Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 169-170)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعني تعالى ذكره { وَلاَ تَحْسَبَنَّ } : ولا تظننّ . كما : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ } : ولا تظننّ . وقوله : { ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } يعنـي : الذين قُتِلوا بـأُحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم { أَمْوٰتاً } يقول : ولا تـحسبنهم يا مـحمد أمواتاً ، لا يحسون شيئاً ، ولا يـلتذّون ، ولا يتنعمون ، فإنهم أحياء عندي ، متنعمون فـي رزقـي ، فرحون مسرورون بـما آتـيتهم من كرامتـي وفضلـي ، وحبوتهم به من جزيـل ثوابـي وعطائي . كما : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن مـحمد بن إسحاق ، وحدثنـي يونس بن عبد الأعلـى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثنا إسماعيـل بن عياش ، عن ابن إسحاق ، عن إسماعيـل بن أمية ، عن أبـي الزبـير الـمكي ، عن ابن عبـاس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لَـمَّا أُصِيبَ إخْوَانُكُمْ بِـأُحُدٍ ، جَعَلَ اللَّهُ أرْوَاحَهُمْ فِـي أجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ ، تَرِدُ أنْهارَ الـجَنَّةِ ، وَتأكُلُ مِنِ ثِمَارِها ، وَتأْوِي إلـى قَنادِيـلَ مِنْ ذَهَبٍ فِـي ظِلِّ العَرْشِ فَلَـمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَشْرَبِهِمْ وَمأْكَلِهِمْ وَحُسْنِ مَقِـيِـلهِمْ ، قالوا : يا لَـيْتَ إخْوَانَنا يَعْلَـمونَ ما صَنَعَ اللَّهُ بِنا ! لِئَلاَّ يَزْهَدُوا فِـي الـجِهادِ وَلا يَنْكَلوا عَنِ الـحَرْبِ ، فَقالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أنا أُبَلِّغُهمْ عَنْكمْ " فأنزل الله عز وجل علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الآيات . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير بن عبد الـحميد ، وحدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، قالا جميعاً : ثنا مـحمد بن إسحاق ، عن الأعمش ، عن أبـي الضحى ، عن مسروق بن الأجدع ، قال : سألنا عبد الله بن مسعود ، عن هذه الآيات : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } … الآية ، قال : أما إنا قد سألنا عنها ، فقـيـل لنا : " إنّه لـما أُصِيبَ إخْوَانُكُمْ بـأُحُدٍ ، جَعَلَ الله أرْوَاحَهُمْ فـي أجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أنْهارَ الـجَنَّةِ وَتأْكُلُ مِنْ ثمارِهَا وتأوي إلـى قَنَادِيـلَ مِنْ ذَهَبٍ فـي ظِلِّ العَرْشِ ، فـيطَّلع الله إلـيهم اطّلاعَةً ، فـيقول : يا عبـادي ما تَشْتَهُونَ فَـأَزِيُدكُمْ ؟ فَـيَقُولُونَ : رَبَّنا لا فَوْقَ ما أعْطَيْتَنَا الـجَنَّةَ ، نَأْكُلُ منها حيث شِئْنَا ثلاث مرات ثم يَطَّلِعُ فَـيَقُولُ : يا عِبَـادي ما تَشْتَهُونَ فأزيدكم ؟ فـيقولون : رَبَّنا لا فَوْقَ ما أعْطَيْتَنَا الـجَنَّةَ ، نَأْكُلُ منها حَيْثُ شِئْنا ، إلا أنا نَـخْتَارُ أن تَرُدَّ أرْوَاحَنا فـي أجْسَادِنا ، ثم تَرُدَّنا إلـى الدُّنْـيا ، فنُقَاتل فـيك حتـى نُقْتَلَ فـيك مرّة أخْرَى " حدثنا الـحسن بن يحيـى العبدي ، قال : ثنا وهب بن جرير ، قال : ثنا شعبة ، عن الأعمش ، عن أبـي الضحى ، عن مسروق ، قال : سألنا عبد الله ، عن هذه الآية ، ثم ذكر نـحوه ، وزاد فـيه : " أنّـي قَدْ قَضَيْتُ أنْ لا تُرْجَعُوا " حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا ابن أبـي عديّ ، عن شعبة ، عن سلـيـمان ، عن عبد الله بن مرّة ، عن مسروق ، قال : سألنا عبد الله عن أرواح الشهداء ولولا عبد الله ما أخبرنا به أحد قال : أرواح الشهداء عند الله فـي أجواف طير خضر ، فـي قناديـل تـحت العرش ، تسرح فـي الـجنة حيث شاءت ، ثم ترجع إلـى قناديـلها ، فـيطلع إلـيها ربها ، فـيقول : ماذا تريدون ؟ فـيقولون : نريد أن نرجع إلـى الدنـيا فنقتل مرة أخرى . