Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 57-59)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره للـمؤمنـين به من أصحاب نبـيه : هاجِرُوا من أرض الشرك من مكة ، إلـى أرض الإسلام الـمدينة ، فإن أرضي واسعة ، فـاصبروا علـى عبـادتـي ، وأخـلِصوا طاعتـي ، فإنكم ميتون ، وصائرون إلـيّ ، لأن كل نفس حية ذائقة الـموت ، ثم إلـينا بعد الـموت تُرَدّون . ثم أخبرهم جلّ ثناؤه عما أعدّ للصابرين منهم علـى طاعته ، من كرامته عنده ، فقال : { والَّذين آمنوا } ، يعنـي صدّقوا الله ورسوله ، فـيـما جاء به من عند الله ، { وعَمِلوا الصَّالِـحاتِ } : يقول : وعملوا بـما أمرهم الله فأطاعوه فـيه ، وانتهوا عما نهاهم عنه { لَنُبَوّئَنَّهُمْ مِنَ الـجَنَّةِ غُرَفـاً } يقول : لننزلنهم من الـجنة عَلالـيّ . واختلفت القُرَّاء فـي قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة وبعض الكوفـيـين : { لَنُبَوّئَنَّهُمْ } بـالبـاء وقرأته عامة قرّاء الكوفة بـالثاء : « لَنُثْوِيَنَّهُمْ » . والصواب من القول فـي ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان فـي قرّاء الأمصار ، قد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القُرّاء ، متقاربتا الـمعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، وذلك أن قوله : { لَنُبَوِّئَنّهُمْ } من بوأته منزلاً : أي أنزلته ، وكذلك لنُثْوينهم إنـما هو من أثويته مَسْكَناً إذا أنزلته منزلاً ، من الثواء ، وهو الـمُقام . وقوله : { تَـجْرِي مِنْ تَـحْتِها الأنهارُ } يقول : تـجرى من تـحت أشجارها الأنهار . { خالِدِينَ فِـيها } يقول : ماكثـين فـيها إلـى غير نهاية { نِعْمَ أجْرُ العامِلِـينَ } يقول : نعم جزاء العاملـين بطاعة الله هذه الغرفُ التـي يُثْوِيهُمُوها الله فـي جَنّاته ، تـجري من تـحتها الأنهار ، الذين صبروا علـى أذى الـمشركين فـي الدنـيا ، وما كانوا يَـلْقون منهم ، وعلـى العمل بطاعة الله وما يرضيه ، وجهاد أعدائه { وَعَلـى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } فـي أرزاقهم وجهاد أعدائهم ، فلا يَنْكُلون عنهم ثقة منهم بأن الله مُعْلِـي كلـمته ، ومُوهِن كيد الكافرين ، وأن ما قُسم لهم من الرزق فلن يَفُوتَهم .