Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 25-25)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره مخبراً عن قـيـل إبراهيـم لقومه : { وَقالَ } إبراهيـم لقومه : يا قوم { إنَّـمَا اتَّـخَذْتُـمْ مِنْ دُونِ اللّهِ أوْثاناً } . واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله : { مَوَدَّةَ بَـيْنِكُمْ } فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والشأم وبعض الكوفـيـين : « مَوَدَّةً » بنصب مودة بغير إضافة بـينكم بنصبها . وقرأ ذلك بعض الكوفـيـين : { مَوَدَّةَ بَـيْنِكُمْ } بنصب الـمودّة وإضافتها إلـى قوله { بَـيْنِكُمْ } ، وخفض بـينِكم . وكأن هؤلاء الذين قرءوا قوله : { مَوَدَّةَ } نصبـاً وجَّهوا معنى الكلام إلـى : إنـما اتـخذتـم أيها القوم أوثاناً مودة بـينكم ، فجعلوا إنـما حرفـاً واحداً ، وأوقعوا قوله { اتَّـخَذْتـمْ } علـى الأوثان ، فنصبوها بـمعنى : اتـخذتـموها مودّة بـينكم فـي الـحياة الدنـيا ، تتـحابُّون علـى عبـادتها ، وتتوادّون علـى خدمتها ، فتتواصلون علـيها . وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل مكة والبصرة : « مَوَدَّةُ بَـيْنِكُمْ » برفع الـمودة وإضافتها إلـى البـين ، وخفض البـين . وكأن الذين قرءوا ذلك كذلك ، جعلوا « إنَّ مَا » حرفـين ، بتأويـل : إن الذين اتـخذتـم من دون الله أوثاناً إنـما هو مودّتكم للدنـيا ، فرفعوا مودة علـى خبر إن . وقد يجوز أن يكونوا علـى قراءتهم ذلك رفعاً بقوله « إنـما » أن تكون حرفـاً واحداً ، ويكون الـخبر متناهياً عند قوله { إنَّـمَا اتَّـخَذْتُـمْ مِنْ دُونِ اللّهِ أوْثاناً } ثم يبتدىءُ الـخبر فـيقال : ما مودتكم تلك الأوثان بنافعتكم ، إنـما مودّة بـينكم فـي حياتكم الدنـيا ، ثم هي منقطعة ، وإذا أريد هذا الـمعنى كانت الـمودّة مرفوعة بـالصفة بقوله { فِـي الـحَياةِ الدُّنْـيا } وقد يجوز أن يكونوا أرادوا برفع الـمودّة ، رفعها علـى ضمير هي . وهذه القراءات الثلاث متقاربـات الـمعانـي ، لأن الذين اتـخذوا الأوثان آلهة يعبدونها ، اتـخذوها مودة بـينهم ، وكانت لهم فـي الـحياة الدنـيا مودة ، ثم هي عنهم منقطعة ، فبأيّ ذلك قرأ القارىء فمصيب ، لتقارب معانـي ذلك ، وشهرة القراءة بكلّ واحدة منهنّ فـي قرّاء الأمصار . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قَتادة { وَقالَ إنَّـمَا اتَّـخَذْتُـمْ مِنْ دُونِ اللّهِ أوْثاناً مَوَدَّةَ بَـيْنِكُمْ فِـي الـحَياةِ الدنْـيا ، ثمَّ يَوْمَ الْقِـيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ ببَعْضٍ ، وَيَـلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } ًقال : صارت كلّ خُـلَّة فـي الدنـيا عداوة علـى أهلها يوم القـيامة إلاَّ خُـلَّة الـمتقـين . وقوله : { ثُمَّ يَوْمَ القِـيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ ، وَيَـلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } يقول تعالـى ذكره : ثم يوم القـيامة أيها الـمتوادّون علـى عبـادة الأوثان والأصنام ، والـمتواصلون علـى خدماتها عند ورودكم علـى ربكم ، ومعاينتكم ما أعدّ الله لكم علـى التواصل ، والتوادّ فـي الدنـيا من ألـم العذاب { يَكْفر بعضكم ببعض } يقول : يتبرأ بعضكم من بعض ، ويـلعن بعضُكم بعضاً وقوله : { ومَأْوَاكُمُ النَّارُ } يقول جلّ ثناؤه : ومصير جميعكم أيها العابدون الأوثان وما تعبدون النارُ { ومَا لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ } يقول : وما لكم أيها القوم الـمتـخذو الآلهة ، من دون الله مودّة بـينكم من أنصار ينصرونكم من الله حين يصلـيكم نار جهنـم ، فـينقذونكم من عذابه .