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عبد الرحيـم بن سلـيـمان ، وعبدة بن سلـيـمان ، عن مـحمد بن إسحاق ، عن الـحرث بن فضيـل ، عن مـحمود بن لبـيد ، عن ابن عبـاس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الشُّهَداءُ علـى بـاِرقِ : نَهْرٍ بِبـابِ الـجَنَّةِ فـي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ " وقال عبدة : " فِـي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ ، يخْرُجُ عَلَـيْهِمْ رِزْقَهُمْ مِنَ الـجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا " حدثنا أبو كريب ، وأنبأنا يونس بن بكير ، عن مـحمد بن إسحاق ، قال : ثنـي الـحرث بن فضيـل ، عن مـحمود بن لبـيد ، عن ابن عبـاس ، عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم بـمثله ، إلا أنه قال : " فـي قُبَّةٍ خَضْرَاء " وقال : " يَخْرُجُ عَلَـيهِم فِـيها " حدثنا ابن وكيع ، وأنبأنا ابن إدريس ، عن مـحمد بن إسحاق ، قال : ثنـي الـحرث بن فضيـل ، عن مـحمود بن لبـيد ، عن ابن عبـاس ، عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، مثله . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، قال : قال مـحمد بن إسحاق : حدثنـي الـحرث بن الفضيـل الأنصاريّ عن مـحمود بن لبـيد الأنصاريّ ، عن ابن عبـاس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الشُّهَداءُ علـى بـارِقِ نَهْرٍ بِبـابِ الـجَنَّةِ فـي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ يَخْرُج عَلَـيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنَ الـجَنَّةِ بُكْرَةً وَعشِيًّا " حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثنـي أيضاً ، يعنـي : إسماعيـل بن عياش ، عن ابن إسحاق ، عن الـحرث بن الفضيـل ، عن مـحمود بن لبـيد ، عن ابن عبـاس ، عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم بنـحوه . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، قال : قال مـحمد بن إسحاق : وحدثنـي بعض أصحابـي ، عن عبد الله بن مـحمد بن عقيل بن أبـي طالب ، قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : قال لـي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أُبَشِّرُكَ يا جابِرُ ؟ " قال : قلت : بلـى يا رسول الله قال : " إنَّ أبـاكَ حَيْثُ أُصيب بـأُحُدٍ أحيْاهُ اللَّهُ ، ثُمَّ قالَ لَهُ : ما تُـحِبُّ يا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو أنْ أفْعَلَ بِكَ ؟ قالَ : يا رَبّ أُحِبُّ أنْ تَرُدَّنـي إلـى الدُّنْـيا فَـأُقاتِلَ فِـيكَ فـأُقْتَلُ مَرَّةً أُخْرَى " حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : ذكر لنا أن رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالوا : يا لـيتنا نعلـم ما فعل إخواننا الذين قُتِلوا يوم أُحد ! فأنزل الله تبـارك وتعالـى فـي ذلك القرآن : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوٰتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ } . كنا نـحدَّث أن أرواح الشهداء تعارف فـي طير بـيض تأكل من ثمار الـجنة ، وأن مساكنهم السدرة . حُدثت عن عمار ، وأنبأنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع بنـحوه ، إلا أنه قال : تعارف فـي طير خضر وبـيض وزاد فـيه أيضاً : وذكر لنا عن بعضهم فـي قوله : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوٰتاً بَلْ أَحْيَاءٌ } قال : هم قتلـى بدر وأُحد . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن مـحمد بن قـيس بن مخرمة قال : قالوا : يا رب ألا رسول لنا يخبر النبـيّ صلى الله عليه وسلم عنا بـما أعطيتنا ؟ فقال الله تبـارك وتعالـى : أنا رسولكم ، فأمر جبريـل علـيه السلام أن يأتـي بهذه الآية : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } … الآيتـين . حدثنا الـحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق ، قال : سألنا عبد الله عن هذه الآيات : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوٰتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ } قال : أرواح الشهداء عند الله كطير خضر ، لها قناديـل معلقة بـالعرش ، تسرح فـي الـجنة حيث شاءت ، قال : فـاطّلع إلـيهم ربك اطلاعة فقال : هل تشتهون من شيء فأزيدكموه ؟ قالوا : ربنا ألسنا نسرح فـي الـجنة فـي أيها شئنا ثم اطّلع علـيهم الثالثة ، فقال : هل تشتهون من شيء فأزيدكموه ؟ قالوا : تعيد أرواحنا فـي أجسادنا ، فنقاتل فـي سبـيـلك مرّة أخرى ! فسكت عنهم . حدثنا الـحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيـينة ، عن عطاء بن السائب ، عن أبـي عبـيدة ، عن عبد الله : أنهم قالوا فـي الثالثة حين قال لهم : هل تشتهون من شيء فأزيدكموه ؟ قالوا : تقرىء نبـينا عنا السلام ، وتـخبره أن قد رضينا ورُضيَ عنا ! حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : قال الله تبـارك وتعالـى لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم يرغِّب الـمؤمنـين فـي ثواب الـجنة ويهوّن علـيهم القتل : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوٰتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ } : أي قد أحيـيتهم ، فهم عندي يرزقون فـي روح الـجنة وفضلها ، مسرورين بـما آتاهم الله من ثوابه علـى جهادهم عنه . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ ، قال : ثنا عبـيد بن سلـيـمان ، قال : سمعت الضحاك ، قال : كان الـمسلـمون يسألون ربهم أن يريهم يوما كيوم بدر ، يبلون فـيه خيراً ، ويرزقون فـيه الشهادة ، ويرزقون فـيه الـجنة ، والـحياة فـي الرزق . فلقوا الـمشركين يوم أُحد ، فـاتـخذ الله منهم شهداء ، وهم الذين ذكرهم الله فقال : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوٰتاً } . … الآية . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قال : ذكر الشهداء ، فقال : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوٰتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبّهِمْ } إلـى قوله : { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } . زعم أن أرواح الشهداء فـي أجواف طير خضر فـي قناديـل من ذهب معلقة بـالعرش ، فهي ترعى بكرة وعشية فـي الـجنة ، تبـيت فـي القناديـل ، فإذا سرحن نادى مناد : ماذا تريدون ؟ ماذا تشتهون ؟ فـيقولون : ربنا نـحن فـيـما اشتهت أنفسنا ! فـيسألهم ربهم أيضاً : ماذا تشتهون ؟ وماذا تريدون ؟ فـيقولون : نـحن فـيـما اشتهت أنفسنا ! فـيسألون الثالثة فـيقولون ما قالوا : ولكنا نـحبّ أن تردّ أرواحنا فـي أجسادنا ! لـما يرون من فضل الثواب . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا عبـاد ، قال : ثنا إبراهيـم بن معمر ، عن الـحسن ، قال : ما زال ابن آدم يتـحمَّد حتـى صار حيًّا ما يـموت ثم تلا هذه الآية : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوٰتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ } . حدثنا مـحمد بن مرزوق ، قال : ثنا عمر بن يونس ، قال : ثنا إسحاق بن أبـي طلـحة ، قال : ثنـي أنس بن مالك فـي أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم الذين أرسلهم نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم إلـى أهل بئر معونة ، قال : لا أدري أربعين ، أو سبعين ، قال : وعلـى ذلك الـماء عامر بن الطفـيـل الـجعفري ، فخرج أولئك النفر من أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم حتـى أتوا غاراً مشرفـاً علـى الـماء قعدوا فـيه ، ثم قال بعضهم لبعض : أيكم يبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل هذا الـماء ؟ فقال أراه أبو ملـحان الأنصاري ـ : أنا أبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فخرج حتـى أتـى حياً منهم ، فـاحتبى أمام البـيوت ، ثم قال : يا أهل بئر معونة ، إنـي رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلـيكم ، إنـي أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن مـحمداً عبده ورسوله ، فآمنوا بـالله ورسوله ! فخرج إلـيه رجل من كِسْر البـيت برمـح ، فضرب به فـي جنبه حتـى خرج من الشقّ الآخر ، فقال : الله أكبر ، فزت وربّ الكعبة ! فـاتبعوا أثره حتـى أتوا أصحابه ، فقتلهم أجمعين عامر بن الطفـيـل . قال : قال إسحاق : حدثنـي أنس بن مالك : أن الله تعالـى أنزل فـيهم قرآنا رفع بعد ما قرأناه زماناً ، وأنزل الله : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوٰتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ } . حدثنا يحيـى بن أبـي طالب ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك ، قال : لـما أصيب الذين أصيبوا يوم أُحد من أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، لقوا ربهم ، فأكرمهم ، فأصابوا الـحياة والشهادة والرزق الطيب ، قالوا : يا لـيت بـيننا وبـين إخواننا من يبلغهم أنا لقـينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ! فقال