Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 46-46)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : { وَلا تُـجادِلُوا } أيها الـمؤمنون بـالله وبرسوله الـيهود والنصارى ، وهم { أهْلَ الكِتابِ إلاَّ بـالَّتِـي هِيَ أحْسَنُ } يقول : إلاَّ بـالـجميـل من القول ، وهو الدعاء إلـى الله بآياته ، والتنبـيه علـى حُججه . وقوله : { إلاَّ الَّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْهُمْ } اختلف أهل التأويـل فـي تأويـله فقال بعضهم : معناه : إلاَّ الذين أبوا أن يقرّوا لكم بإعطاء الـجزية ، ونصبوا دون ذلك لكم حربـا ، فإنهم ظلـمة ، فأولئك جادلوهم بـالسيف حتـى يسلـموا أو يعطوا الـجزية . ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـيّ بن سهل ، قال : ثنا يزيد ، عن سفـيان ، عن خصيف ، عن مـجاهد ، فـي قوله : { وَلا تُـجادِلُوا أهْلَ الكِتابِ إلاَّ بـالَّتِـي هِيَ أحْسَنُ إلاَّ الَّذِينَ ظَلَـمُوا منهمْ } قال : من قاتل ولـم يُعط الـجزية . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنـي أبـي ، عن سفـيان ، عن خصيف ، عن مـجاهد ، بنـحوه . إلاَّ أنه قال : من قاتلك ولـم يعطك الـجزية . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد { وَلا تُـجادِلُوا أهْلَ الكِتابِ إلاَّ بـالَّتِـي هِيَ أحْسَنُ } قال : إن قالوا شرّاً ، فقولوا خيراً ، { إلاَّ الَّذِينَ ظَلَـمُوا مِنهُمْ } فـانتصروا منهم . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله { إلاَّ الَّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْهُمْ } قال : قالوا مع الله إله ، أو له ولد ، أو له شريك ، أو يد الله مَغْلولة ، أو الله فقـير ، أو آذَوْا مـحمداً صلى الله عليه وسلم ، قال : هم أهل الكتاب . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا يحيى بن آدم ، عن شريك ، عن سالـم ، عن سعيد { وَلا تُـجادِلُوا أهْلَ الكِتابِ إلاَّ بـالَّتِـي هِيَ أحْسَنُ ، إلاَّ الَّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْهُمْ } قال : أهل الـحرب ، مَنْ لا عهد له ، جادِلْه بـالسيف . وقال آخرون : معنى ذلك : { وَلا تُـجادِلُوا أهْلَ الكِتابِ } الذين قد آمنوا به ، واتبعوا رسوله فـيـما أخبروكم عنه مـما فـي كتبهم { إلاَّ بـالتـي هِيَ أحْسَنُ ، إلاَّ الَّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْهُمْ } . فأقاموا علـى كفرهم ، وقالوا : هذه الآية مُـحْكَمة ، ولـيست بـمنسوخة . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَلا تُـجادِلُوا أهْلَ الكِتابِ إلاَّ بـالَّتِـي هِيَ أحْسَنُ } قال : لـيست بـمنسوخة ، لا ينبغي أن تـجادل من آمن منهم ، لعلهم يحسنون شيئاً فـي كتاب الله ، لا تعلـمه أنت ، فلا تـجادله ، ولا ينبغي أن تـجادل إلاَّ الذين ظلـموا ، الـمقـيـمَ منهم علـى دينه . فقال : هو الذي يُجادَلُ ، ويُقال له بـالسيف . قال : وهؤلاء يهود . قال : ولـم يكن بدار الهجرة من النصارى أحد ، إنـما كانوا يهوداً هم الذي كلَّـموا وحالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وغدرت النضير يوم أُحُد ، وغدرت قُريظة يوم الأحزاب . وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية قبل أن يؤمر النبـيّ صلى الله عليه وسلم بـالقتال ، وقالوا : هي منسوخة نسخها قوله : { قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بـاللّهِ وَلا بـالـيَوْمِ الآخِرِ } ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله { وَلا تُـجادِلُوا أهْلَ الكِتابِ إلاَّ بـالَّتِـي هِيَ أحْسَنُ } ثم نسخ بعد ذلك ، فأمر بقتالهم فـي سورة براءة ، ولا مـجادلة أشدّ من السيف أن يقاتلوا حتـى يشهدوا أن لا إله إلاَّ الله ، وأن مـحمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو يقرّوا بـالـخَراج . وأولـى هذه الأقوال بـالصواب ، قول من قال : عنى بقوله { إلاَّ الَّذِينَ ظَلـمُوا مِنْهُمْ } : إلاَّ الذين امتنعوا من أداء الـجزية ، ونصبوا دونها الـحرب . فإن قال قائل : أو غير ظالـم من أهل الكتاب ، إلاَّ من لـم يؤدّ الـجزية ؟ قـيـل : إن جميعهم وإن كانوا لأنفسهم بكفرهم بـالله ، وتكذيبهم رسوله مـحمداً صلى الله عليه وسلم ، ظَلَـمة ، فإنه لـم يعن بقوله { إلاَّ الَّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْهُمْ } ظُلْـمَ أنفسهم . وإنـما عنى به : إلاَّ الذين ظلـموا منهم أهل الإيـمان بـالله ورسوله مـحمد صلى الله عليه وسلم ، فإن أولئك جادلوهم بـالقتال . وإنـما قلنا : ذلك أولـى الأقوال فـيه بـالصواب ، لأن الله تعالـى ذكره أذِن للـمؤمنـين بجدال ظلـمة أهل الكتاب بغير الذي هو أحسن ، بقوله { إلاَّ الَّذِينَ ظَلـمُوا مِنْهُمْ } فمعلوم إذ كان قد أذن لهم فـي جدالهم ، أن الذين لـم يؤذن لهم فـي جدالهم إلاَّ بـالتـي هي أحسن ، غير الذين أذن لهم بذلك فـيهم ، وأنهم غير الـمؤمن ، لأن الـمؤمن منهم غير جائز جداله إلاَّ فـي غير الـحقّ ، لأنه إذا جاء بغير الـحقّ ، فقد صار فـي معنى الظلـمة فـي الذي خالف فـيه الـحقّ . فإذ كان ذلك كذلك ، تبـين أن لا معنى لقول من قال : عنى بقوله { وَلا تُـجادِلُوا أهلَ الكِتابِ } أهل الإيـمان منهم ، وكذلك لا معنى لقول من قال : نزلت هذه الآية قبل الأمر بـالقتال ، وزعم أنها منسوخة ، لأنه لا خبر بذلك يقطع العذر ، ولا دلالة علـى صحته من فطرة عقل . وقد بـيَّنا فـي غير موضع من كتابنا ، أنه لا يجوز أن يحكم علـى حكم الله فـي كتابه بأنه منسوخ إلاَّ بحجة يجب التسلـيـم لها من خبر أو عقل . وقوله : { وَقُولُوا آمَنَّا بـالَّذِي أُنْزِلَ إلَـيْنا وأُنْزِلَ إلَـيْكُمْ ، وَإلَهُنا وإلهُكُمْ وَاحِدٌ ، ونَـحنُ لَهُ مُسْلِـمُونَ } يقول تعالـى ذكره للـمؤمنـين به وبرسوله ، الذين نهاهم أن يجادلوا أهل الكتاب إلاَّ بـالتـي هي أحسن : إذا حدثكم أهل الكتاب أيها القوم عن كتبهم ، وأخبروكم عنها بـما يـمكن ويجوز أن يكونوا فـيه صادقـين ، وأن يكونوا فـيه كاذبـين ، ولـم تعلـموا أمرهم وحالهم فـي ذلك فقولوا لهم { آمَّنَّا بِـالَّذِي أُنْزِلَ إلَـينا وأنْزِلَ إلَـيْكُمْ } مـما فـي التوراة والإنـجيـل { وَإلَهُنا وإلهُكُمْ وَاحِدٌ } يقول : ومعبودنا ومعبودكم واحد { ونَـحْنُ لَهُ مُسْلِـمُونَ } يقول : ونـحن له خاضعون متذللون بـالطاعة فـيـما أمرنا ونهانا . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك ، جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر الرواية بذلك : حدثنا مـحمد بن الـمثنى ، قال : ثنا عثمان بن عمر ، قال : أخبرنا علـيّ ، عن يحيى بن أبـي كثـير ، عن أبـي سلـمة عن أبـي هريرة ، قال : كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بـالعبرانـية ، فـيفسرونها بـالعربـية لأهل الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تُصَدّقُوا أهْلَ الكِتابِ وَلا تُكَذّبُوهُمْ ، وَقُولُوا آمَنَّا بـالَّذِي أُنْزِلَ إلَـيْنا وأُنْزِلَ إلَـيْكُمْ ، وَإلهُنا وإلهُكُمْ وَاحِدٌ ، ونَـحْنُ لَهُ مُسْلِـمُونَ « . " حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا سفـيان ، عن سعد بن إبراهيـم ، عن عطاء بن يسار ، قال : كان ناس من الـيهود يحدثون ناساً من أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : " لا تُصَدّقُوهُمْ وَلا تُكَذّبُوهُمْ ، وَقُولُوا آمَنَّا بـالَّذِي أُنْزِلَ إلَـيْنا وأُنْزِلَ إلَـيْكُمْ « " قال : ثنا أبو عامر ، قال : ثنا سفـيان ، عن سلـيـمان ، عن عمارة بن عمير ، عن حريث بن ظهير ، عن عبد الله ، قال : لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء ، فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا ، إما أن تكذبوا بحقّ أو تصدّقوا ببـاطل ، فإنه لـيس أحد من أهل الكتاب إلاَّ وفـي قلبه تالـية تدعوه إلـى دينه كتالـية الـمال . وكان مـجاهد يقول فـي ذلك ما : حدثنـي به مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { إلاَّ الَّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْهُمْ } قال : قالوا مع الله إله ، أو له ولد ، أو له شريك ، أو يد الله مغلولة ، أو الله فقـير ، أو آذوا مـحمداً ، { وقُولُوا آمَنَّا بـالَّذِي أُنْزِل إلَـيْنا وأُنْزِلَ إلَـيْكُمْ } لـمن لـم يقل هذا من أهل الكتاب .