Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 119-119)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه : ها أنتـم أيها الـمؤمنون الذين تـحبونهم ، يقول : تـحبون هؤلاء الكفـار الذين نهيتكم عن اتـخاذهم بطانة من دون الـمؤمنـين ، فتودّونهم وتواصلونهم ، وهم لا يحبونكم ، بل ينتظرون لكم العداوة والغش ، وتؤمنون بـالكتاب كله . ومعنى الكتاب فـي هذا الـموضع ، معنى الـجمع ، كما يقال : أكثر الدرهم فـي أيدي الناس ، بـمعنى الدراهم ، فكذلك قوله : { وَتُؤْمِنُونَ بِٱلْكِتَـٰبِ كُلّهِ } ، إنـما معناه : بـالكتب كلها كتابكم الذي أنزل الله إلـيكم ، وكتابهم الذي أنزله إلـيهم ، وغير ذلك من الكتب التـي أنزلها الله علـى عبـاده . يقول تعالـى ذكره : فأنتـم إذ كنتـم أيها الـمؤمنون تؤمنون بـالكتب كلها ، وتعلـمون أن الذين نهيتكم عن أن تتـخذوهم بطانة من دونكم ، كفـار بذلك كله ، بجحودهم ذلك كله من عهود الله إلـيهم ، وتبديـلهم ما فـيه من أمر الله ونهيه ، أولـى بعداوتكم إياهم ، وبغضائهم وغشهم منهم بعداوتكم وبغضائكم مع جحودهم بعض الكتب وتكذيبهم ببعضها . كما : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثنـي مـحمد بن أبـي مـحمد ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبـير ، عن ابن عبـاس : { وَتُؤْمِنُونَ بِٱلْكِتَـٰبِ كُلّهِ } : أي بكتابكم وكتابهم ، وبـما مضى من الكتب قبل ذلك ، وهم يكفرون بكتابكم ، فأنتـم أحقّ بـالبغضاء لهم منهم لكم . وقال : { هَاأَنتُمْ أُوْلاء } ولـم يقل : « هؤلاء أنتـم » ، ففرّق بـين « ها » و « أولاء » بكناية اسم الـمخاطبـين ، لأن العرب كذلك تفعل فـي هذا إذا أرادت به التقريب ومذهب النقصان الذي يحتاج إلـى تـمام الـخبر ، وذلك مثل أن يقال لبعضهم : أين أنت ؟ فـيجيب الـمقول ذلك له : ها أنا ذا ، فـيفرّق بـين التنبـيه و « ذا » بـمكْنّـي اسم نفسه ، ولا يكادون يقولون : هذا أنا ، ثم يثنى ويجمع علـى ذلك ، وربـما أعادوا حرف التنبـيه مع ذا ، فقالوا : ها أنا هذا ولا يفعلون ذلك إلا فـيـما كان تقريبـاً ، فأما إذا كان علـى غير التقريب والنقصان ، قالوا : هذا هو ، وهذا أنت ، وكذلك يفعلون مع الأسماء الظاهرة ، يقولون : هذا عمرو قائماً ، إن كان هذا تقريبـاً . وإنـما فعلوا ذلك فـي الـمكنـي مع التقريب تفرقة بـين هذا إذا كان بـمعنى الناقص الذي يحتاج إلـى تـمام ، وبـينه وبـين ما إذا كان بـمعنى الاسم الصحيح . وقوله : { تُحِبُّونَهُمْ } خبر للتقريب . وفـي هذه الآية إبـانة من الله عزّ وجلّ عن حال الفريقـين ، أعنـي الـمؤمنـين والكافرين ، ورحمة أهل الإيـمان ورأفتهم بأهل الـخلاف لهم ، وقساوة قلوب أهل الكفر وغلظتهم علـى أهل الإيـمان . كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِٱلْكِتَـٰبِ كُلّهِ } فوالله إن الـمؤمن لـيحبّ الـمنافق ويأوي له ويرحمه ، ولو أن الـمنافق يقدر علـى ما يقدر علـيه الـمؤمن منه لأبـاد خضراءه . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : الـمؤمن خير للـمنافق من الـمنافق للـمؤمن يرحمه ، ولو يقدر الـمنافق من الـمؤمن علـى مثل ما يقدر الـمؤمن علـيه منه لأبـاد خضراءه . وكان مـجاهد يقول : نزلت هذه الآية فـي الـمنافقـين . حدثنـي بذلك مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ ءَامَنَّا وَإذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ } . يعنـي بذلك تعالـى ذكره : إن هؤلاء الذين نهى الله الـمؤمنـين أن يتـخذوهم بطانة من دونهم ، ووصفهم بصفتهم إذا لقوا