الله تبـارك وتعالـى : أنا رسولكم إلـى نبـيكم وإخوانكم . فأنزل الله تبـارك وتعالـى علـى نبـيه صلى الله عليه وسلم : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوٰتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ } إلـى قوله : { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } ، فهذا النبأ الذي بلغ الله ورسوله والـمؤمنـين ما قال الشهداء . وفـي نصب قوله : { فَرِحِينَ } وجهان : أحدهما : أن يكون منصوبـاً علـى الـخروج من قوله : { عِندَ رَبّهِمْ } والآخر من قوله : { يُرْزَقُونَ } . ولو كان رفعاً بـالردّ علـى قوله : « بل أحياء فرحون » كان جائزاً . القول فـي تأويـل قوله : { وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَن لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } . يعنـي بذلك تعالـى ذكره : ويفرحون بـمن لـم يـلـحق بهم من إخوانهم الذين فـارقوهم وهم أحياء فـي الدنـيا علـى مناهجهمّ ، من جهاد أعداء الله مع رسوله ، لعلـمهم بأنهم إن استشهدوا فلـحقوا بهم ، صاروا من كرامة الله إلـى مثل الذي صاروا هم إلـيه ، فهم لذلك مستبشرون بهم ، فرحون أنهم إذا صاروا كذلك ، { لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } يعنـي بذلك : لا خوف علـيهم لأنهم قد أمنوا عقاب الله ، وأيقنوا برضاه عنهم ، فقد أمنوا الـخوف الذي كانوا يخافونه من ذلك فـي الدنـيا ، ولا هم يحزنون علـى ما خـلفوا وراءهم من أسبـاب الدنـيا ، ونكد عيشها ، للـخَفْض الذي صاروا إلـيه والدعة والزُّلفة ، ونصب أن لا بـمعنى : يستبشرون لهم بأنهم لا خوف علـيهم ولا هم يحزنون . وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال جماعة من أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ } … الآية ، يقول : لإخوانهم الذين فـارقوهم علـى دينهم وأمرهم لـما قدموا علـيه من الكرامة والفضل والنعيـم الذي أعطاهم . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج : { وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مّنْ خَلْفِهِمْ } … الآية ، قال يقول : إخواننا يقتلون كما قتلنا ، يـلـحقون فـيصيبون من كرامة الله تعالـى ما أصبنا . حُدثت عن عمار ، قال : ثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع : ذكر لنا عن بعضهم فـي قوله : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوٰتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ } قال : هم قتلـى بدر وأُحد ، زعموا أن الله تبـارك وتعالـى لـما قبض أرواحهم ، وأدخـلهم الـجنة ، جعلت أرواحهم فـي طير خضر ترعى فـي الـجنة ، وتأوي إلـى قناديـل من ذهب تـحت العرش . فلـما رأوا ما أعطاهم الله من الكرامة ، قالوا : لـيت إخواننا الذين بعدنا يعلـمون ما نـحن فـيه ! فإذا شهدوا قتالاً تعجلوا إلـى ما نـحن فـيه ! فقال الله تعالـى : إنـي منزل علـى نبـيكم ومخبر إخوانكم بـالذي أنتـم فـيه ! ففرحوا به واستبشروا ، وقالوا : يخبر الله نبـيكم وإخوانكم بـالذي أنتـم فـيه ، فإذا شهدوا قتالاً أتوكم . قال : فذلك قوله : { فَرِحِينَ بِمَا ءاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } … إلى قوله : { أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق : { وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ } : أي ويُسَرّون بلـحوق من لـحق بهم من إخوانهم علـى ما مضوا علـيه من جهادهم ، لـيشركوهم فـيـما هم فـيه من ثواب الله الذي أعطاهم ، وأذهب الله عنهم الـخوف والـحزن . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد فـي قوله : { وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ } قال : هم إخوانهم من الشهداء مـمن يستشهد من بعدهم ، { لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } حتـى بلغ : { وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ آل عمران : 171 ] حدثنا مـحمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : أما { يَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ } ، فإن الشهيد يؤتـى بكتاب فـيه من يقدم علـيه من إخوانه وأهله ، فـيقال : يقدم علـيك فلان يوم كذا وكذا ، ويقدم علـيك فلان يوم كذا وكذا ! فـيستبشر حين يقدم علـيه ، كما يستبشر أهل الغائب بقدومه فـي الدنـيا .