Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 38-40)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اختلف أهل العلم فـي الـحين الذي قال فـيه سليمان { يا أيها الـمَلأُ أيُّكُمْ يَأْتِـينِـي بِعَرْشِها } فقال بعضهم : قال ذلك حين أتاه الهدهد بنبأ صاحبة سبأ ، وقال له : { جئْتُكَ مِنْ سَبأ بِنَبأٍ يَقِـينٍ } وأخبره أن لها عرشا عظيـماً ، فقال له سلـيـمان صلى الله عليه وسلم : { سَنَنْظُرُ أصَدَقْتَ أمْ كُنْتَ مِنَ الكاذِبِـينَ } فكان اختبـاره صدقه من كذبه بأن قال لهؤلاء : أيكم يأتـينـي بعرش هذه الـمرأة قبل أن يأتونـي مسلـمين . وقالوا إنـما كتب سلـيـمان الكتاب مع الهدهد إلـى الـمرأة بعد ما صحّ عنده صدق الهدهد بـمـجيء العالـم بعرضها إلـيه علـى ما وصفه به الهدهد ، قالوا : ولولا ذلك كان مـحالاً أن يكتب معه كتابـاً إلـى من لا يدري ، هل هو فـي الدنـيا أم لا ؟ قالوا : وأخرى أنه لو كان كتب مع الهدهد كتابـاً إلـى الـمرأة قبل مـجيء عرشها إلـيه ، وقبل علـمه صدق الهدهد بذلك ، لـم يكن لقوله له { سَنَنْظُرُ أصَدَقْتَ أمْ كُنْتَ مِنَ الكاذبِـينَ } معنى ، لأنه لا يُـلِـم بخبره الثانـي من إبلاغه إياها الكتاب ، أو ترك إبلاغه إياها ذلك ، إلا نـحو الذي علـم بخبره الأوّل حين قال له : { جئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبإٍ يَقِـينٍ } قالوا : وإن لـم يكن فـي الكتاب معهم امتـحان صدقه من كذبه ، وكان مـحالاً أن يقول نبـيّ الله قولاً لا معنى له وقد قال : { سَنَنْطُرُ أصَدَقْتَ أمْ كُنْتَ مِنَ الكاذِبِـينَ } علـم أن الذي امتـحن به صدق الهدهد من كذبه هو مصير عرش الـمرأة إلـيه ، علـى ما أخبره به الهدهد الشاهد علـى صدقه ، ثم كان الكتاب معه بعد ذلك إلـيها . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قال : إن سلـيـمان أوتـي ملكاً ، وكان لا يعلـم أن أحداً أوتـي ملكاً غيره فلـما فقد الهدهد سأله : من أين جئت ؟ ووعده وعيداً شديداً بـالقتل والعذاب ، قال : { جِئْتُكَ مِنْ سَبأٍ بِنَبأٍ يَقِـينٍ } قال له سلـيـمان : ما هذا النبأ ؟ قال الهدهد : { إنّى وَجَدْتٌ امْرأةً } بسبأ { تَـمْلِكُهُمْ ، وأُوتِـيَتْ مِنْ كُلّ شَيْءٍ ، ولَهَا عَرْشٌ عَظِيـمٌ } فلـما أخبر الهدهد سلـيـمان أنه وجد سلطاناً ، أنكر أن يكون لأحد فـي الأرض سلطان غيره ، فقال لـمن عنده من الـجنّ والإنس : { يا أيُّها الـمَلأُّ أيُّكُمْ يَأْتِـينِـي بعَرْشِها قَبْلَ أنْ يَأْتُونِـي مُسْلِـمِينَ ؟ قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الـجِنّ أنا آتِـيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ ، وإنّـي عَلَـيْهِ لَقَوِيّ أمِينٌ } قال سلـيـمان : أريد أعجل من ذلك { قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْـمٌ مِنَ الكِتابِ } وهو رجل من الإنس عنده علـم من الكتاب فـيه اسم الله الأكبر ، الذي إذا دعي به أجاب : { أنا آتِـيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ يَرْتَدَّ إلَـيْكَ طَرْفُكَ } فدعا بـالاسم وهو عنده قائم ، فـاحتـمل العرش احتـمالاً حتـى وُضع بـين يدي سلـيـمان ، والله صنع ذلك فلـما أتـى سلـيـمان بـالعرش وهم مشركون ، يسجدون للشمس والقمر ، أخبره الهدهد بذلك ، فكتب معه كتابـاً ثم بعثه إلـيهم ، حتـى إذا جاء الهدهد الـملكة ألقـى إلـيها الكتاب { قالَتْ يا أيُّها الـمَلأُ إنّـي أُلْقِـيَ إلـيَّ كِتابٌ كَرِيـمٌ … } إلـى { وأْتُونِـي