Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 114-115)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعنـي بقوله جلّ وعزّ : { يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلاْخِرِ } : يصدّقون بـالله ، وبـالبعث بعد الـمـمات ، ويعلـمون أن الله مـجازيهم بأعمالهم ولـيسوا كالـمشركين الذين يجحدون وحدانـية الله ، ويعبدون معه غيره ، ويكذّبون بـالبعث بعد الـمـمات ، وينكرون الـمـجازاة علـى الأعمال والثواب والعقاب . وقوله : { وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } يقول : يأمرون الناس بـالإيـمان بـالله ورسوله ، وتصديق مـحمد صلى الله عليه وسلم ، وما جاءهم به . { وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } يقول : وينهون الناس عن الكفر بـالله ، وتكذيب مـحمد ، وما جارهم به من عند الله : يعنـي بذلك : أنهم لـيسوا كالـيهود والنصارى ، الذي يأمرون الناس بـالكفر ، وتكذيب مـحمد فـيـما جارهم به ، وينهونهم عن الـمعروف من الأعمال ، وهو تصديق مـحمد فـيـما أتاهم به من عند الله : { وَيُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلْخَيْرٰتِ } يقول : ويبتدرون فعل الـخيرات خشية أن يفوتهم ذلك قبل معاجلتهم مناياهم . ثم أخبر جلّ ثناؤه أن هؤلاء الذين هذه صفتهم من أهل الكتاب هم من عداد الصالـحين ، لأن من كان منهم فـاسقاً قد بـاء بغضب من الله ، لكفره بـالله وآياته ، وقتلهم الأنبـياء بغير حقّ ، وعصيانه ربه ، واعتدائه فـي حدوده . اختلف القراء فـي قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الكوفة : { وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَروهُ } جميعاً ، ردًّا علـى صفة القوم الذين وصفهم جلّ ثناؤه بأنهم يأمرون بـالـمعروف وينهون عن الـمنكر . وقرأته عامة قراء الـمدينة والـحجاز وبعض قراء الكوفة بـالتاء فـي الـحرفـين جميعاً : { وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ تُكْفُرُوهُ } بـمعنى : وما تفعلوا أنتـم أيها الـمؤمنون من خير فلن يكفركموه ربكم . وكان بعض قراء البصرة يرى القراءتـين فـي ذلك جائزاً بـالـياء والتاء فـي الـحرفـين . والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا : { وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَروهُ } بـالـياء فـي الـحرفـين كلـيهما ، يعنـي بذلك الـخبر عن الأمة القائمة ، التالـية آيات الله . وإنـما اخترنا ذلك ، لأن ما قبل هذه الآية من الآيات خبر عنهم ، فإلـحاق هذه الآية إذ كان لا دلالة فـيها تدلّ علـى الانصراف عن صفتهم بـمعانـي الآيات قبلها أولـى من صرفها عن معانـي ما قبلها . وبـالذي اخترنا من القراءة كان ابن عبـاس يقرأ . حدثنـي أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم بن سلام ، قال : ثنا حجاج ، عن هارون ، عن أبـي عمرو بن العلاء ، قال : بلغنـي عن ابن عبـاس أنه كان يقرؤها جميعاً بـالـياء . فتأويـل الآية إذًا علـى ما اخترنا من القراءة : وما تفعل هذه الأمة من خير ، وتعمل من عمل لله فـيه رضا فلن يكفرهم الله ذلك يعنـي بذلك : فلن يبطل الله ثواب عملهم ذلك ، ولا يدعهم بغير جزاء منه لهم علـيه ، ولكنه يجزل لهم الثواب علـيه ، ويُسنـي لهم الكرامة والـجزاء . وقد دللنا علـى معنى الكفر مضى قبل بشواهده ، وأن أصله تغطية الشيء ، فكذلك ذلك فـي قوله : { فَلَنْ يُكْفَروهُ } : فلن يغطي علـى ما فعلوا من خير ، فـيتركوا بغير مـجازاة ، ولكنهم يشكرون علـى ما فعلوا من ذلك ، فـيجزل لهم الثواب فـيه . وبنـحو ما قلنا فـي ذلك من التأويـل تأوّل ذلك من أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : « وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ تُكْفَرُوهُ » يقول : لن يضلّ عنكم . حُدثت عن عمار ، قال : ثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع ، بـمثله . وأما قوله : { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ } فإنه يقول تعالـى ذكره : والله ذو علـم بـمن اتقاه بطاعته ، واجتناب معاصيه ، وحافظ أعمالهم الصالـحة حتـى يثـيبهم علـيها ، ويجازيهم بها . تبشيراً منه لهم جلّ ذكره فـي عاجل الدنـيا ، وحضًّا لهم علـى التـمسك بـالذي هم علـيه من صالـح الأخلاق التـي ارتضاها لهم .