Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 110-110)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اختلف أهل التأويـل فـي قوله : { كُنتُمْ خَيْرًا أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } فقال بعضهم : هم الذين هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من مكة إلـى الـمدينة ، وخاصة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عمرو بن حماد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن سماك ، عن سعيد بن جبـير ، عن ابن عبـاس ، قال فـي : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قال : هم الذين خرجوا معه من مكة . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن عطية ، عن قـيس ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عبـاس : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قال : هم الذين هاجروا من مكة إلـى الـمدينة . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السدي : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } قال عمر بن الـخطاب : لو شاء الله لقال « أنتـم » ، فكنا كلنا ، ولكن قال : { كُنتُمْ } فـي خاصة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن صنع مثل صنـيعهم ، كانوا خير أمة أخرجت للناس ، يأمرون بـالـمعروف ، وينهون عن الـمنكر . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، قال : قال ابن جريج : قال عكرمة : نزلت فـي ابن مسعود ، وسالـم مولـى أبـي حذيفة ، وأبـيّ بن كعب ، ومعاذ بن جبل . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا مصعب بن الـمقدام ، عن إسرائيـل ، عن السديّ ، عمن حدثه ، قال عمر : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قال : تكون لأوّلنا ، ولا تكون لآخرنا . حدثنا الـحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا إسرائيـل ، عن سماك بن حرب ، عن سعيد بن جبـير ، عن ابن عبـاس : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قال : هم الذين هاجروا مع النبـيّ صلى الله عليه وسلم إلـى الـمدينة . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ذكر لنا أن عمر بن الـخطاب قال فـي حجة حجها : ورأى من الناس رِعَة سيئة ، فقرأ هذه : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } … الآية ، ثم قال : يا أيها الناس ، من سره أن يكون من تلك الأمة ، فلـيؤدّ شرط الله منها . حدثنـي يحيـى بن أبـي طالب ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك فـي قوله : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قال : هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ، يعنـي وكانوا هم الرواة الدعاة الذين أمر الله الـمسلـمين بطاعتهم . وقال آخرون : معنى ذلك : كنتـم خير أمة أخرجت للناس ، إذ كنتـم بهذه الشروط التـي وصفهم جلّ ثناؤه بها . فكان تأويـل ذلك عندهم : كنتـم خير أمة تأمرون بـالـمعروف ، وتنهون عن الـمنكر ، وتؤمنون بـالله أُخرِجوا للناس فـي زمانكم . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد فـي قول الله عزّ وجلّ : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } يقول : علـى هذا الشرط أن تأمروا بـالـمعروف ، وتنهوا عن الـمنكر ، وتؤمنوا بـالله ، يقول : لـمن أنتـم بـين ظهرانـيه ، كقوله : { وَلَقَدِ ٱخْتَرْنَـٰهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ } . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـجاهد قوله : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قال : يقول : كنتـم خير الناس للناس ، علـى هذا الشرط ، أن تأمروا بـالـمعروف ، وتنهوا عن الـمنكر ، وتؤمنوا بـالله ، يقول لـمن بـين ظهريه كقوله : { وَلَقَدِ ٱخْتَرْنَـٰهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ } . وحدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن سفـيان ، عن ميسرة ، عن أبـي حازم ، عن أبـي هريرة : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قال : كنتـم خير الناس للناس ، تـجيئون بهم فـي السلاسل ، تدخـلونهم فـي الإسلام . حدثنا عبـيد بن أسبـاط ، قال : ثنا أبـي ، عن فضيـل بن مرزوق ، عن عطية فـي قوله : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قال : خير الناس للناس . وقال آخرون : إنـما قـيـل : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } لأنهم أكثر الأمـم استـجابة للإسلام . ذكر من قال ذلك : حدثت عن عمار بن الـحسن ، قال : ثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع ، قوله : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } قال : لـم تكن أمة أكثر استـجابة فـي الإسلام من هذه الأمة ، فمن ثم قال : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } . وقال بعضهم : عنى بذلك أنهم كانوا خير أمة أخرجت للناس . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سنان ، قال : ثنا أبو بكر الـحنفـي ، عن عبـاد ، عن الـحسن فـي قوله : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } قال : قد كان ما تسمع من الـخير فـي هذه الأمة : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعد عن قتادة قال : كان الـحسن يقول : نـحن آخرها وأكرمها علـى الله . قال أبو جعفر : وأولـى هذه الأقوال بتأويـل الآية ما قال الـحسن ، وذلك أن : حدثني يعقوب بن إبراهيـم حدثنـي قال : ثنا ابن علـية ، عن بهز بن حكيـم ، عن أبـيه ، عن جده ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ألا إنَّكُمْ وَفَّـيْتُـمْ سَبْعِينَ أُمَّةً أنْتُـمْ آخِرُها وأكْرَمُها علـى اللَّهِ " حدثنا الـحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن بهز بن حكيـم ، عن أبـيه ، عن جده ، أنه سمع النبـيّ صلى الله عليه وسلم يقول فـي قوله : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } قال : " أنْتُـمْ تُتِـمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أنْتُـمْ خَيْرُها وأكْرَمُها علـى اللَّهِ " حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ذكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم ، وهو مسند ظهره إلـى الكعبة : " نَـحْنُ نُكَمِّلُ يَوْمَ القِـيامَةِ سَبْعينَ أُمَّةً نَـحْنُ آخرُها وخَيْرُها " وأما قوله : { تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } فإنه يعنـي : تأمرون بـالإيـمان بـالله ورسوله ، والعمل بشرائعه ، { وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } يعنـي : وتنهون عن الشرك بـالله ، وتكذيب رسوله ، وعن العمل بـما نهى عنه . كما : حدثنا علـيّ بن داود ، قال : ثنا عبد الله بن صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } يقول : تأمرونهم بـالـمعروف أن يشهدوا أن لا إله إلا الله ، والإقرار بـما أنزل الله ، وتقاتلونهم علـيه ، ولا إله إلا الله هو أعظم الـمعروف ، وتنهونهم عن الـمنكر والـمنكر : هو التكذيب ، وهو أنكر الـمنكر . وأصل الـمعروف : كل ما كان معروفـاً ففعله جميـل مستـحسن غير مستقبح فـي أهل الإيـمان بـالله . وإنـما سميت طاعة الله معروفـاً ، لأنه مـما يعرفه أهل الإيـمان ولا يستنكرون فعله . وأصل الـمنكر ما أنكره الله ، ورأوه قبـيحاً فعله ، ولذلك سميت معصية الله منكراً ، لأن أهل الإيـمان بـالله يستنكرون فعلها ، ويستعظمون ركوبها . وقوله : { وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } يعنـي : تصدّقون بـالله ، فتـخـلصون له التوحيد والعبـادة . فإن سأل سائل فقال : وكيف قـيـل : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ } وقد زعمت أن تأويـل الآية أن هذه الأمة خير الأمـم التـي مضت ، وإنـما يقال : كنتـم خير أمة ، لقوم كانوا خياراً فتغيروا عما كانوا علـيه ؟ قـيـل : إن معنى ذلك بخلاف ما ذهبت إلـيه ، وإنـما معناه : أنتـم خير أمة ، كما قـيـل : { وَٱذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ } وقد قال فـي موضع آخر : { وَٱذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ } فإدخال « كان » فـي مثل هذا وإسقاطها بـمعنى واحد ، لأن الكلام معروف معناه . ولو قال أيضاً فـي ذلك قائل : كنتـم بـمعنى التـمام ، كان تأويـله : خـلقتـم خير أمة ، أو وجدتـم خير أمة ، كان معنى صحيحاً ، وقد زعم بعض أهل العربـية أن معنى ذلك : كنتـم خير أمة عند الله فـي اللوح الـمـحفوظ أخرجت للناس ، والقولان الأوّلان اللذان قلنا ، أشبه بـمعنى الـخبر الذي رويناه قبل . وقال آخرون معنى ذلك : كنتـم خير أهل طريقة ، وقال : الأمة : الطريقة . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَلَوْ ءامَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَـٰبِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ } . يعنـي بذلك تعالـى ذكره : ولو صدّق أهل التوراة والإنـجيـل من الـيهود والنصارى بـمـحمد صلى الله عليه وسلم ، وما جاءهم به من عند الله ، لكان خيراً لهم عند الله فـي عاجل دنـياهم ، وآجل آخرتهم . { مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ } يعنـي من أهل الكتاب من الـيهود والنصارى ، الـمؤمنون الـمصدّقون رسول الله صلى الله عليه وسلم فـيـما جاءهم به من عند الله ، وهم عبد الله بن سلام ، وأخوه ، وثعلبة بن سَعْيَة وأخوه ، وأشبـاههم مـمن آمنوا بـالله ، وصدّقوا برسوله مـحمد صلى الله عليه وسلم ، واتبعوا ما جاءهم به من عند الله . { وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ } يعنـي : الـخارجون عن دينهم ، وذلك أن من دين الـيهود اتبـاع ما فـي التوراة ، والتصديق بـمـحمد صلى الله عليه وسلم ، ومن دين النصارى اتبـاع ما فـي الإنـجيـل ، والتصديق به وبـما فـي التوراة ، وفـي كلا الكتابـين صفة مـحمد صلى الله عليه وسلم ونعته ، ومبعثه ، وأنه نبـيّ الله ، وكلتا الفرقتـين ، أعنـي الـيهود والنصارى مكذبة ، فذلك فسقهم وخروجهم عن دينهم الذي يدّعون أنهم يدينون به الذي قال جلّ ثناؤه { وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ } . وقال قتادة بـما : حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ } : ذمّ الله أكثر الناس .