Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 81-81)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : فخسفنا بقارون وأهل داره . وقـيـل : وبداره ، لأنه ذكر أن موسى إذ أمر الأرض أن تأخذه أمرها بأخذه ، وأخذ من كان معه من جلسائه فـي داره ، وكانوا جماعة جلوساً معه ، وهم علـى مثل الذي هو علـيه من النفـاق والـمؤازرة علـى أذى موسى . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا جابر بن نوح ، قال : أخبرنا الأعمش ، عن الـمنهال بن عمرو ، عن عبد الله بن الـحارث ، عن ابن عبـاس ، قال : لـما نزلت الزكاة أتـى قارون موسى ، فصالـحه علـى كلّ ألف دينار ديناراً ، وكلّ ألف شيء شيئاً ، أو قال : وكلّ ألف شاة شاة « الطبريّ يشكّ » ، قال : ثم أتـى بـيته فحسبه فوجده كثـيراً ، فجمع بنـي إسرائيـل ، فقال : يا بنـي إسرائيـل إن موسى قد أمركم بكلّ شيء فأطعتـموه ، وهو الآن يريد أن يأخذ من أموالكم ، فقالوا : أنت كبـيرنا وأنت سيدنا ، فمرنا بـما شئت ، فقال : آمركم أن تـجيئوا بفلانة البغيّ ، فتـجعلوا لها جُعلاً ، فتقذفه بنفسها ، فدعوها فجعل لها جُعلاً علـى أن تقذفه بنفسها ، ثم أتـى موسى ، فقال لـموسى : إن بنـي إسرائيـل قد اجتـمعوا لتأمرهم ولتنهاهم ، فخرج إلـيهم وهم فـي براح من الأرض ، فقال : يا بنـي إسرائيـل من سرق قطعنا يده ، ومن افترى جلدناه ، ومن زنى ولـيس له امرأة جلدناه مئة ، ومن زنى وله امرأة جلدناه حتـى يـموت ، أو رجمناه حتـى يـموت « الطبري يشكّ » ، فقال له قارون : وإن كنت أنت ؟ قال : وإن كنت أنا قال : فإن بنـي إسرائيـل يزعمون أنك فجرت بفلانة . قال : ادعوها ، فإن قالت ، فهو كما قالت فلـما جاءت قال لها موسى : يا فلانة ، قالت : يا لَبَّـيك ، قال : أنا فعلت بك ما يقول هؤلاء ؟ قالت : لا ، وكذبوا ، ولكن جعلوا لـي جُعْلاً علـى أن أقذفك بنفسي فوثب ، فسجد وهو بـينهم ، فأوحى الله إلـيه : مُرِ الأرض بـما شئت ، قال : يا أرض خذيهم فأخذتهم إلـى أقدامهم . ثم قال : يا أرض خذيهم ، فأخذتهم إلـى ركبهم . ثم قال : يا أرض خذيهم ، فأخذتهم إلـى حِقِـيِّهم ، ثم قال : يا أرض خذيهم ، فأخذتهم إلـى أعناقهم قال : فجعلوا يقولون : يا موسى يا موسى ، ويتضرّعون إلـيه . قال : يا أرض خذيهم ، فـانطبقت علـيهم ، فأوحى الله إلـيه : يا موسى ، يقول لك عبـادي : يا موسى ، يا موسى ، فلا ترحمهم ؟ أما لو إياي دَعَوا ، لوجدونـي قريبـاً مـجيبـاً قال : فذلك قول الله : { فَخَرَجَ عَلـى قَوْمِهِ فِـي زِينَتِهِ } وكانت زينته أنه خرج علـى دوابّ شُقْر علـيها سُروج حُمْر ، علـيهم ثـياب مُصَبَّغة بـالبَهْرَمان . { قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الـحَياةَ الدُّنْـيا : يا لَـيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِـيَ قارُونُ … } إلـى قوله { إنَّه لا يُفْلِـحُ الكافِرُونَ } يا مـحمد { تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَـجْعَلُها للَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِـي الأرْضِ وَلا فَساداً ، والعاقِبَةُ لِلْـمُتَّقِـينَ } حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا يحيى بن عيسى ، عن الأعمش ، عن الـمنهال ، عن رجل ، عن ابن عبـاس قال : لـما أمر الله موسى بـالزكاة ، قال : رَمَوه بـالزنا ، فجزع من ذلك ، فأرسلوا إلـى امرأة كانت قد أعطوها حكمها ، علـى أن ترميه بنفسها فلـما جاءت عظم علـيها ، وسألها بـالذي فلق البحر لبنـي إسرائيـل ، وأنزل التوراة علـى موسى إلاَّ صَدَقت . قالت : إذ قد استـحلفتَنـي ، فإنـي أشهد أنك بريء ، وأنك رسول الله ، فخرّ ساجداً يبكي ، فأوحى الله تبـارك وتعالـى : ما يبكيك ؟ قد سلطناك علـى الأرض ، فمرها بـما شئت ، فقال : خذيهم ، فأخذتهم إلـى ما شاء الله ، فقالوا : يا موسى ، يا موسى فقال : خذيهم ، فأخذتهم إلـى ما شاء الله ، فقالوا : يا موسى ، يا موسى فخسفتهم . قال : وأصاب بنـي إسرائيـل بعد ذلك شدّة وجوع شديد ، فأتَوا موسى ، فقالوا : ادع لنا ربك قال : فدعا لهم ، فأوحى الله إلـيه : يا موسى ، أتكلـمنـي فـي قوم قد أظلـم ما بـينـي وبـينهم خطاياهم ، وقد دعوك فلـم تـجبهم ، أما إيَّاي لو دَعَوا لأجبتهم . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن الأعمش ، عن الـمنهال ، عن سعيد بن جُبَـير ، عن ابن عبـاس { فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الأرْضَ } قال : قـيـل للأرض خذيهم ، فأخذتهم إلـى أعقابهم ثم قـيـل لها : خذيهم ، فأخذتهم إلـى ركبهم ثم قـيـل لها : خذيهم ، فأخذتهم إلـى أحْقائهم ثم قـيـل لها : خذيهم ، فأخذتهم إلـى أعناقهم ثم قـيـل لها : خذيهم ، فَخُسِف بهم ، فذلك قوله : { فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ } . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا علـيّ بن هاشم بن البريد ، عن الأعمش ، عن الـمنهال ، عن سعيد بن جُبَـير ، عن ابن عبـاس ، فـي قوله { إنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى } قال : كان ابن عمه ، وكان موسى يقضي فـي ناحية بنـي إسرائيـل ، وقارون فـي ناحية ، قال : فدعا بَغِيَّة كانت فـي بنـي إسرائيـل ، فجعل لها جُعْلاً علـى أن ترمي موسى بنفسها ، فتركته إذا كان يوم تـجتـمع فـيه بنو إسرائيـل إلـى موسى ، أتاه قارون فقال : يا موسى ما حدّ من سرق ؟ قال : أن تنقطع يده ، قال : وإن كنتَ أنت ؟ قال : نعم قال : فما حَدّ مَن زنى ؟ قال : أن يُرجم ، قال : وإن كنت أنت ؟ قال : نعم قال : فإنك قد فعلت ، قال : وَيْـلَك بـمن ؟ قال : بفلانة فدعاها موسى ، فقال : أنْشُدك بـالذي أنزل التوراة ، أَصَدقَ قارون ؟ قالت : اللهمّ إذ نَشَدْتنـي ، فإنـي أشهد أنك برىء ، وأنك رسول الله ، وأن عدوّ الله قارون جعل لـي جُعْلاً علـى أن أرميَك بنفسي قال : فوثب موسى ، فخرّ ساجداً لله ، فأوحى الله إلـيه أنِ ارفعْ رأسك ، فقد أمرت الأرض أن تطيعك ، فقال موسى : يا أرضُ خذيهم ، فأخذتهم حتـى بلغوا الـحِقْو ، قال : يا موسى قال : خذيهم ، فأخذتهم حتـى بلغوا الصدور ، قال : يا موسى ، قال : خذيهم ، قال : فذهبوا . قال : فأوحى الله إلـيه يا موسى : استغاث بك فلـم تغثه ، أما لو استغاث بـي لأجبته ولأغثته . حدثنا بشر بن هلال الصوّاف ، قال : ثنا جعفر بن سلـيـمان الضبعيّ ، قال : ثنا علـيّ بن زيد بن جدعان ، قال : خرج عبد الله بن الـحارث من الدار ، ودخـل الـمقصورة فلـما خرج منها ، جلس وتساند علـيها ، وجلسنا إلـيه ، فذكر سلـيـمانَ بنِ داود { قالَ يا أيُّها الـمَلأُ أيُّكُمْ يَأْتِـينِـي بعَرْشِها قَبْلَ أنْ يَأْتُونِـي مُسْلِـمِينَ … } إلـى قوله { إنَّ رَبّـي غَنِـيٌّ كَرِيـمٌ } ثم سكت عن ذكر سلـيـمان ، فقال : { إنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَـيْهِمْ } وكان قد أوتـي من الكنوز ما ذكر الله فـي كتابه { ما إنَّ مَفـاتِـحَهُ لَتَنُوءُ بـالْعُصْبَةِ أُولـى القُوَّةِ ، قالَ إنَّـما أُوتِـيتُهُ عَلـى عِلْـمٍ عِنْدِي } قال : وعادى موسى ، وكان مؤذياً له ، وكان موسى يصفح عنه ويعفو ، للقرابة ، حتـى بنى داراً ، وجعل بـاب داره من ذهب ، وضرب علـى جدرانه صفـائح الذهب ، وكان الـملأ من بنـي إسرائيـل يَغْدُون علـيه ويروحون ، فـيطعمهم الطعام ، ويحدّثونه ويضحكونه ، فلـم تدعْه شِقوته والبلاء ، حتـى أرسل إلـى امرأة من بنـي إسرائيـل مشهورة بـالـخَنَا ، مشهورة بـالسَّبّ ، فأرسل إلـيها فجاءته ، فقال لها : هل لك أن أُموِّلك وأعطيَك ، وأخـلطَك فـي نسائي ، علـى أن تأتـينـي والـملأ من بنـي إسرائيـل عندي ، فتقولـي : يا قارون ، ألا تنهى عَنِّـي موسى قالت : بلـى . فلـما جلس قارون ، وجاء الـملأ من بنـي إسرائيـل ، أرسل إلـيها ، فجاءت فقامت بـين يديه ، فقلب الله قلبها ، وأحدث لها توبة ، فقالت فـي نفسها : لأن أُحْدِث الـيوم توبة ، أفضل من أن أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأكذّب عدوّ الله له . فقالت : إن قارون قال لـي : هل لك أن أمَوِّلك وأعطيَك ، وأخـلِطك بنسائي ، علـى أن تأتِـينـي والـملأ من بنـي إسرائيـل عندي ، فتقولـي : يا قارون ألاَ تنهى عنـي موسى ، فلـم أجد توبة أفضل من أن لا أُوذِي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأكذِّب عدوّ الله فلـما تكلـمت بهذا الكلام ، سُقِط فـي يدي قارون ، ونكَّس رأسه ، وسكت الـملأ ، وعرف أنه قد وَقَع فـي هَلَكة ، وشاع كلامها فـي الناس ، حتـى بلغ موسى فلـما بلغ موسى اشتدّ غضبه ، فتوضأ من الـماء ، وصلّـى وبكى ، وقال : يا ربّ عدوّك لـي مؤذ ، أراد فضيحتـي وشَيْنـي ، يا ربّ سلطنـي علـيه . فأوحى الله إلـيه أن مُرِ الأرض بـما شئت تطعك . فجاء موسى إلـى قارون فلـما دخـل علـيه ، عرف الشرّ فـي وجه موسى له ، فقال : يا موسى ارحمنـي قال : يا أرض خذيهم ، قال : فـاضطربت داره ، وساخت بقارون وأصحابه إلـى الكعبـين ، وجعل يقول : يا موسى ، فأخذتهم إلـى رُكَبهم ، وهو يتضرّع إلـى موسى : يا موسى ارحمنـي قال : يا أرض خذيهم ، قال : فـاضطربت داره وساخت ، وخُسف بقارون وأصحابه إلـى سُرَرِهم ، وهو يتضرّع إلـى موسى : يا موسى ارحمنـي قال : يا أرض خذيهم ، فخُسِف به وبداره وأصحابه . قال : وقـيـل لـموسى صلى الله عليه وسلم : يا موسى ما أفظَّك . أما وعزّتـي لو إيايَ نادى لأجبته . حدثنـي بشر بن هلال ، قال : ثنا جعفر بن سلـيـمان ، عن أبـي عِمران الـجَوْنـيّ ، قال : بلغنـي أنه قـيـل لـموسى : لا أُعَبِّدُ الأرض لأحد بعدك أبداً . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا عبد الرحمن بن مهديّ ، وعبد الـحميد الـحِمّانـي ، عن سفـيان ، عن الأغرّ بن الصبـاح ، عن خـلـيفة بن حُصين ، قال : عبد الـحميد ، عن أبـي نصر ، عن ابن عبـاس ، ولـم يذكر ابن مهدي أبـا نصر { فَخَسَفنا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ } قال : الأرض السابعة . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : بلغنا أنه يخسف به كلّ يوم مِئَة قامة ، ولا يبلغ أسفل الأرض إلـى يوم القـيامة ، فهو يتـجَلْـجَل فـيها إلـى يوم القـيامة . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا زيد بن حبـان ، عن جعفر بن سلـيـمان ، قال : سمعت مالك بن دينار ، قال : بلغنـي أن قارون يُخْسَف به كلّ يوم مِئَة قامة . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قَتادة { فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ } ذُكر لنا أنه يُخسَف به كلّ يوم قامة ، وأنه يتـجلـجل فـيها ، لا يبلغ قعرها إلـى يوم القـيامة . وقوله : { فَمَا كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللّهِ } يقول : فلـم يكن له جند يرجع إلـيهم ، ولا فئة ينصرونه لـما نزل به من سخطه ، بل تبرّءوا منه { وَما كانَ مِنَ الـمُنْتَصِرِينَ } يقول : ولا كان هو مـمن ينتصر من الله إذا أحلّ به نقمته ، فـيـمتنع لقوّته منها . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك ، قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قَتادة { فَمَا كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ } أي جند ينصرونه ، وما عنده منعة يـمتنع بها من الله . وقد بـيَّنا معنى الفئة فـيـما مضى ، وأنها الـجماعة من الناس ، وأصلها الـجماعة التـي يفـيء إلـيها الرجل عند الـحاجة إلـيهم ، للعون علـى العدوّ ، ثم تستعمل ذلك العرب فـي كلّ جماعة كانت عوناً للرجل ، وظَهْراً له ومنه قول خفـاف :