : قال سلـيـمان لـما جاء الرسول من قبل الـمرأة بهداياها : أتـمدوننِ بـمال . واختلف القرّاء فـي قراءة ذلك ، فقرأه بعض قرّاء أهل الـمدينة « أتُـمِدُّنَنِـي » بنونـين ، وإثبـات الـياء . وقرأه بعض الكوفـيـين مثل ذلك ، غير أنه حذف الـياء من آخر ذلك وكسر النون الأخيرة . وقرأه بعض قرّاء البصرة بنونـين ، وإثبـات الـياء فـي الوصل وحذفها فـي الوقـف . وقرأه بعض قرّاء الكوفة بتشديد النون وإثبـات الـياء . وكلّ هذه القراءات متقاربـات وجميعها صواب ، لأنها معروفة فـي لغات العرب ، مشهورة فـي منطقها . وقوله : { فَمَا آتانِـيَ اللَّهُ خَيْرٌ مـمَّا آتاكُمْ } يقول : فما آتانـي الله من الـمال والدنـيا أكثر مـما أعطاكم منها وأفضل { بَلْ أنْتُـمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ } يقول : ما أفرح بهديتكم التـي أهديتـم إلـيّ ، بل أنتـم تفرحون بـالهدية التـي تُهدى إلـيكم ، لأنكم أهل مفـاخرة بـالدنـيا ، ومكاثرة بها ، ولـيست الدنـيا وأموالها من حاجتـي ، لأن لله تعالـى ذكره قد مكَّننـي منها وملَّكنـي فـيها ما لـم يُـمَلِّك أحداً { ارْجِعْ إلَـيْهِمْ } وهذا قول سلـيـمان لرسول الـمرأة { ارْجِعْ إلَـيْهِمْ فَلَنَأْتِـيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها } لا طاقة لهم بها ولا قدرة لهم علـى دفعهم عما أرادوا منهم . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلـم ، عن وهب بن منبه ، قال : لـما أتت الهدايا سلـيـمان فـيها الوصائف والوُصفـاء ، والـخيـل العراب ، وأصناف من أصناف الدنـيا ، قال للرسل . الذين جاءوا به : { أتُـمِدُّونَنِ بِـمَالٍ فَمَا آتَانِـيَ خَيْرٌ مِـمَّا آتاكُمْ بَلْ أنْتُـمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ } لأنه لا حاجة لـي بهديتكم ، ولـيس رأيـي فـيه كرأيكم ، فـارجعوا إلـيها بـما جئتـم به من عندها ، { فَلَنَأْتِـيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها } . حدثنا عمرو بن عبد الـحميد ، قال : ثنا مروان بن معاوية ، عن إسماعيـل بن أبـي خالد ، عن أبـي صالـح فـي قوله : { فَلَنَأْتِـيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها } قال : لا طاقة لهم بها . وقوله { وَلَنُـخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أذِلَّةً وَهُمْ صَاغرُونَ } يقول : ولنـخرجنّ من أرسلكم من أرضهم أذلة وهم صاغرون إن لـم يأتونـي مسلـمين . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلـم ، عن وهب بن منبه : { وَلَنُـخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أذِلَّةً وَهُمْ صَاغرونَ } ، أو لتأتـينـي مسلـمة هي وقومها .