الـمؤمنـين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أعطوهم بألسنتهم تقـية ، حذراً علـى أنفسهم منهم ، فقالوا لهم : قد آمنا وصدّقنا بـما جاء به مـحمد صلى الله عليه وسلم ، وإذا هم خـلوا فصاروا فـي خلاء حيث لا يراهم الـمؤمنون ، عضوا علـى ما يرون من ائتلاف الـمؤمنـين ، واجتـماع كلـمتهم ، وصلاح ذات بـينهم ، { أنامِلَهُمْ } وهي أطراف أصابعهم ، تغيظاً مـما بهم من الـموجدة علـيهم ، وأَسًى علـى ظهر يسندون إلـيه لـمكاشفتهم العداوة ومناجزتهم الـمـحاربة . وبنـحو ما قلنا فـي ذلك ، قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ ءَامَنَّا وَإذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ } : إذا لقوا الـمؤمنـين قالوا آمنا لـيس بهم إلا مخافة علـى دمائهم وأموالهم ، فصانعوهم بذلك . { وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلاْنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ } يقول : مـما يجدون فـي قلوبهم من الغيظ والكراهة لـما هم علـيه لو يجدون ريحاً لكانوا علـى الـمؤمنـين ، فهم كما نعت الله عزّ وجلّ . حُدثت عن عمار ، قال : ثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع بـمثله ، إلا أنه قال : من الغيظ لكراهتهم الذي هم علـيه ، ولـم يقل : لو يجدون ريحاً وما بعده . حدثنا عبـاس بن مـحمد ، قال : ثنا مسلـم ، قال : ثنـي يحيـى بن عمرو بن مالك البكري ، قال : ثنا أبـي ، قال : كان أبو الـجوزاء إذا تلا هذه الآية : { وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ ءَامَنَّا وَإذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ } قال : هم الإبـاضية . والأنامل : جمع أَنْـمُلَة ، ويقال أُنْـمُلَة ، وربـما جمعت أَنْـمُلاً ، قال الشاعر : @ أوَدُّكُمَا ما بَلَّ حَلْقِـيَ رِيقَتِـي وَما حَمَلَتْ كَفَّـايَ أَنْـمُلِـيَ العَشْرَا @@ وهي أطراف الأصابع كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، الأنامل : أطراف الأصابع . حُدثت عن عمار ، عن ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع ، بـمثله . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ } : الأصابع . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن إسرائيـل ، عن أبـي الأحوص ، عن عبد الله ، قوله : { عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ } قال : عضوا علـى أصابعهم . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } . يعنـي بذلك جلّ ثناؤه : قل يا مـحمد لهؤلاء الـيهود الذين وصفت لك صفتهم ، وأخبرتك أنهم إذا لقوا أصحابك ، قالوا آمنا ، وإذا خـلوا عضوا علـيكم الأنامل من الغيظ : موتوا بغيظكم الذي بكم علـى الـمؤمنـين ، لاجتـماع كلـمتهم ، وائتلاف جماعتهم . وخرج هذا الكلام مخرج الأمر ، وهو دعاء من الله نبـيه مـحمداً صلى الله عليه وسلم بأن يدعو علـيهم بأن يهلكهم الله كمداً مـما بهم من الغيظ علـى الـمؤمنـين ، قبل أن يروا فـيهم ما يتـمنون لهم من العنت فـي دينهم ، والضلالة بعد هداهم ، فقال لنبـيه صلى الله عليه وسلم : قل يا مـحمد ، اهلكوا بغيظكم ، إن الله علـيـم بذات الصدور ، يعنـي بذلك : إن الله ذو علـم بـالذي فـي صدور هؤلاء الذين إذا لقوا الـمؤمنـين ، قالوا : آمنا ، وما ينطوون لهم علـيه من الغلّ والغمّ ، ويعتقدون لهم من العداوة والبغضاء ، وبـما فـي صدور جميع خـلقه ، حافظ علـى جميعهم ما هو علـيه منطو من خير وشرّ ، حتـى يجازي جميعهم علـى ما قدّم من خير وشرّ ، واعتقد من إيـمان وكفر ، وانطوى علـيه لرسوله وللـمؤمنـين من نصيحة أو غِلّ وغِمْر .