Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 186-186)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعني بذلك تعالى ذكره : { لَتُبْلَوُنَّ فِى أَمْوٰلِكُمْ } لتـختبرن بالمصائب فـي أموالكم وأنفسكم ، يعني : وبهلاك الأقربـاء والعشائر من أهل نصرتكم وملتكم ، { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ } يعنـي : من الـيهود وقولهم { إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ } وقولهم { يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ } [ المائدة : 64 ] وما أشبه ذلك من افترائهم علـى الله . { وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } يعنـي النصارى ، { أَذًى كَثِيراً } والأذى من الـيهود ما ذكرنا ، ومن النصارى قولهم : الـمسيح ابن الله ، وما أشبه ذلك من كفرهم بـالله . { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ } يقول : وإن تصبروا لأمر الله الذي أمركم به فـيهم وفـي غيرهم من طاعته وتتقوا ، يقول : وتتقوا الله فـيـما أمركم ونهاكم ، فتعملوا فـي ذلك بطاعته . { فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } يقول : فإن ذلك الصبر والتقوى مـما عزم الله علـيه وأمركم به . وقـيـل إن ذلك كله نزل فـي فنـحاص الـيهودي سيد بنـي قـينقاع . كالذي : حدثنا به القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال عكرمة فـي قوله : { لَتُبْلَوُنَّ فِى أَمْوٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً } قال : نزلت هذه الآية فـي النبـي صلى الله عليه وسلم ، وفـي أبـي بكر رضوان الله علـيه ، وفـي فنـحاص الـيهودي سيد بنـي قـينقاع ، قال : بعث النبـي صلى الله عليه وسلم أبـا بكر الصديق رحمه الله إلـى فنـحاص يستـمدُّه ، وكتب إلـيه بكتاب ، وقال لأبـي بكر : " لا تَفْتَاتَنَّ علـيَّ بِشَيْءٍ حتـى تَرْجِعَ " فجاء أبو بكر وهو متوشح بـالسيف ، فأعطاه الكتاب ، فلـما قرأه قال : قد احتاج ربكم أن نـمده ! فهمّ أبو بكر أن يضربه بـالسيف ، ثم ذكر قول النبـي صلى الله عليه وسلم : " لا تَفْتاتَنَّ عَلـيَّ بِشَيْءٍ حتـى تَرْجعَ " فكف ونزلت : { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ } [ آل عمران : 181 ] وما بـين الآيتـين إلـى قوله : { لَتُبْلَوُنَّ فِى أَمْوٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ } نزلت هذه الآيات فـي بنـي قـينقاع ، إلـى قوله : { فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذّبَ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ } [ آل عمران : 184 ] . قال ابن جريج : يعزي نبـيه صلى الله عليه وسلم ، قال : { لَتُبْلَوُنَّ فِى أَمْوٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ } قال : أعلـم الله الـمؤمنـين أنه سيبتلـيهم فـينظر كيف صبرهم علـى دينهم ، ثم قال : { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ } يعنـي : الـيهود والنصارى ، { وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً } فكان الـمسلـمون يسمعون من الـيهود قولهم : عزير ابن الله ، ومن النصارى : الـمسيح ابن الله ، فكان الـمسلـمون ينصبون لهم الـحرب ، ويسمعون إشراكهم ، فقال الله : { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } يقول : من القوة مـما عزم الله علـيه وأمركم به . وقال آخرون : بل نزلت فـي كعب بن الأشرف ، وذلك أنه كان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتشبب بنساء الـمسلـمين . ذكر من قال ذلك : حدثنا الـحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري فـي قوله : { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً } قال : هو كعب بن الأشرف ، وكان يحرض الـمشركين علـى النبـي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فـي شعره ، ويهجو النبـي صلى الله عليه وسلم ، فـانطلق إلـيه خمسة نفر من الأنصار فـيهم مـحمد بن مسلـمة ، ورجل يقال له أبو عبس . فأتوه وهو فـي مـجلس قومه بـالعوالـي فلـما رآهم ذعر منهم ، فأنكر شأنهم ، وقالوا : جئناك لـحاجة ، قال : فلـيدن إلـيّ بعضكم ، فلـيحدثنـي بحاجته ! فجاءه رجل منهم فقال : جئناك لنبـيعك أدراعاً عندنا لنستنفق بها ، فقال : والله لئن فعلتـم لقد جهدتـم منذ نزل بكم هذا الرجل ! فواعدوه أن يأتوه عشاء حين هدأ عنهم الناس . فأتوه ، فنادوه ، فقالت امرأته : ما طرقك هؤلاء ساعتهم هذه لشيء مـما تـحب ! قال : إنهم حدثونـي بحديثهم وشأنهم . قال معمر : فأخبرنـي أيوب عن عكرمة أنه أشرف علـيهم فكلـمهم ، فقال : أترهنونـي أبناءكم ؟ وأرادوا أن يبـيعهم تـمراً ، قال : فقالوا إنا نستـحيـي أن تعير أبناؤنا فـيقال هذا رهينة وَسْق ، وهذا رهينة وسقـين ! فقال : أترهنونـي نسائكم ؟ قالوا : أنت أجمل الناس ، ولا نأمنك ، وأي امرأة تـمتنع منك لـجمالك ؟ ولكنا نرهنك سلاحنا ، فقد علـمت حاجتنا إلـى السلاح الـيوم . فقال : ائتونـي بسلاحكم ، واحتـملوا ما شئتـم ! قالوا : فـانزل إلـينا نأخذ علـيك ، وتأخذ علـينا . فذهب ينزل ، فتعلقت به امرأته وقالت : أرسل إلـى أمثالهم من قومك يكونوا معك . قال : لو وجدنـي هؤلاء نائماً ما أيقظونـي . قالت : فكلـمهم من فوق البـيت ، فأبى علـيها ، فنزل إلـيهم يفوح ريحه ، قالوا : ما هذه الريح يا فلان ؟ قال : هذا عطر أم فلان ! امرأته . فدنا إلـيه بعضهم يشم رائحته ، ثم اعتنقه ، ثم قال : اقتلوا عدو الله ! فطعنه أبو عبس فـي خاصرته ، وعلاه مـحمد بن مسلـمة بـالسيف ، فقتلوه ، ثم رجعوا . فأصبحت الـيهود مذعورين ، فجاءوا إلـى النبـي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : قتل سيدنا غيـلة ! فذكرهم النبـي صلى الله عليه وسلم صنـيعه ، وما كان يحض علـيهم ، ويحرض فـي قتالهم ، ويؤذيهم ، ثم دعاهم إلـى أن يكتب بـينه وبـينهم صلـحاً ، فقال : فكان ذلك الكتاب مع علـيّ رضوان الله علـيه .