مُسْلِـمِينَ } فقالت لقومها ما قالت { وإنّـي مُرْسِلَةٌ إلَـيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِـمَ يَرْجِعُ الـمُرْسَلُونَ } قال : وبعثت إلـيه بوصائف ووصفـاء ، وألبستهم لبـاساً واحداً ، حتـى لا يعرف ذكر من أنثى ، فقالت : إن زيَّـل بـينهم حتـى يعرف الذكر من الأنثى ، ثم ردّ الهدية ، فإنه نبـيّ ، وينبغي لنا أن نترك ملكنا ونتَّبع دينه ونلـحق به ، فردّ سلـيـمان الهدية وزيَّـل بـينهم ، فقال : هؤلاء غلـمان ، وهؤلاء جَوَارٍ ، وقال : { أتُـمِدونَنِ بِـمَالٍ فَمَا آتانِـيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِـمَّا أتاكُمْ بَلْ أنْتُـمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تفْرَحُونَ … } إلـى آخر الآية . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : أخبرنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { إنّـي وَجَدْتُ امْرأةً تَـمْلِكُهُمْ … } الآية قال : وأنكر سلـيـمان أن يكون لأحد علـى الأرض سلطان غيره ، قال لـمن حوله من الـجنّ والإنس : { أيُّكُمْ يَأْتِـينِـي بعَرْشِها … } الآية . وقال آخرون : بل إنـما اختبر صدقَ الهدهدِ سلـيـمانُ بـالكتاب ، وإنـما سأل من عنده إحضاره عرش الـمرأة بعد ما خرجت رسلها من عنده ، وبعد أن أقبلت الـمرأة إلـيه . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلـم ، عن وهب بن منبه ، قال : لـما رجعت إلـيها الرسل بـما قال سلـيـمان : قالت : والله عرفت ما هذا بـملك ، وما لنا به طاقة ، وما نصنع بـمكاثرته شيئا ، وبعثت : إنـي قادمة علـيك بـملوك قومي ، حتـى أنظر ما أمرك ، وما تدعو إلـيه من دينك . ثم أمرت بسرير ملكها ، الذي كانت تـجلس علـيه ، وكان من ذهب مفصص بـالـياقوت والزبرجد واللؤلؤ ، فجعل فـي سبعة أبـيات بعضها فـي بعض ، ثم أقـفلت علـيه الأبواب . وكانت إنـما يخدمها النساء ، معها ستّ مئة امرأة يخدمنها ثم قالت لـمن خـلفت علـى سلطانها ، احتفظ بـما قِبَلك ، وبسرير ملكي ، فلا يخـلص إلـيه أحد من عبـاد الله ، ولا يرينه أحد حتـى أتـيك ثم شخصت إلـى سلـيـمان فـي اثنـي عشر ألف قَـيْـلٍ معها من ملوك الـيـمن ، تـحت يد كلّ قَـيْـلٍ منهم ألوف كثـيرة ، فجعل سلـيـمان يبعث الـجنّ ، . فـيأتونه بـمسيرها ومنتهاها كلّ يوم ولـيـلة ، حتـى إذا دنت جمع مَن عنده من الـجنّ والإنس مـمن تـحت يده ، فقال : { يا أيُّها الـمَلأُ أيُّكُمْ يَأْتِـينِـي بِعَرْشِها قَبْلَ أنْ يأْتُونِـي مُسْلِـمِينَ } . وتأويـل الكلام : قال سلـيـمان لأشراف من حضره من جنده من الـجنّ والإنس : { يا أيُّها الـمَلأُ أيُّكُمْ يَأْتِـينِـي بِعَرْشِها } يعنـي سريرها . كما : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد قوله : { أيُّكُمْ يَأْتِـينِـي بعَرْشِها } قال : سرير فـي أريكة . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مـجاهد ، قال : عرشها سرير فـي أريكة . قال ابن جُرَيج : سرير من ذهب ، قوائمه من جوهر ولؤلؤ . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلـم ، عن وهب بن منبه { أيُّكُمْ يَأْتِـينِـي بعَرْشِها } : بسريرها . وقال ابن زيد فـي ذلك ما : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : أيكُمْ يَأْتِـينِـي بعَرْشِها قال : مـجلسها . واختلف أهل العلـم فـي السبب الذي من أجله خصّ سلـيـمان مسألة الـملأ من جنده إحضار عرش هذه الـمرأة من بـين أملاكها قبل إسلامها ، فقال بعضهم : إنـما فعل ذلك لأنه أعجبه حين وصف له الهدهد صفته ، وخشي أن تسلـم فـيحرُم علـيه مالها ، فأراد أن يأخذ سريرها ذلك قبل أن يحرُم علـيه أخذه بإسلامها . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا أبو سفـيان ، عن معمر ، عن قَتادة ، قال : أخبر سلـيـمانَ الهدهدُ أنها قد خرجت لتأتـيه ، وأخبر بعرشها فأعجبه . كان من ذهب وقوائمه من جوهر مكلَّل بـاللؤلؤ ، فعرف أنهم إن جاءوه مسلـمين لـم تـحلّ لهم أموالهم ، فقال للـجنّ : { أيُّكُمْ يَأْتِـينِـي بِعَرْشِها قَبْلَ أنْ يَأتونِـي مُسْلِـمِينَ } . وقال آخرون : بل فعل ذلك سلـيـمان لـيعاتبها به ، ويختبر به عقلها ، هل تثبته إذا رأته ، أم تنكره ؟ ذكر من قال ذلك : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : أعلـم الله سلـيـمان أنها متأتـيه ، فقال : { أيُّكُمْ يَأْتِـينِـي بِعَرْشِها قَبْلَ أنْ يَأْتُونِـي مُسْلِـمِينَ } حتـى يعاتبها ، وكانت الـملوك يتعاتبون بـالعلـم . واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله { قَبْلَ أن يَأْتُونِـي مُسْلِـمِينَ } فقال بعضهم : معناه : قبل أن يأتونـي مستسلـمين طوعاً . ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله { وقبْل أنْ يَأْتُونِـي مُسْلِـمِينَ } يقول : طائعين . وقال آخرون : بل معنى ذلك : قبل أن يأتونـي مسلـمين الإسلام الذي هو دين الله . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، قال : قال ابن جُرَيج { أيُّكُمْ يَأْتِـينِـي بِعَرْشِها قَبْلَ أنْ يَأْتُونِـي مُسْلِـمِينَ } بحرمة الإسلام فـيـمنعهم وأموالهم ، يعنـي الإسلام يـمنعهم . قال أبو جعفر : وأولـى الأقوال بـالصواب فـي السبب الذي من أجله خصّ سلـيـمان بسؤاله الـملأ من جنده بإحضاره عرش هذه الـمرأة دون سائر ملكها عندنا ، لـيجعل ذلك حجة علـيها فـي نبوّته ، ويعرّفها بذلك قُدرة الله وعظيـم شأنه ، أنها خـلَّفته فـي بـيت فـي جوف أبـيات ، بعضها فـي جوف بعض ، مغلق مقـفل علـيها ، فأخرجه الله من ذلك كله ، بغير فتـح أغلاق وأقـفـال ، حتـى أوصله إلـى وَلِـيِّة من خـلقه ، وسلـمه إلـيه ، فكان لها فـي ذلك أعظم حجة ، علـى حقـيقة ما دعا لها إلـيه سلـيـمان ، وعلـى صدق سلـيـمان فـيـما أعلـمها من نبوّته . فأما الذي هو أولـى التأويـلـين فـي قوله { قَبْلَ أنْ يَأْتُونِـي مُسْلِـمِينَ } بتأويـله ، فقول ابن عبـاس الذي ذكرناه قبل ، من أن معناه طائعين ، لأن الـمرأة لـم تأت سلـيـمان إذ أتته مسلـمة ، وإنـما أسلـمت بعد مقدمها علـيه وبعد مـحاورة جرت بـينهما ومساءلة . وقوله : { قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الـجِنّ } يقول تعالـى ذكره : قال رئيس من الـجنّ مارد قويّ . وللعرب فـيه لغتان : عفريت ، وعفرية فمن قال : عفرية ، جمعه : عفـاري ومن قال : عفريت ، جمعه : عفـاريت . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، قال : قال ابن جُرَيج ، قال مـجاهد : { قال عِفْرِيتٌ مِنَ الـجِنّ } قال : مارد من الـجنّ { أنا آتِـيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ } . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا أبو سفـيان ، عن معمر ، عن قَتادة وغيره ، مثله . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا أبو سفـيان ، عن معمر ، عن بعض أصحابه { قالَ عِفْرِيتٌ } قال : داهية . قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : أخبرنـي وهب بن سلـيـمان ، عن شعيب الـجبـائي قال : العفريت الذي ذكره الله اسمه : كوزن . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلـم ، { قَالَ عِفْرِيتٌ } اسمه : كوزن . وقوله : { أنا آتِـيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ } يقول : أنا آتـيك بعرشها قبل أن تقوم من مقعدك هذا . وكان فما ذُكر قاعداً للقضاء بـين الناس ، فقال : أنا أتـيك به قبل أن تقوم من مـجلسك هذا الذي جلست فـيه للـحكم بـين الناس . وذكر أنه كان يقعد إلـى انتصاف النهار . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، مثله . قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا أبو سفـيان ، عن معمر ، عن قَتادة وغيره ، مثله ، قال : وكان يقضي قال : قبل أن تقوم من مـجلسك الذي تقضي فـيه . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلـم ، عن وهب بن منبه { أنا آتِـيكَ بِهِ قَبْلَ أن تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ } يعنـي مـجلسه . وقوله { وإنّـي عَلَـيْهِ لَقَوِيّ أمِينٌ } علـى ما فـيه من الـجواهر ، ولا أخون فـيه . وقد قـيـل : أمين علـى فرج الـمرأة . ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، فـي قوله { وإنّـي عَلَـيْهِ لَقَوِيٌّ أمِينٌ } يقول : قويّ علـى حمله ، أمين علـى فرج هذه . قوله : { قَالَ الَّذِي عِنْدَه عِلْـمٌ مِنَ الكِتابِ } يقول جلّ ثناؤه : قال الذي عنده علـم من كتاب الله ، وكان رجلاً فـيـما ذكر من بنـي آدم ، فقال بعضهم : اسمه بلـيخا . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا أبو عثمة ، قال : ثنا شعبة ، عن بشر ، عن قَتادة ، فـي قوله { قالَ الَّذي عنْدَه عِلْـمٌ مِنَ الكِتابِ } قال : كان اسمه بلـيخا . حدثنا يحيى بن داود الواسطي ، قال : ثنا أبو أسامة ، عن إسماعيـل ، عن أبـي صالـح ، فـي قوله { الَّذِي عِنْدَهُ عِلْـمٌ مِنَ الكِتابِ } رجل من الإنس . حدثنا ابن عرفة ، قال : ثنا مروان بن معاوية الفزاريّ ، عن العلاء بن عبد الكريـم ، عن مـجاهد ، فـي قول الله : { قالَ الَّذِي عِنْدَه عِلْـمٌ مِنَ الكِتابِ أنا آتِـيكَ بِهِ } قال : أنا أنظر فـي كتاب ربـي ، ثم آتـيك به { قَبْلَ أنْ يَرْتَدَّ إلَـيْكَ طَرْفُكَ } قال : فتكلـم ذلك العالـم بكلام دخـل العرش تـحت الأرض حتـى خرج إلـيهم . حدثنا ابن عرفة ، قال : ثنـي حماد بن مـحمد ، عن عثمان بن مطر ، عن الزهريّ ، قال : دعا الذي عنده علـم من الكتاب : يا إلهنا وإله كلّ شيء إلهاً واحداً ، لا إله إلا أنت ، ائتنـي بعرشها ، قال : فمثل بـين يديه . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا أبو سفـيان ، عن معمر ، عن قَتادة { قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْـمٌ مِنَ الكِتابِ } قال : رجل من بنـي آدم أحسبه قال : من بنـي إسرائيـل ، كان يعلـم اسم الله الذي إذا دعي به أجاب . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله { الَّذِي عِنْدَهُ عِلْـمٌ مِنَ الكِتابِ } قال : الاسم الذي إذا دعي به أجاب ، وهو : يا ذا الـجلال والإكرام . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : أخبرنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول : قال سلـيـمان لـمن حوله : { أيُّكُمْ يَأْتِـينِـي بِعَرْشِها قَبْلِ أنْ يَأْتُونِـي مُسْلِـمِينَ } فقال عفريت { أنا آتِـيكَ بِهِ قَبْلَ أن تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ } قال سلـيـمان : أريد أعجل من ذلك ، فقال رجل من الإنس عنده علـم من الكتاب ، يعنـي اسم الله إذا دعي به أجاب . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : { قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الـجِنّ أنا آتِـيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ ، وإنّـي عَلَـيْهِ لَقَوِيّ أمِينٌ } لا آتـيك بغيره ، أقول غيره أمثله لك . قال : وخرج يومئذٍ رجل عابد فـي جزيرة من البحر ، فلـما سمع العفريت { قالَ أنا آتِـيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ يَرْتَدَّ إلَـيْكَ طَرْفُكَ } قال : ثم دعا بـاسم من أسماء الله ، فإذا هو يحمل بـين عينـيه ، وقرأ : { فَلَـمَّا رآهُ مُسْتَقرّا عنْدَهُ قالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبّـي … } حتـى بلغ { إنَّ رَبِّـي غَنِـيّ كَرِيـمٌ } . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : قال رجل من الإنس . قال : وقال مـجاهد : الذي عنده علـم من الكتاب : علـم اسم الله . وقال آخرون : الذي عنده علـم من الكتاب ، كان آصف . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق { قَالَ عِفْرِيتٌ } لسلـيـمان { أنا آتِـيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ ، وإنّـي عَلَـيْهِ لَقَوِيّ أمِينٌ } فزعموا أن سلـيـمان بن داود قال : أبتغي أعجل من هذا ، فقال آصف بن برخيا ، وكان صدّيقاً يعلـم الاسم الأعظم الذي إذا دعي الله به أجاب ، وإذا سئل به أعطى : { أنا } يا نبـيّ الله { آتِـيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ يَرْتَدَّ إلَـيْكَ طَرْفُكَ } . وقوله : { أنا آتِـيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ يَرْتَدَّ إلَـيْكَ طَرْفُكَ } اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : أنا آتـيك به قبل أن يصل إلـيك من كان منك علـى مدّ البصر . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي إبراهيـم ، قال : ثنا إسماعيـل بن أبـي خالد ، عن سعيد بن جُبَـير { قَبْلَ أنْ يَرْتَدَّ إلَـيْكَ طَرْفُكَ } قال : من قبل أن يرجع إلـيك أقصى من ترى ، فذلك قوله { قَبْلَ أنْ يَرْتَدَّ إلَـيْكَ طَرْفُكَ } . قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا أبو سفـيان ، عن معمر ، قال : قال غير قَتادة { قَبْلَ أنْ يَرْتَدَّ إلَـيْكَ طَرْفُكَ } قبل أن يأتـيك الشخص من مدّ البصر . وقال آخرون : بل معنى ذلك : من قبل أن يبلغ طرفك مداه وغايته . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلـم عن وهب بن منبه { قَبْلَ أنْ يَرْتَدَّ إلَـيْكَ طَرْفُكَ } تـمدّ عينـيك فلا ينتهي طرفك إلـى مداه حتـى أمثله بـين يديك . قال : ذلك أريد . حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا عثام ، عن إسماعيـل ، عن سعيد بن جُبَـير ، قال : أخبرت أنه قال : ارفع طرفك من حيث يجيء ، فلـم يرجع إلـيه طرفه حتـى وضع العرش بـين يديه . حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا سفـيان ، عن عطاء ، عن مـجاهد ، فـي قوله { قَبْلَ أنْ يَرْتَدَّ إلَـيْكَ طَرْفُكَ } قال : مدّ بصره . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد { قَبْلَ أنْ يَرْتَدَّ إلَـيْكَ طَرْفُكَ } قال : إذا مدّ البصر حتـى يردّ الطرف خاسئاً . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مـجاهد { قَبْلَ أنْ يَرْتَدَّ إلَـيْكَ طَرْفُكَ } قال : إذا مدّ البصر حتـى يحسر الطرف . قال أبو جعفر : وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول من قال : قبل أن يرجع إلـيك طرفك من أقصى أثره ، وذلك أن معنى قوله { يَرَتَدَّ إلَـيْكَ } يرجع إلـيك البصر ، إذا فتـحت العين غير راجع ، بل إنـما يـمتدّ ماضيا إلـى أن يتناهى ما امتدّ نوره . فإذا كان ذلك كذلك ، وكان الله إنـما أخبرنا عن قائل ذلك { أنا آتِـيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ يَرْتَدَّ } لـم يكن لنا أن نقول : أنا آتـيك به قبل أن يرتدّ راجعاً { إلَـيْكَ طَرْفُكَ } من عند منتهاه . وقوله : { فَلَـمَّا رآه مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ } يقول : فلـما رأى سلـيـمان عرش ملكة سبأ مستقرّاً عنده . وفـي الكلام متروك استغنـي بدلالة ما ظهر عما ترك ، وهو : فدعا الله ، فأتـى به فلـما رآه سلـيـمان مستقرّاً عنده . وذُكر أن العالـم دعا الله ، فغار العرش فـي الـمكان الذي كان به ، ثم نبع من تـحت الأرض بـين يدي سلـيـمان . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـيـمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلـم ، عن وهب بن منبه ، قال : ذكروا أن آصِف بن برخيا توضأ ، ثم ركع ركعتـين ، ثم قال : يا نبـيّ الله ، امدد عينك حتـى ينتهي طرفك ، فمدّ سلـيـمان عينه ينظر إلـيه نـحو الـيـمن ، ودعا آصف فـانـخرق بـالعرش مكانه الذي هو فـيه ، ثم نبع بـين يدي سلـيـمان { فَلَـمَّا رَآهُ } سلـيـمان { مُسْتَقِرّاً عِنْدَهَ قالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبّـي لِـيَبْلُوَنِـي … } الآية . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن سعيد بن جُبَـير ، عن ابن عبـاس ، قال : نبع عرشها من تـحت الأرض . وقوله : { قالَ هَذَا مِنْ فَضِلِ رَبّـي لِـيَبْلُوَنِـي } يقول : هذا البصر والتـمكن والـملك والسلطان الذي أنا فـيه حتـى حمل إلـيّ عرش هذه فـي قدر ارتداد الطرف من مأرب إلـى الشام ، من فضل ربـي الذي أفْضَلَه علـيّ وعطائه الذي جاد به علـيّ ، لـيبلونـي ، يقول : لـيختبرنـي ويـمتـحننـي ، أأشكر ذلك من فعله علـيّ ، أم أكفر نعمته علـيّ بترك الشكر له ؟ وقد قـيـل : إن معناه : أأشكر علـى عرش هذه الـمرأة إذ أُتـيت به ، أم أكفر إذ رأيت من هو دونـي فـي الدنـيا أعلـم منـي ؟ ذكر من قال ذلك : حدثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : أخبرنـي عطاء الـخراسانـي ، عن ابن عبـاس ، فـي قوله : { فَلَـمَّا رآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبّـي لِـيَبْلُوَنِـي أأشْكُرُ } علـى السرير إذ أُتـيت به { أمْ أكْفُرُ } إذ رأيت من هو دونـي فـي الدنـيا أعلـم منـي ؟ . وقوله : { وَمَنْ شَكَرَ فإنَّـمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ } يقول : ومن شكر نعمة الله علـيه ، وفضله علـيه ، فإنـما يشكر طلب نفع نفسه ، لأنه لـيس بنفع بذلك غير نفسه ، لأنه لا حاجة لله إلـى أحد من خـلقه ، وإنـما دعاهم إلـى شكره تعريضاً منه لهم للنفع ، لا لاجتلاب منه بشكرهم إياه نفعا إلـى نفسه ، ولا دفع ضرّ عنها . { وَمَنْ كَفَرَ فإنَّ رَبّـي غَنِـيّ كَرِيـمٌ } يقول : ومن كفر نعمه وإحسانه إلـيه ، وفضله علـيه ، لنفسه ظلـم ، وحظَّها بخَس ، والله غنّـي عن شكره ، لا حاجة به إلـيه ، لا يضرّه كفر من كفر به من خـلقه ، كريـمٌ ، ومِن كرمه إفضاله علـى من يكفر نعمه ، ويجعلها وصلة يتوصل بها إلـى معاصيه .