Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 185-185)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعنـي بذلك تعالـى ذكره : أن مصير هؤلاء الـمفترين علـى الله من الـيهود الـمكذبـين برسوله ، الذين وصف صفتهم ، وأخبر عن جراءتهم علـى ربهم ، ومصير غيرهم من جميع خـلقه تعالـى ذكره ، ومرجع جميعهم إلـيه ، لأنه قد حتـم الـموت علـى جميعهم ، فقال لنبـيه صلى الله عليه وسلم : لا يحزنك تكذيب من كذّبك يا مـحمد من هؤلاء الـيهود وغيرهم ، وافتراء من افترى علـيّ ، فقد كذّب قبلك رسل جاءوا من الآيات والـحجج من أرسلوا إلـيه بـمثل الذي جئت من أرسلت إلـيه ، فلك فـيهم أسوة تتعزّى بهم ، ومصير من كذّبك ، وافترى علـيّ وغيرهم ، ومرجعهم إلـيّ ، فأوفـي كل نفس منهم جزاء عمله يوم القـيامة ، كما قال جلّ ثناؤه : { وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } يعنـي أجور أعمالكم إن خيراً فخير ، وإن شرّاً فشرّ . { فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ } ، يقول : فمن نـحي عن النار وأبعد منها ، { فَقَدْ فَازَ } يقول : فقد نـجا وظفر بحاجته ، يقال منه : فـاز فلان بطلبته يفوز فوزاً ومفـازاً ومفـازة : إذا ظفر بها . وإنـما معنى ذلك : فمن نُـحِّـي عن النار فأبعد منها ، وأدخـل الـجنة ، فقد نـجا وظفر بعظيـم الكرامة . { وَما ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَـٰعُ ٱلْغُرُورِ } يقول : وما لذات الدنـيا وشهواتها ، وما فـيها من زينتها وزخارفها ، إلا متاع الغرور ، يقول : إلا متعة يـمتعكموها الغرور والـخداع الـمضمـحل ، الذي لا حقـيقة له عند الامتـحان ، ولا صحة له عند الاختبـار ، فأنتـم تلتذّون بـما متعكم الغرور من دنـياكم ، ثم هو عائد علـيكم بـالفجائع والـمصائب والـمكاره ، يقول تعالـى ذكره : لا تركنوا إلـى الدنـيا فتسكنوا إلـيها ، فإنـما أنتـم منها فـي غرور تـمتعون ، ثم أنتـم عنها بعد قلـيـل راحلون . وقد رُوي فـي تأويـل ذلك ما : حدثنـي به الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا جرير ، عن الأعمش ، عن بكير بن الأخنس ، عن عبد الرحمن بن سابط فـي قوله : { وَما ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَـٰعُ ٱلْغُرُورِ } قال : كزاد الراعي ، تزوده الكف من التـمر ، أو الشيء من الدقـيق ، أو الشيء يشرب علـيه اللبن . فكأن ابن سابط ذهب فـي تأويـله هذا إلـى أن معنى الآية : وما الـحياة الدنـيا إلا متاع قلـيـل ، لا يبلغ من تـمتعه ولا يكفـيه لسفره . وهذا التأويـل وإن كان وجهاً من وجوه التأويـل ، فإن الصحيح من القول فـيه هو ما قلنا ، لأن الغرور إنـما هو الـخداع فـي كلام العرب ، وإذ كان كذلك فلا وجه لصرفه إلـى معنى القلة ، لأن الشيء قد يكون قلـيلاً وصاحبه منه فـي غير خداع ولا غرور وأما الذي هو فـي غرور فلا القلـيـل يصح له ولا الكثـير مـما هو منه فـي غرور . والغرور مصدر من قول القائل : غرنـي فلان ، فهو يغرنـي غروراً بضم الغين وأما إذا فتـحت الغين من الغرور فهو صفة للشيطان الغرور الذي يغر ابن آدم حتـى يدخـله من معصية الله فـيـما يستوجب به عقوبته . وقد : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عبدة وعبد الرحيـم ، قالا : ثنا مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو سلـمة ، عن أبـي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَوْضعُ سَوْطٍ فِـي الـجَنَّة خَيْرٌ مِنَ الدُّنْـيا وَما فِـيها ، وَاقْرَءُوا إنْ شِئْتُـمْ { وَما ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَـٰعُ ٱلْغُرُورِ } » "