Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 15-15)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعنـي جلّ ثناؤه : قل يا مـحمد للناس الذين زين لهم حبّ الشهوات ، من النساء والبنـين ، وسائر ما ذكر جلّ ثناؤه : { أَؤنبّئكم } أأخبركم وأعلـمكم { بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ } يعنـي بخير وأفضل لكم . { مِنْ ذَلِكُمُ } يعنـي مـما زين لكم فـي الدنـيا حبّ شهوته من النساء والبنـين والقناطير الـمقنطرة من الذهب والفضة ، وأنواع الأموال التـي هي متاع الدنـيا . ثم اختلف أهل العربـية فـي الـموضع الذي تناهى إلـيه الاستفهام من هذا الكلام ، فقال بعضهم : تناهى ذلك عند قوله : { مِنْ ذَلِكُمْ } ثم ابتدأ الـخبر عما { لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ } فقـيـل : للذين اتقوا عند ربهم جنات تـجري من تـحتها الأنهار خالدين فـيها ، فلذلك رفع « الـجنات » . ومن قال هذا القول ، لـم يُجِز فـي قوله : { جَنَّـاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهَـارُ } إلا الرفع ، وذلك أنه خبر مبتدأ غير مردود علـى قوله بخير ، فـيكون الـخفض فـيه جائزاً . وهو وإن كان خبراً مبتدأ عندهم ، ففـيه إبـانة عن معنى الـخير الذي أمر الله عزّ وجلّ نبـيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس أؤنبئكم به ؟ والـجنات علـى هذا القول مرفوعة بـاللام التـي فـي قوله : { لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ } . وقال آخرون منهم بنـحو من هذا القول ، إلا أنهم قالوا : إن جعلت اللام التـي فـي قوله « للذين » من صلة الإنبـاء جاز فـي الـجنات الـخفض والرفع : الـخفض علـى الردّ علـى « الـخير » ، والرفع علـى أن يكون قوله : { لِلَّذِينَ اتَّقُوا } خبر مبتدأ علـى ما قد بـيناه قبل . وقال آخرون : بل منتهى الاستفهام قوله : { عِنْدَ رَبِّهِمْ } ثم ابتدأ : { جَنَّـاتٌ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأنْهَـارُ } وقالوا : تأويـل الكلام : قل أؤنبئكم بخير من ذلكم ؟ للذين اتقوا عند ربهم ، ثم كأنه قـيـل : ماذا لهم ، أو ما ذاك ؟ أو علـى أنه يقال : ماذا لهم أو ما ذاك ؟ فقال : هو جنات تـجري من تـحتها الأنهار … الآية . وأولـي هذه الأقوال عندي بـالصواب قول من جعل الاستفهام متناهياً عند قوله : { بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ } والـخبر بعده مبتدأ عمن له الجنات بقوله : { لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهنْ جَنَّـاتٌ } فـيكون مخرج ذلك مخرج الـخبر ، وهو إبـانة عن معنى الـخير الذي قال : أنبئكم به ؟ فلا يكون بـالكلام حينئذ حاجة إلـى ضمير . قال أبو جعفر مـحمد بن جرير الطبري : وأما قوله : { خَـالِدِينَ فِيهَا } فمنصوب علـى القطع ومعنى قوله : { لِلَّذِينَ اتَّقَوْا } للذين خافوا الله فأطاعوه ، بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه . { عِندَ رَبِّهِمْ } يعنـي بذلك : لهم جنات تـجري من تـحتها الأنهار عند ربهم ، والجنات : البساتين ، وقد بينا ذلك بالشواهد فيما مضى ، وأن قوله : { تَجرِي مِن تَحتِهَا الأنْهَـارُ } يعني به : من تحت الأشجار ، وأن الخلود فيها دوام البقاء فـيها ، وأن الأزواج المطهرة : هن نساء الـجنة اللواتـي طهرن من كل أذى يكون بنساء أهل الدنيا من الـحيض والـمنـي والبول والنفاس وما أشبه ذلك من الأذى ، بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع . وقوله : { وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ } يعنـي : ورضا الله ، وهو مصدر من قول القائل : رضي الله عن فلان ، فهو يرضى عنه رضاً منقوص ، ورُضْواناً وَرِضْواناً ومرضاة . فأما الرُّضوان بضم الراء فهو لغة قـيس ، وبه كان عاصم يقرأ . وإنـما ذكر الله جل ثناؤه فـيـما ذكر للذين اتقوا عنده من الـخير : رضوانه ، لأن رضوانه أعلـى منازل كرامة أهل الـجنة . كما : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنـي أبو أحمد الزبـيري ، قال : ثنا سفـيان ، عن مـحمد بن الـمنكدر ، عن جابر بن عبد الله ، قال : إذا دخـل أهل الـجنة الـجنة ، قال الله تبـارك وتعالـى : أعطيكم أفضل من هذا ! فـيقولون : أي ربنا أي شيء أفضل من هذا ؟ قال : رضوانـي . وقوله : { وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالعِبادِ } يعنـي بذلك ، والله ذو بصر بـالذي يتقـيه من عبـاده ، فـيخافه فـيطيعه ، ويؤثر ما عنده مـما ذكر أنه أعده للذين اتقوه علـى حب ما زين له فـي عاجل الدنـيا من شهوات النساء والبنـين وسائر ما عدد منها تعالـى ذكره ، وبـالذي لا يتقـيه فـيخافه ، ولكنه يعصيه ، ويطيع الشيطان ، ويؤثر ما زين له فـي الدنـيا من حب شهوة النساء والبنـين والأموال ، علـى ما عنده من النعيـم الـمقـيـم ، عالـم تعالـى ذكره بكل فريق منهم ، حتـى يجازي كلهم عند معادهم إليه جزاءهم ، المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته .