Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 6-8)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : وإنك يا مـحمد لتـحفظ القرآن وتعلـمه { مِنْ لَدُنْ حَكِيـمٍ عَلِـيـمٍ } يقول : من عند حكيـم بتدبـير خـلقه ، علـيـم بأنبـاء خـلقه ومصالـحهم ، والكائن من أمورهم ، والـماضي من أخبـارهم ، والـحادث منها . { إذْ قال مُوسى } وإذ من صلة علـيـم . ومعنى الكلام : علـيـم حين قال موسى { لأَهْلِهِ } وهو فـي مسيره من مدين إلـى مصر ، وقد آذاهم بردُ لـيـلهم لـما أصلد زَنْدُه : { إنّـي آنَسْتُ ناراً } : أي أبصرت ناراً أو أحسستها ، فـامكثوا مكانكم { سآتِـيكُمْ مِنْها بِخَبرٍ } يعنـي من النار ، والهاء والألف من ذكر النار { أوْ آتِـيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ } . واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة : « بِشِهابِ قَبَسٍ » بإضافة الشهاب إلـى القبس ، وترك التنوين ، بـمعنى : أو آتـيكم بشعلةِ نارٍ أقتبسها منها . وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة : { بشِهابٍ قَبَسٍ } بتنوين الشهاب وترك إضافته إلـى القبس ، يعنـي : أو آتـيكم بشهاب مقتبس . والصواب من القول فـي ذلك أنهما قراءتان معروفتان فـي قَرَأة الأمصار ، متقاربتا الـمعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . وكان بعض نـحويـيِّ البصرة يقول : إذا جُعل القبس بدلاً من الشهاب ، فـالتنوين فـي الشهاب ، وإن أضاف الشهاب إلـى القبس ، لـم ينوّن الشهاب . وقال بعض نـحويـيِّ الكوفة : إذا أضيف الشهاب إلـى القبس فهو بـمنزلة قوله { وَلَدَارُ الآخِرَةِ } مـما يضاف إلـى نفسه إذا اختلف اسماه ولفظاه توهماً بـالثانـي أنه غير الأوّل . قال : ومثله حبة الـخضراء ، ولـيـلة القمراء ، ويوم الـخميس وما أشبهه . وقال آخر منهم : إن كان الشهاب هو القبس لـم تـجز الإضافة ، لأن القبس نعت ، ولا يُضاف الاسم إلـى نعته إلا فـي قلـيـل من الكلام ، وقد جاء : { وَلَدَارُ الآخِرَةِ } و { وَللَدَّارُ الآخِرَةُ } والصواب من القول فـي ذلك أن الشهاب إذا أريد به أنه غير القبس ، فـالقراءة فـيه بـالإضافة ، لأن معنى الكلام حينئذ ، ما بـينا من أنه شعلة قبس ، كما قال الشاعر : @ فـي كَفِّه صَعْدَةٌ مُشَقَّـفَةٌ فِـيها سِنانٌ كشُعْلَةِ القَبَسِ @@ وإذا أريد بـالشهاب أنه هو القبس ، أو أنه نعت له ، فـالصواب فـي الشهاب التنوين ، لأن الصحيح فـي كلام العرب ترك إضافة الاسم إلـى نعته ، وإلـى نفسه ، بل الإضافـات فـي كلامها الـمعروف إضافة الشيء إلـى غير نفسه وغير نعته . وقوله : { لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } يقول : كي تصطلوا بها من البرد . وقوله : { فَلَـمَّا جاءَها } يقول : فلـما جاء موسى النار التـي آنسها { نُودِيَ أنْ بُورِكَ مَنْ فِـي النَّارِ ومَنْ حَوْلَهَا } . كما : حدثنا علـيّ ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { نُودِيَ أنْ بُورِكَ مَنْ فِـي النَّارِ } يقول : قُدِّس . واختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيّ بقوله { مَنْ فِـي النَّارِ } فقال بعضهم : عنـي جلّ جلاله بذلك نفسه ، وهو الذي كان فـي النار ، وكانت النار نوره تعالـى ذكره فـي قول جماعة من أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، فـي قوله : { فَلَـمَّا جاءَها نُودِيَ أنْ بُورِكَ مَنْ فـي النَّارِ } يعنـي نفسه قال : كان نور ربّ العالـمين فـي الشجرة . حدثنـي إسماعيـل بن الهيثم أبو العالـية العبدي ، قال : ثنا أبو قُتَـيبة ، عن ورقاء ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبـير ، فـي قول الله : { بُورِكَ مَنْ فـي النَّارِ } قال : ناداه وهو فـي النار . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا أبو سفـيان ، عن معمر ، عن الـحسن ، فـي قوله : { نُودِيَ أنْ بُورِكَ مَنْ فِـي النّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا } قال هو النور . قال معمر : قال قَتادة : { بُورِكَ مَنْ فِـي النَّارِ } قال : نور الله بورك . قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : قال الـحسن البصري { بُورِكَ مَنْ فِـي النَّارِ } . وقال آخرون : بل معنى ذلك : بوركت النار . ذكر من قال ذلك : حدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الأشيب ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد { نُودِيَ أنْ بُورِكَ مَنْ فِـي النَّارِ } بوركت النار . كذلك قاله ابن عبـاس . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قوله { أنْ بُورِكَ مَنْ فِـي النَّارِ } قال : بوركت النار . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : قال مـجاهد { بُورِكَ مَنْ فِـي النَّارِ } قال : بوركت النار . حدثنا مـحمد بن سنان القزاز ، قال : ثنا مكي بن إبراهيـم ، قال : ثنا موسى ، عن مـحمد بن كعب ، فـي قوله : { أنْ بورِكَ مَنْ فِـي النَّارِ } نور الرحمن ، والنور هو الله { وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَـمِينَ } . واختلف أهل التأويـل فـي معنى النار فـي هذا الـموضع ، فقال بعضهم : معناه : النور كما ذكرت عمن ذكرت ذلك عنه . وقال آخرون : معناه النار لا النور . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن سعيد بن جُبَـير ، أنه قال : حجاب العزّة ، وحجاب الـمَلِك ، وحجاب السلطان ، وحجاب النار ، وهي تلك النار التـي نودي منها . قال : وحجاب النور ، وحجاب الغمام ، وحجاب الـماء ، وإنـما قـيـل : بورك من فـي النار ، ولـم يقل : بورك فـيـمن فـي النار علـى لغة الذين يقولون : بـاركك الله . والعرب تقول : بـاركك الله ، وبـارك فـيك . وقوله : { وَمَنْ حَوْلَهَا } يقول : ومن حول النار . وقـيـل : عَنـي بـمن حولها : الـملائكة . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس { وَمَنْ حَوْلَهَا } قال : يعنـي الـملائكة . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن الـحسن ، مثله . وقال آخرون : هو موسى والـملائكة . حدثنا مـحمد بن سنان القزّاز ، قال : ثنا مكي بن إبراهيـم ، قال : ثنا موسى ، عن مـحمد بن كعب { وَمَنْ حَوْلَهَا } قال موسى النبـيّ والـملائكة ، ثم قال : يا مُوسَى إنَّهُ أنا اللَّهُ العَزِيزُ الـحَكيـمُ . وقوله : { وَسُبْحانَ الله رَبّ العالَـمِينَ } يقول : وتنزيها لله ربّ العالـمين ، مـما يصفه به الظالـمون .