Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 9-11)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره مخبراً عن قـيـله لـموسى : { إنَّهُ أنا اللَّهُ العَزِيزُ } فـي نقمته من أعدائه { الـحَكِيـمُ } فـي تدبـيره فـي خـلقه . والهاء التـي فـي قوله : { إنَّهُ } هاء عماد ، وهو اسم لا يظهر فـي قول بعض أهل العربـية . وقال بعض نـحويـي الكوفة : يقول هي الهاء الـمـجهولة ، ومعناها : أن الأمر والشأن : أنا الله ، وقوله : { وألْقِ عَصَاكَ فَلَـمَّا رآهَا تَهْتَزُّ } فـي الكلام مـحذوف تُرك ذكره ، استغناء بـما ذُكِر عما حُذف ، وهو : فألقاها فصارت حية تهتز { فَلَـمَّا رآها تَهْتَزُّ كأنّها جانّ } يقول : كأنها حية عظيـمة ، والـجانّ : جنس من الـحيات معروف . وقال ابن جُرَيْج فـي ذلك ما . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، قال : قال ابن جُرَيج : { وألْقِ عَصَاكَ فَلَـمَّا رآها تَهْتَزُّ كأنَّها جانّ } قال : حين تـحوّلت حية تسعى ، وهذا الـجنس من الـحيات عنـي الراجز بقوله : @ يَرْفَعْنَ بـاللَّـيْـلِ إذَا ما أسْدَفـا أعْناقَ جِنَّانٍ وَهاما رُجَّفَـا وَعَنَقا بَعْدَ الرَّسِيـم خَيْطَفَـا @@ وقوله : { وَلَّـى مُدْبراً } يقول تعالـى ذكره : ولـى موسى هاربـاً خوفـا منها { ولَـمْ يُعَقِّبْ } يقول : ولـم يرجع من قولهم : عقب فلان : إذا رجع علـى عقبه إلـى حيث بدأ . وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك ، قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قول الله : { ولَـمْ يُعَقِّبْ } قال : لـم يرجع . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مـجاهد ، مثله . قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا أبو سفـيان عن معمر ، عن قتادة ، قال : لـم يـلتفت . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله { ولَـمْ يُعَقِّبْ } قال : لـم يرجع { يَا مُوسَى } قال : لـما ألقـى العصا صارت حية ، فرعب منها وجزع ، فقال الله : { إنّـي لا يَخافُ لَدَيَّ الـمُرْسَلُونَ } قال : فلـم يرعو لذلك ، قال : فقال الله له : { أقْبِلْ وَلا تَـخَفْ إنَّكَ مِنَ الآمِنِـينَ } قال : فلـم يقـف أيضا علـى شيء من هذا حتـى قال : { سَنُعِيدُها سِيرَتها الأُولـى } قال : فـالتفت فإذا هي عصا كما كانت ، فرجع فأخذها ، ثم قوي بعد ذلك حتـى صار يرسلها علـى فرعون ويأخذها . وقوله : { يا موسَى لا تَـخَفْ إنّـي لا يَخافُ لَديَّ الـمُرْسَلُونَ إلاَّ مَنْ ظَلَـمَ } يقول تعالـى ذكره : فناداه ربه : يا موسى لا تـخف من هذه الـحية ، إنـي لا يخاف لديّ الـمرسلون : يقول : إنـي لا يخاف عندي رسلـي وأنبـيائي الذين أختصهم بـالنبوّة ، إلا من ظلـم منهم ، فعمل بغير الذي أُذن له فـي العمل به . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : قوله { يا مُوسَى لا تَـخَفْ إنّـي لا يَخافُ لَدَيَّ الـمُرْسَلُونَ } قال : لا يخيف الله الأنبـياء إلا بذنب يصيبه أحدهم ، فإن أصابه أخافه حتـى يأخذه منه . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا عبد الله الفزاري ، عن عبد الله بن الـمبـارك ، عن أبـي بكر ، عن الـحسن ، قال : قوله : { يا مُوسَى لا تَـخَفْ إنّـي لا يَخافُ لَدَيَّ الـمُرْسَلُونَ إلاَّ مَنْ ظَلَـمَ } قال : إنـي إنـما أخفتك لقتلك النفس ، قال : وقال الـحسن : كانت الأنبـياء تذنب فتعاقب . واختلف أهل العربـية فـي وجه دخول إلا فـي هذا الـموضع ، وهو استثناء مع وعد الله الغفران الـمستثنى من قوله : { إنّـي لا يَخافُ لَدَيَّ الـمُرْسَلُونَ } بقوله : { فإنِّـي غَفُورٌ رَحِيـمٌ } . وحكم الاستثناء أن يكون ما بعده بخلاف معنى ما قبله ، وذلك أن يكون ما بعده إن كان ما قبله منفـياً مثبتاً كقوله : ما قام إلا زيد ، فزيد مثبت له القـيام ، لأنه مستثنى مـما قبل إلا ، وما قبل إلا منفـيّ عنه القـيام ، وأن يكون ما بعده إن كان ما قبله مثبتاً منفـياً كقولهم : قام القوم إلا زيدا فزيد منفـي عنه القـيام ومعناه : إن زيداً لـم يقم ، والقوم مثبت لهم القـيام ، إلا من ظلـم ، ثم بدّل حسناً بعد سوء ، فقد أمنه الله بوعده الغفران والرحمة ، وأدخـله فـي عداد من لا يخاف لديه من الـمرسلـين . فقال بعض نـحويـي البصرة : أدخـلت إلا فـي هذا الـموضع ، لأن إلا تدخـل فـي مثل هذا الكلام ، كمثل قول العرب : ما أشتكي إلا خيراً فلـم يجعل قوله : إلا خيراً علـى الشكوى ، ولكنه علـم أنه إذا قال : ما أشتكي شيئاً أن يذكر عن نفسه خيراً ، كأنه قال : ما أذكر إلا خيراً . وقال بعض نـحويـي الكوفة : يقول القائل : كيف صير خائفـاً من ظلـم ، ثم بدّل حسنا بعد سوء ، وهو مغفور له ؟ فأقول لك : فـي هذه الآية وجهان : أحدهما أن يقول : إن الرسل معصومة مغفور لها آمنة يوم القـيامة ، ومن خـلط عملاًً صالـحاً وآخر سيئاً فهو يخاف ويرجو ، فهذا وجه . والآخر : أن يجعل الاستثناء من الذين تركوا فـي الكلـمة ، لأن الـمعنى : لا يخاف لديّ الـمرسلون ، إنـما الـخوف علـى من سواهم ، ثم استثنى فقال : { إلا مَنْ ظَلَـمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً } يقول : كان مشركاً ، فتاب من الشرك ، وعمل حسنا ، فذلك مغفور له ، ولـيس يخاف . قال : وقد قال بعض النـحويـين : إن إلا فـي اللغة بـمنزلة الواو ، وإنـما معنى هذه الآية : لا يخاف لديّ الـمرسلون ، ولا من ظلـم ثم بدّل حسناً ، قال : وجعلوا مثله كقول الله : { لِئَلاَّ يكُونَ للنَّاسِ عَلَـيْكُمْ حُجَّةٌ إلاَّ الَّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْهُمْ } قال : ولـم أجد العربـية تـحتـمل ما قالوا ، لأنـي لا أجيز : قام الناس إلا عبد الله ، وعبد الله قائم إنـما معنى الاستثناء أن يخرج الاسم الذي بعد إلا من معنى الأسماء التـي قبل إلا . وقد أراه جائزاً أن يقول : لـي علـيك ألف سوى ألف آخر فإن وُضِعت إلا فـي هذا الـموضع صلـحت ، وكانت إلا فـي تأويـل ما قالوا ، فأما مـجرّدة قد استثنى قلـيـلها من كثـيرها فلا ، ولكن مثله مـما يكون معنى إلا كمعنى الواو ، ولـيست بها قوله : { خالِدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السَّمَوَاتُ والأرْضُ إلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ } هو فـي الـمعنى . والذي شاء ربك من الزيادة ، فلا تـجعل إلا بـمنزلة الواو ، ولكن بـمنزلة سوى فإذا كانت « سوى » فـي موضع « إلا » صلـحت بـمعنى الواو ، لأنك تقول : عندي مال كثـير سوى هذا : أي وهذا عندي ، كأنك قلت : عندي مال كثـير وهذا أيضا عندي ، وهو فـي سوى أبعد منه فـي إلا ، لأنك تقول : عندي سوى هذا ، ولا تقول : عندي إلا هذا . قال أبو جعفر : والصواب من القول فـي قوله { إلاَّ مَنْ ظَلَـمَ ثُم بَدَّلَ } عندي غير ما قاله هؤلاء الذين حكيناً قولهم من أهل العربـية ، بل هو القول الذي قاله الـحسن البصري وابن جُرَيج ومن قال قولهما ، وهو أن قوله : { إلاَّ مَنْ ظَلَـمَ } استثناء صحيح من قوله { لا يَخافُ لَدَيَّ الـمُرْسَلُونَ إلاَّ مَنْ ظَلَـمَ } منهم فأتـى ذنبـا ، فإنه خائف لديه من عقوبته . وقد بـين الـحسن رحمه الله معنى قـيـل الله لـموسى ذلك ، وهو قوله قال : إنـي إنـما أخفتك لقتلك النفس . فإن قال قائل : فما وجه قـيـله إن كان قوله { إلاَّ مَنْ ظَلَـمَ } استثناءً صحيحاً ، وخارجاً من عداد من لا يخاف لديه من الـمرسلـين ، وكيف يكون خائفـا من كان قد وُعد الغفران والرحمة ؟ قـيـل : إن قوله : { ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنا بَعْدَ سُوءِ } كلام آخر بعد الأوّل ، وقد تناهى الـخبر عن الرسل من ظلـم منهم ، ومن لـم يظلـم عند قوله { إلاَّ مَنْ ظَلَـمَ } ثم ابتدأ الـخبر عمن ظلـم من الرسل ، وسائر الناس غيرهم . وقـيـل : فمن ظلـم ثم بدّل حسناً بعد سوء فإنـي له غفور رحيـم . فإن قال قائل : فعلام تعطف إن كان الأمر كما قلت بثم إن لـم يكن عطفـا علـى قوله : { ظَلَـمَ } ؟ قـيـل : علـى متروك استغنـي بدلالة قوله { ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ } علـيه عن إظهاره ، إذ كان قد جرى قبل ذلك من الكلام نظيره ، وهو : فمن ظلـم من الـخـلق . وأما الذين ذكرنا قولهم من أهل العربـية ، فقد قالوا علـى مذهب العربـية ، غير أنهم أغفلوا معنى الكلـمة وحملوها علـى غير وجهها من التأويـل . وإنـما ينبغي أن يحمل الكلام علـى وجهه من التأويـل ، ويـلتـمس له علـى ذلك الوجه للإعراب فـي الصحة مخرج لا علـى إحالة الكلـمة عن معناها ووجهها الصحيح من التأويـل . وقوله : { ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْد سُوءٍ } يقول تعالـى ذكره : فمن أتـى ظلـماً من خـلق الله ، وركب مأثماً ، ثم بدل حسناً ، يقول : ثم تاب من ظلـمه ذلك وركوبه الـمأثم ، { فإنـي غَفُورٌ } يقول : فإن ساتر علـى ذنبه وظلـمه ذلك بعفوي عنه ، وترك عقوبته علـيه { رَحِيـمٌ } به أن أعاقبه بعد تبديـله الـحسن بضده . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله { إلاَّ مَنْ ظَلَـمَ ، ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنا بَعْدَ سُوءٍ } ثم تاب من بعد إساءته { فإنِّـي غَفُورٌ رَحِيـمٌ }