Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 178-178)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعنـي بذلك تعالـى ذكره : ولا يظنن الذين كفروا بـالله ورسوله ، وما جاء به من عند الله ، أن إملاءنا لهم خير لأنفسهم . ويعنـي بـالإملاء : الإطالة فـي العمر والإنساء فـي الأجل ومنه قوله جل ثناؤه : { وَٱهْجُرْنِى مَلِيّاً } : أي حينا طويلاً ومنه قـيـل : عشت طويلاً وتـملـيت حينا والـملا نفسه : الدهر ، والـملوان : اللـيـل والنهار ، ومنه قول تـميـم بن مقبل : @ ألا يا دِيارَ الـحَيِّ بـالسَّبُعانِ أمَلَّ عَلَـيها بـالبِلَـى الـمَلَوَانِ @@ يعنـي بـالـملوان : اللـيـل والنهار . وقد اختلفت القراء فـي قراءة قوله : « وَلا تَـحسَبنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أنَّـمَا نُـملِـيَ لهُمْ خَيرٌ لأَنفُسِهِمْ » فقرأ ذلك جماعة منهم : { وَلاَ يَحْسَبَنَّ } بـالـياء وفتـح الألف من قوله { أَنَّمَا } علـى الـمعنى الذي وصفت من تأويـله . وقرأه آخرون : « وَلا تَـحسَبنَّ » بـالتاء و { أَنَّمَا } أيضا بفتـح الألف من « أنـما » ، بـمعنى : ولا تـحسبن يا مـحمد الذين كفروا أنـما نـملـي لهم خير لأنفسهم . فإن قال قائل : فما الذي من أجله فتـحت الألف من قوله : { أَنَّمَا } فـي قراءة من قرأ بـالتاء ، وقد علـمت أن ذلك إذا قرىء بـالتاء فقد أعلمت تـحسبنَّ فـي الذين كفروا ، وإذا أعملتها فـي ذلك لـم يجز لها أن تقع علـى « أنـما » لأن « أنَّـما » إنـما يعمل فـيها عامل يعمل فـي شيئين نصبـاً ؟ قـيـل : أما الصواب فـي العربـية ووجه الكلام الـمعروف من كلام العرب كسر إن إذا قرئت تـحسبن بـالتاء ، لأن تـحسبن إذا قرئت بـالتاء ، فإنها قد نصبت الذين كفروا ، فلا يجوز أن تعمل وقد نصبت اسماً فـي أن ، ولكنى أظن أن من قرأ ذلك بـالتاء فـي تـحسبن وفتـح الألف من أنـما ، إنـما أراد تكرير تـحسبن علـى أنـما ، كأنه قصد إلـى أن معنى الكلام : ولا تـحسبن يا مـحمد أنت الذين كفروا ، لا تـحسبن أنـما نـملـي لهم خير لأنفسهم ، كما قال جل ثناؤه : { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً } [ محمد : 18 ] بتأويـل : هل ينظرون إلا الساعة ، هل ينظرون إلا أن تأتـيهم بغتة ؟ وذلك وإن كان وجهاً جائزاً فـي العربـية ، فوجه كلام العرب ما وصفنا قبل . والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا قراءة من قرأ : { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بـالـياء من « يحسبن » ، وبفتـح الألف من « أنـما » ، علـى معنى الـحسبـان للذين كفروا دون غيرهم ، ثم يعمل فـي « أنـما » نصبـاً لأن « يحسبن » حينئذ لـم يشغل بشيء عمل فـيه ، وهي تطلب منصوبـين . وإنـما اخترنا ذلك لإجماع القراء علـى فتـح الألف من « أنـما » الأولـى ، فدل ذلك علـى أن القراءة الصحيحة فـي « يحسبن » بـالـياء لـما وصفنا وأما ألف « إنـما » الثانـية فـالكسر علـى الابتداء بـالإجماع من القراء علـيه . وتأويـل قوله : { إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً } : إنـما نؤخر آجالهم فنطيـلها لـيزدادوا إثماً ، يقول : يكتسبوا الـمعاصي فتزداد آثامهم وتكثر { وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } يقول : ولهؤلاء الذين كفروا بـالله ورسوله فـي الآخرة عقوبة لهم مهينة مذلة . وبنـحو ما قلنا فـي ذلك جاء الأثر . حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن الأعمش ، عن خيثمة ، عن الأسود ، قال : قال عبد الله : ما من نفس برة ولا فـاجرة إلا والـموت خير لها ، وقرأ : { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لاِنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً } وقرأ : { نُزُلاٍ مّنْ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ لّلابْرَارِ } [ آل عمران : 198 ] .