Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 82-82)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : وأصبح الذين تـمنَّوا مكانه بـالأمس من الدنـيا ، وغناه وكثرة ماله ، وما بسط له منها بـالأمس ، يعنـي قبل أن ينزل به ما نزل من سخط الله وعقابه ، يقولون : ويْكأنّ الله … اختلف فـي معنى { وَيْكَأنَّ اللّهَ } فأما قَتادة ، فإنه رُوي عنه فـي ذلك قولان : أحدهما ما : حدثنا به ابن بشار ، قال : ثنا مـحمد بن خالد بن عَثْمة ، قال : ثنا سعيد بن بشير ، عن قَتادة ، قال فـي قوله { وَيْكأنَّهُ } قال : ألـم تر أنه . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قَتادة { وَيْكأَنَّهُ } : أوَ لاَ تَرى أنه . وحدثنـي إسماعيـل بن الـمتوكل الأشجعي ، قال : ثنا مـحمد بن كثـير ، قال : ثنـي معمر ، عن قَتادة : { وَيْكأنَّهُ } قال : ألـم تَرَ أنه . والقول الآخر ، ما : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا أبو سفـيان ، عن معمر ، عن قَتادة ، فـي قوله : { وَيْكأَنَّ اللّهَ يَبْسُطُ الرّزْقَ } قال : أو لـم يعلـم أن الله { وَيْكأنَّهُ } : أوَ لا يَعلـمُ أنه . وتأوّل هذا التأويـل الذي ذكرناه عن قَتادة فـي ذلك أيضاً بعض أهل الـمعرفة بكلام العرب من أهل البصرة ، واستشهد لصحة تأويـله ذلك كذلك ، بقول الشاعر : @ سألَتانِـي الطَّلاقَ أنْ رَأَتانِـي قَلَّ مالـي ، قَدْ جِئْتُـما بِنُكْرِ وَيْكأنْ مَنْ يَكُنْ لَهُ نَشَب يُحْ بَبْ ومَن يفْتَقِرْ يعِشْ عَيْشَ ضُرّ @@ وقال بعض نـحويِّـي الكوفة : « ويكأنّ » فـي كلام العرب : تقرير ، كقول الرجل : أما ترى إلـى صُنع الله وإحسانه وذكر أنه أخبره من سمع أعرابـية تقول لزوجها : أين ابننا ؟ فقال : ويكأنه وراء البـيت . معناه : أما ترينه وراء البـيت قال : وقد يَذْهَب بها بعض النـحويـين إلـى أنها كلـمتان ، يريد : وَيْكَ أَنه ، كأنه أراد : ويْـلَك ، فحذف اللام ، فتـجعل « أَنّ » مفتوحة بفعل مضمر ، كأنه قال : ويْـلَك اعلـمْ أنه وراء البـيت ، فأضمر « اعلـم » . قال : ولـم نـجد العرب تُعْمِل الظنّ مضمراً ، ولا العلـم وأشبـاهه فـي « أَنّ » ، وذلك أنه يبطل إذا كان بـين الكلـمتـين ، أو فـي آخر الكلـمة ، فلـما أضمر جرى مـجرى الـمتأخر ألا ترى أنه لا يجوز فـي الابتداء أن يقول : يا هذا ، أنك قائم ، ويا هذا أَنْ قمت ، يريد : علـمت ، أو اعلـم ، أو ظننت ، أو أظنّ . وأما حذف اللام من قولك : ويْـلَك حتـى تصير : ويْك ، فقد تقوله العرب ، لكثرتها فـي الكلام ، قال عنترة : @ وَلَقَدْ شَفَـى نَفْسي وأبْرأَ سُقْمَها قَوْلُ الفَوَارِسِ وَيْكَ عَنْتَرَ أقْدِم @@ قال : وقال آخرون : إن معنى قوله { وَيْكأَنَّ } : « وي » منفصلة من كأنّ ، كقولك للرجل : وَيْ أما ترى ما بـين يديك ؟ فقال : « وي » ثم استأنف ، كأن الله يبسط الرزق ، وهي تعجب ، وكأنّ فـي معنى الظنّ والعلـم ، فهذا وجه يستقـيـم . قال : ولـم تكتبها العرب منفصلة ، ولو كانت علـى هذا لكتبوها منفصلة ، وقد يجوز أن تكون كُثِّر بها الكلام ، فوُصِلت بـما لـيست منه . وقال آخر منهم : إن « وَيْ » : تنبـيه ، وكأن حرف آخر غيره ، بـمعنى : لعلّ الأمر كذا ، وأظنّ الأمر كذا ، لأن كأنّ بـمنزلة أظنّ وأحسب وأعلـم . وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصحة : القول الذي ذكرنا عن قَتادة ، من أن معناه : ألـم تَرَ ، ألـم تعلَـمْ ، للشاهد الذي ذكرنا فـيه من قول الشاعر ، والرواية عن العرب وأنّ « ويكأنّ » فـي خطّ الـمصحف حرف واحد . ومتـى وجه ذلك إلـى غير التأويـل الذي ذكرنا عن قَتادة ، فإِنه يصير حرفـين ، وذلك أنه إن وجه إلـى قول من تأوّله بـمعنى : وَيْـلَك اعلـم أن الله ، وجب أن يفصل « وَيْكَ » من « أَنّ » ، وذلك خلاف خطّ جميع الـمصاحف ، مع فساده فـي العربـية ، لـما ذكرنا . وإن وُجِّه إلـى قول من يقول : « وَيْ » بـمعنى التنبـيه ، ثم استأنف الكلام بكأن ، وجب أن يُفْصَل « وَيْ » من « كأن » ، وذلك أيضا خلاف خطوط الـمصاحف كلها . فإذا كان ذلك حرفـا واحدا ، فـالصواب من التأويـل : ما قاله قَتادة ، وإذ كان ذلك هو الصواب ، فتأويـل الكلام : وأصبح الذين تـمنوا مكان قارون وموضعه من الدنـيا بـالأمس ، يقولون لَـمَّا عاينوا ما أحلّ الله به من نقمته ، ألـم تر يا هذا أن الله يبسط الرزق لـمن يشاء من عبـاده ، فـيُوسِّع علـيه ، لا لفضل منزلته عنده ، ولا لكرامته علـيه ، كما كان بسط من ذلك لقارون ، لا لفضله ولا لكرامته علـيه { وَيَقُدِرُ } يقول : ويضيق علـى من يشاء من خـلقه ذلك ، ويقتِّر علـيه ، لا لهوانه ، ولا لسُخْطه عمله . وقوله : { لَوْلا أنْ مَنَّ اللّهُ عَلَـيْنا } يقول : لولا أن تفضل علـينا ، فصرف عنا ما كنا نتـمناه بـالأمس ، { لَـخَسَفَ بِنا } . واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار سوى شيبة : « لَـخُسِفَ بِنا » بضم الـخاء ، وكسر السين وذُكر عن شيبة والـحسن : { لـخَسَفَ بِنَا } بفتـح الـخاء والسين ، بـمعنى : لـخسف اللّهُ بنا . وقوله : { وَيْكأنَّهُ لا يُفْلِـحُ الكافِرُونَ } يقول : ألـم تعلـم أنه لا يفلـح الكافرون ، فتُنْـجِح طَلِبـاتهم .