Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 65-66)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : { قُلْ } يا مـحمد لسائلـيك من الـمشركين عن الساعة متـى هي قائمة { لا يَعْلَـمُ مَنْ فِـي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ الْغَيْبَ } الذي قد استأثر الله بعلـمه ، وحجب عنه خـلقه غيره والساعة من ذلك { وَما يَشْعَرُونَ } يقول : وما يدري من فـي السموات والأرض من خـلقه متـى هم مبعوثون من قبورهم لقـيام الساعة . وقد : حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم ، قال : ثنا ابن علـية ، قال : أخبرنا داود بن أبـي هند ، عن الشعبـيّ ، عن مسروق ، قال : قالت عائشة : من زعم أنه يخبر الناس بـما يكون فـي غد ، فقد أعظم علـى اللَّهِ الفِرْيَةَ ، والله يقول : { لا يَعْلَـمُ مَنْ فِـي السَّمَواتِ والأرْضِ الغَيْبَ إلاَّ اللّهُ } . واختلف أهل العربـية فـي وجه رفع الله ، فقال بعض البصريـين : هو كما تقول : إلا قلـيـل منهم . وفـي حرف ابن مسعود : قلـيلاً بدلاً من الأوّل ، لأنك نفـيته عنه وجعلته للآخر . وقال بعض الكوفـيـين : إن شئت أن تتوهم فـي « من » الـمـجهول ، فتكون معطوفة علـى : قل لا يعلـم أحد الغيب إلا الله . قال : ويجوز أن تكون « من » معرفة ، ونزل ما بعد « إلا » علـيه ، فـيكون عطفـاً ولا يكون بدلاً ، لأن الأوّل منفـي ، والثانـي مثبت ، فـيكون فـي النسق كما تقول : قام زيد إلا عمرو ، فـيكون الثانـي عطفـاً علـى الأوّل ، والتأويـل جحد ، ولا يكون أن يكون الـخبر جحداً ، أو الـجحد خبراً . قال : وكذلك { مَا فَعَلُوهُ إلاَّ قَلِـيـلٌ } وقلـيلاً من نَصَب ، فعلـى الاستثناء فـي عبـادتكم إياه ، ومن رَفَع فعلـى العطف ، ولا يكون بدلاً . وقوله : { بَلِ ادَّارَكَ عِلْـمُهُمْ فِـي الآخِرَةِ } اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء أهل الـمدينة سوى أبـي جعفر وعامة قرّاء أهل الكوفة : { بَلِ ادَّارَكَ } بكسر اللام من « بل » وتشديد الدال من « ادّارك » ، بـمعنى : بل تدارك علـمهم أي تتابع علـمهم بـالآخرة هل هي كائنة أم لا ، ثم أدغمت التاء فـي الدال كما قـيـل : { أثَّاقَلْتُـمْ إلَـى الأرْضِ } وقد بـيَّنا ذلك فـيـما مضى بـما فـيه الكفـاية من إعادته . وقرأته عامة قرّاء أهل مكة : « بَلْ أدْرَكَ عِلْـمُهُمْ فِـي الآخِرَةِ » بسكون الدال وفتـح الألف ، بـمعنى هل أدرك علـمهم علـم الآخرة . وكان أبو عمرو بن العلاء يُنكر فـيـما ذكر عنه قراءة من قرأ : « بَلْ أدْرَكَ » ويقول : إن « بل » إيجاب والاستفهام فـي هذا الـموضع إنكار . ومعنى الكلام : إذا قرىء كذلك « بَلْ أدْرَكَ » لـم يكن ذلك لـم يدرك علـمهم فـي الآخرة ، وبـالاستفهام قرأ ذلك ابن مـحيصن علـى الوجه الذي ذكرت أن أبـا عمرو أنكره . وبنـحو الذي ذكرت عن الـمكيـين أنهم قرءوه ذُكر عن مـجاهد أنه قرأه ، غير أنه كان يقرأ فـي موضع بل : أم . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله بن موسى ، قال : ثنا عثمان بن الأسود ، عن مـجاهد ، أنه قرأ « أمْ أدْرَكَ عِلْـمُهُمْ » وكان ابن عبـاس فـيـما ذُكر عنه يقرأ بإثبـات ياء فـي بل ، ثم يبتدىء أدّارك بفتـح ألفها علـى وجه الاستفهام وتشديد الدال . حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : ثنا بشر بن الـمفضل ، قال : ثنا شعبة ، عن أبـي حمزة ، عن ابن عبـاس فـي هذه الآية : « بَلـى أدَّارَكَ عِلْـمُهُمْ فِـي الآخِرَةِ » : أي لـم يدرك . حدثنا مـحمد بن الـمثنى ، قال : ثنا مـحمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبـي حمزة ، قال : سمعت ابن عبـاس يقرأ { بَلـى أدَّرَاكَ عِلْـمُهُمِ فِـي الآخِرَةِ } إنـما هو استفهام أنه لـم يدرك . وكأن ابن عبـاس وجه ذلك إلـى أن مخرجه مخرج الاستهزاء بـالـمكذّبـين بـالبعث . والصواب من القراءات عندنا فـي ذلك القراءتان اللتان ذكرت إحداهما عن قَرأَة أهل مكة والبصرة ، وهي « بَلْ أدْرَكَ عِلْـمُهُمْ » بسكون لام بل وفتـح ألف أدرك وتـخفـيف دالها ، والأخرى منهما عن قرأة الكوفة ، وهي { بَلِ ادَّارَكَ } بكسر اللام وتشديد الدال من أدّارك ، لأنهما القراءتان الـمعروفتان فـي قرّاء الأمصار ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب عندنا . فأما القراءة التـي ذُكرت عن ابن عبـاس ، فإنها وإن كانت صحيحة الـمعنى والإعراب ، فخلاف لـما علـيه مصاحف الـمسلـمين ، وذلك أن فـي بلـى زيادة ياء فـي قراءته لـيست فـي الـمصاحف ، وهي مع ذلك قراءة لا نعلـمها قرأ بها أحد من قرّاء الأمصار . وأما القراءة التـي ذكرت عن ابن مـحيصن ، فإن الذي قال فـيها أبو عمرو قول صحيح ، لأن العرب تـحقق ببل ما بعدها لا تنفـيه . والاستفهام فـي هذا الـموضع إنكار لا إثبـات ، وذلك أن الله قد أخبر عن الـمشركين أنهم من الساعة فـي شكّ ، فقال : { بَلْ هُمْ فِـي شَكّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ } . واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : بل أدرك علـمهم فـي الآخرة فأيقنوها إذ عاينوها حين لـم ينفعهم يقـينهم بها ، إذ كانوا بها فـي الدنـيا مكذّبـين . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : قال عطاء الـخراسانـي ، عن ابن عبـاس « بَلْ أدْرَكَ عِلْـمُهُمْ » قال : بصرهم فـي الآخرة حين لـم ينفعهم العلـم والبصر . وقال آخرون : بل معناه : بل غاب علـمهم فـي الآخرة . ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : « بَلْ أدْرَكَ عِلْـمُهُمْ فِـي الآخِرَةِ » يقول : غاب علـمهم . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { بَلِ ادَّرَكَ عِلْـمُهُمْ فِـي الآخِرَةِ } قال : يقول : ضلّ علـمهم فـي الآخرة فلـيس لهم فـيها علـم ، { هُمْ مِنْهَا عَمُونَ } . وقال آخرون : معنى ذلك : لـم يبلغ لهم فـيها علـم . ذكر من قال ذلك : حدثنـي عبد الوارث بن عبد الصمد ، قال : ثنـي أبـي ، عن جدي ، قال : ثنا الـحسين ، عن قتَادة فـي قوله : { بَلِ ادَّارَكَ عِلْـمُهُمْ فِـي الآخِرَةِ } قال : كان يقرؤها : « بَلْ أدْرَكَ عِلْـمُهُمْ فِـي الآخِرَةِ » قال : لـم يبلغ لهم فـيها علـم ، ولا يصل إلـيها منهم رغبة . وقال آخرون : معنى ذلك : بل أدْرَكَ : أم أدرك . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد « بَلْ أدْرَكَ عِلْـمُهُمْ » قال : أم أدرك . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عثمان ، عن مـجاهد « بَلْ أدْرَكَ عِلْـمُهُمْ » قال : أم أدرك علـمهم من أين يدرك علـمهم . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مـجاهد ، بنـحوه . قال أبو جعفر : وأولـى الأقوال فـي تأويـل ذلك بـالصواب علـى قراءة من قرأ « بَلْ أدْرَكَ » القول الذي ذكرناه عن عطاء الـخراسانـي ، عن ابن عبـاس ، وهو أن معناه : إذا قرىء كذلك { وَما يَشْعُرُونَ أيَّانَ يُبْعَثُونَ } بل أدرك علـمهم نفس وقت ذلك فـي الآخرة حين يبعثون ، فلا ينفعهم علـمهم به حينئذٍ ، فأما فـي الدنـيا فإنهم منها فـي شكّ ، بل هم منها عمون . وإنـما قلت : هذا القول أولـى الأقوال فـي تأويـل ذلك بـالصواب علـى القراءة التـي ذُكِرَتْ ، لأن ذلك أظهر معانـيه . وإذ كان ذلك معناه كان فـي الكلام مـحذوف قد استُغنـي بدلالة ما ظهر منه عنه . وذلك أن معنى الكلام : وما يشعرون أيان يُبعثون ، بل يشعرون ذلك فـي الآخرة ، فـالكلام إذا كان ذلك معناه ، وما يشعرون أبـان يبعثون ، بل أدرك علـمهم بذلك فـي الآخرة ، بل هم فـي الدنـيا فـي شكّ منها . وأما علـى قراءة من قرأه { بَلِ ادَّارَكَ } بكسر اللام وتشديد الدال ، فـالقول الذي ذكرنا عن مـجاهد ، وهو أن يكون معنى بل : أم ، والعرب تضع أم موضع بل ، وموضع بل : أم ، إذا كان فـي أوّل الكلام استفهام ، كما قال الشاعر : @ فَوَاللّهِ ما أدْرِي أسَلْـمَى تَغَوَّلَت أمِ النَّوْمُ أمْ كُلٌّ إلـيَّ حَبِـيبُ @@ يعنـي بذلك بل كلّ إلـيَّ حبـيب ، فـيكون تأويـل الكلام : وما يشعرون أيان يبعثون ، بل تدارك علـمهم فـي الآخرة : يعنـي تتابع علـمهم فـي الآخرة : أي بعلـم الآخرة : أي لـم يتتابع بذلك ولـم يعلـموه ، بل غاب علـمهم عنه ، وضلّ فلـم يبلغوه ولـم يدركوه . وقوله : { بَلْ هُمْ فِـي شَكّ مِنْها } يقول : بل هؤلاء الـمشركون الذين يسألونك عن الساعة فـي شك من قـيامها لا يوقنون بها ولا يصدّقون بأنهم مبعوثون من بعد الـموت ، { بَلْ هُمْ مِنْهمَا عمُونَ } يقول : بل هم من العلـم بقـيامها عمون .