Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 118-118)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعنـي بذلك تعالـى ذكره : يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله ، وأقرّوا بـما جاءهم به نبـيهم من عند ربهم ، { لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مّن دُونِكُمْ } يقول : لا تتـخذوا أولـياء وأصدقاء لأنفسكم من دونكم ، يقول : من دون أهل دينكم وملتكم ، يعنـي من غير الـمؤمنـين . وإنـما جعل البطانة مثلاً لـخـلـيـل الرجل فشبهه بـما ولـي بطنه من ثـيابه لـحلوله منه فـي اطلاعه علـى أسراره ، وما يطويه عن أبـاعده وكثـير من أقاربه ، مـحلّ ما ولـي جسده من ثـيابه ، فنهى الله الـمؤمنـين به أن يتـخذوا من الكفـار به أخلاء وأصفـياء ثم عرّفهم ما هم علـيه لهم منطوون من الغشّ والـخيانة ، وبغيهم إياهم الغوائل ، فحذّرهم بذلك منهم عن مخالّتهم ، فقال تعالـى ذكره : { لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً } يعنـي لا يستطيعُونَكُمْ شرًّا ، من أَلَوْتُ آلُو ألُوًّا ، يقال : ما ألا فلان كذا ، أي ما استطاع ، كما قال الشاعر : @ جَهْراءُ لا تأْلُو إذا هِيَ أظْهَرَتْ بَصَراً وَلا مِنْ عَيْـلَةٍ تُغْنِـينـي @@ يعنـي لا تستطيع عند الظهر إبصاراً . وإنـما يعنـي جلّ ذكره بقوله : { لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً } البطانة التـي نهى الـمؤمنـين عن اتـخاذها من دونهم ، فقال : إن هذه البطانة لا تترككم طاقتها خبـالاً : أي لا تدع جهدها فـيـما أورثكم الـخبـال . وأصل الـخبـال والـخبـال : الفساد ، ثم يستعمل فـي معان كثـيرة ، يدلّ علـى ذلك الـخبر عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ أُصِيبَ بَخْبلٍ أو جِرَاحٍ " وأما قوله : { وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ } فإنه يعنـي : ودّوا عنتكم ، يقول : يتـمنون لكم العنت والشرّ فـي دينكم وما يسوءكم ولا يسرّكم . وذكر أن هذه الآية نزلت فـي قوم من الـمسلـمين كانوا يخالطون حلفـاءهم من الـيهود وأهل النفـاق منهم ، ويصافونهم الـمودة بـالأسبـاب التـي كانت بـينهم فـي جاهلـيتهم قبل الإسلام ، فنهاهم الله عن ذلك وأن يستنصحوهم فـي شيء من أمورهم . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن مـحمد بن إسحاق ، قال : قال مـحمد بن أبـي مـحمد ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبـير ، عن ابن عبـاس ، قال : كان رجال من الـمسلـمين يواصلون رجالاً من الـيهود لـما كان بـينهم من الـجوار والـحلف فـي الـجاهلـية ، فأنزل الله عزّ وجلّ فـيهم ، فنهاهم عن مبـاطنتهم تـخوّف الفتنة علـيهم منهم : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مّن دُونِكُمْ } إلـى قوله : { وَتُؤْمِنُونَ بِٱلْكِتَـٰبِ كُلّهِ } [ آل عمران : 119 ] . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد فـي قول الله عزّ وجلّ : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً } فـي الـمنافقـين من أهل الـمدينة ، نهى الله عزّ وجلّ الـمؤمنـين أن يتولوهم . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ } نهى الله عزّ وجلّ الـمؤمنـين أن يستدخـلوا الـمنافقـين أو يؤاخوهم ، أي يتولوهم من دون الـمؤمنـين . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مّن دُونِكُمْ } هم الـمنافقون . حدثت عن عمار . قال : ثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع ، قوله : { يَظْلِمُونَ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً } يقول : لا تستدخـلوا الـمنافقـين ، تتولوهم دون الـمؤمنـين . حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيـم ، قالا : ثنا هشيـم ، قال : أخبرنا العوام بن حوشب ، عن الأزهر بن راشد ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لاتَسْتَضِيئُوا بِنارِ أهْلِ الشِّرْكِ ، وَلا تَنْقُشُوا فِـي خَوَاتِـيـمِكُمْ عَرَبِـيًّا " قال : فلـم ندر ما ذلك حتـى أتوا الـحسن فسألوه ، فقال : نعم ، أما قوله : " لا تَنْقُشُوا فـي خَوَاتِـيـمِكُمْ عَرَبـيًّا " ، فإنه يقول : لا تنقشوا في خواتيمكم « مـحمد » وأما قوله : " ولا تَسْتَيضِئُوا بَنارِ أهْل الشِّرْكِ " ، فإنه يعني به الـمشركين ، يقول : لا تستشيروهم فـي شيء من أموركم . قال : قال الـحسن : وتصديق ذلك فـي كتاب الله ، ثم تلا هذه الآية : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مّن دُونِكُمْ } . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مّن دُونِكُمْ } أما البطانة : فهم الـمنافقون . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مّن دُونِكُمْ } … الآية ، قال : لا يستدخـل الـمؤمن الـمنافق دون أخيه . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد فـي قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ } … الآية ، قال : هؤلاء الـمنافقون ، وقرأ قوله : { قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَاء مِنْ أَفْوٰهِهِمْ } … الآية . واختلفوا فـي تأويـل قوله { وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ } فقال بعضهم معناه : ودّوا ما ضللتـم عن دينكم . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ } يقول : ما ضللتـم . وقال آخرون بـما : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج : { وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ } يقول فـي دينكم ، يعنـي : أنهم يودّون أن تعنتوا فـي دينكم . فإن قال لنا قائل : وكيف قـيـل : { وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ } فجاء بـالـخبر عن البطانة بلفظ الـماضي فـي مـحل الـحال والقطع بعد تـمام الـخبر ، والـحالات لا تكون إلا بصور الأسماء والأفعال المستقبلة دون الماضية منها ؟ قيل : ليس الأمر في ذلك على ما ظننت من أن قوله : { وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ } حال من البطانة ، وإنما هو خبر عنهم ثان ، منقطع عن الأوّل غير متصل به . وإنـما تأويل الكلام : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة صفتهم كذا صفتهم كذا . فـالـخبر عن الصفة الثانـية غير متصل بـالصفة الأولـى ، وإن كانتا جميعاً من صفة شخص واحد . وقد زعم بعض أهل العربـية أن قوله : { وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ } من صلة البطانة ، وقد وصلت بقوله : { لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً } فلا وجه لصلة أخرى بعد تـمام البطانة بصلته ، ولكن القول فـي ذلك كما بـينا قبل من أن قوله : { وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ } خبر مبتدأ عن البطانة غير الـخبر الأوّل ، وغير حال من البطانة ولا قطع منها . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَاء مِنْ أَفْوٰهِهِمْ } . يعنـي بذلك جلّ ثناؤه : قد بدت بغضاء هؤلاء الذين نهيتكم أيها الـمؤمنون أن تتـخذوهم بطانة من دونكم لكم بأفواههم ، يعنـي بألسنتهم . والذي بدا لهم منهم بألسنتهم إقامتهم علـى كفرهم ، وعداوتهم من خالف ما هم علـيه مقـيـمون من الضلالة ، فذلك من أوكد الأسبـاب من معاداتهم أهل الإيـمان ، لأن ذلك عداوة علـى الدين ، والعداوة علـى الدين ، العداوة التـي لا زوال لها إلا بـانتقال أحد الـمتعاديـين إلـى ملة الآخر منهما ، وذلك انتقال من هدى إلا ضلالة كانت عند الـمنتقل إلـيها ضلالة قبل ذلك ، فكان فـي إبدائهم ذلك للـمؤمنـين ومقامهم علـيه أبـين الدلالة لأهل الإيـمان علـى ما هم علـيه من البغضاء والعداوة . وقد قال بعضهم : معنى قوله : { قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَاء مِنْ أَفْوٰهِهِمْ } قد بدت بغضاؤهم لأهل الإيـمان إلـى أولـيائهم من الـمنافقـين وأهل الكفر بإطلاع بعضهم بعضاً علـى ذلك . وزعم قائلو هذه الـمقالة أن الذين عنوا بهذه الآية : أهل النفـاق ، دون من كان مصرّحاً بـالكفر من الـيهود وأهل الشرك . ذكر من قال ذلك . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَاء مِنْ أَفْوٰهِهِمْ } يقول : قد بدت البغضاء من أفواه الـمنافقـين إلـى إخوانهم من الكفـار ، من غِشّهم للإسلام وأهله وبغضهم إياهم . حدثت عن عمار ، قال : ثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع : { قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَاء مِنْ أَفْوٰهِهِمْ } يقول : من أفواه الـمنافقـين . وهذا القول الذي ذكرناه عن قتادة قول لا معنى له ، وذلك أن الله تعالـى ذكره إنـما نهى الـمؤمنـين أن يتـخذوا بطانة مـمن قد عرفوه بـالغشّ للإسلام وأهله ، والبغضاء إما بأدلة ظاهرة دالة علـى أن ذلك من صفتهم ، وإما بإظهار الـموصوفـين بذلك العداوة والشنآن والـمناصبة لهم . فأما من لـم يثبتوه معرفة أنه الذي نهاهم الله عزّ وجلّ عن مخالته ومبـاطنته ، فغير جائز أن يكونوا نهوا عن مخالته ومصادقته إلا بعد تعريفهم إياهم ، إما بأعيانهم وأسمائهم ، وإما بصفـات قد عرفوهم بها . وإذ كان ذلك كذلك ، وكان إبداء الـمنافقـين بألسنتهم ما فـي قلوبهم من بغضاء الـمؤمنـين إلـى إخوانهم من الكفـار ، غير مدرك به الـمؤمنون معرفة ما هم علـيه لهم مع إظهارهم الإيـمان بألسنتهم لهم والتودّد إلـيهم ، كان بـيناً أن الذي نهى الله الـمؤمنون عن اتـخاذهم لأنفسهم بطانة دونهم ، هم الذين قد ظهرت لهم بغضاؤهم بألسنتهم علـى ما وصفهم الله عزّ وجلّ به ، فعرفهم الـمؤمنون بـالصفة التـي نعتهم الله بها ، وأنهم هم الذين وصفهم تعالـى ذكره بأنهم أصحاب النار هم فـيها خالدون مـمن كان له ذمة وعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من أهل الكتاب ، لأنهم لو كانوا الـمنافقـين لكان الأمر فـيهم علـى ما قد بـينا ، ولو كانوا الكفـار مـمن قد ناصب الـمؤمنـين الـحرب ، لـم يكن الـمؤمنون متـخذيهم لأنفسهم بطانة من دون الـمؤمنـين مع اختلاف بلادهم وافتراق أمصارهم ، ولكنهم الذين كانوا بـين أظهر الـمؤمنـين من أهل الكتاب أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مـمن كان له من رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد وعقد من يهود بنـي إسرائيـل . والبغضاء : مصدر ، وقد ذكر أنها فـي قراءة عبد الله بن مسعود : « قد بدا البغضاء من أفواههم » ، علـى وجه التذكير ، وإنـما جاز ذلك بـالتذكير ولفظه لفظ الـمؤنث ، لأن الـمصادر تأنـيثها لـيس بـالتأنـيث اللازم ، فـيجوز تذكير ما خرج منها علـى لفظ الـمؤنث وتأنـيثه ، كما قال عزّ وجلّ : { وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ } [ هود : 67 ] وكما قال : { فَقَدْ جَاءكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } [ الأنعام : 157 ] وفـي موضع آخر : { وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ } [ هود : 67 ] { جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } [ الأعراف : 73 ] . وقال : { مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } وإنـما بدا ما بدا من البغضاء بألسنتهم ، لأن الـمعنـيّ به الكلام الذي ظهر للـمؤمنـين منهم من أفواههم ، فقال : قد بدت البغضاء من أفواههم بألسنتهم . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ } . يعنـي تعالـى ذكره بذلك : والذي تـخفـي صدورهم ، يعنـي صدور هؤلاء الذين نهاهم عن اتـخاذهم بطانة فتـخفـيه عنكم أيها الـمؤمنون أكبر ، يقول : أكبر مـما قد بدا لكم بألسنتهم من أفواههم من البغضاء وأعظم . كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ } يقول : وما تـخفـي صدورهم أكبر مـما قد أبدوا بألسنتهم . حُدثت عن عمار ، عن ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع ، قوله : { وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ } يقول : ما تكنّ صدورهم أكبر مـما قد أبدوا بألسنتهم . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الاْيَـٰتِ إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } . يعنـي بذلك جلّ ثناؤه : قد بـينا لكم أيها الـمؤمنون الآيات ، يعنـي بـالآيات : العبر ، قد بـينا لكم من أمر هؤلاء الـيهود الذين نهيناكم أن تتـخذوهم بطانة من دون الـمؤمنـين ما تعتبرون وتتعظون به من أمرهم ، { إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } يعنـي : إن كنتـم تعقلون عن الله مواعظه وأمره ونهيه ، وتعرفون مواقع نفع ذلك منكم ومبلغ عائدته علـيكم .