Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 195-195)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعنـي تعالـى ذكره : فأجاب هؤلاء الداعين بـما وصف الله عنهم أنهم دعوا به ربهم ، بأنـي لا أضيع عمل عامل منكم عمل خيراً ذكراً كان العامل أو أنثى ، وذكر أنه قـيـل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بـال الرجال يذكرون ولا تذكر النساء فـي الهجرة ؟ فأنزل الله تبـارك وتعالـى فـي ذلك هذه الآية . حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفـيان ، عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد ، قال : قالت أم سلـمة : يا رسول الله ، تذكر الرجال فـي الهجرة ولا نذكر ؟ فنزلت : { أَنّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ } … الآية . حدثنا الـحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيـينة ، عن عمرو بن دينار ، قال : سمعت رجلاً من ولد أم سلـمة زوج النبـي صلى الله عليه وسلم ، يقول : قالت أم سلـمة : يا رسول الله لا أسمع الله يذكر النساء فـي الهجرة بشيء ! فأنزل الله تبـارك وتعالـى : { فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ } . حدثنا الربـيع بن سلـيـمان ، قال : ثنا أسد بن موسى ، قال : ثنا سفـيان ، عن عمرو بن دينار ، عن رجل من ولد أم سلـمة ، عن أم سلـمة أنها قالت : يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء فـي الهجرة بشيء ! فأنزل الله تعالـى : { فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ } . وقـيـل : فـاستـجاب لهم ، بـمعنى : فأجابهم ، كما قال الشاعر : @ وَدَاعٍ دَعا يا مَنْ يُجِيبُ إلـى النَّدَى فَلَـمْ يَسْتَـجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُـجِيبُ @@ بـمعنى : فلـم يجبه عند ذاك مـجيب . وأدخـلت « من » فـي قوله : { مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ } علـى الترجمة والتفسير عن قوله « منكم » ، بـمعنى : لا أضيع عمل عامل منكم من الذكور والإناث ولـيست « من » هذه بـالتـي يجوز إسقاطها وحذفها من الكلام فـي الـجحد ، لأنها دخـلت بـمعنى لا يصلـح الكلام إلا به . وزعم بعض نـحويـي البصرة أنها دخـلت فـي هذا الـموضع ، كما تدخـل فـي قولهم : « قد كان من حديث » قال : « ومن » ههنا أحسن ، لأن النهي قد دخـل فـي قوله : لا أضيع . وأنكر ذلك بعض نـحويـي الكوفة وقال : لا تدخـل « من » وتـخرج إلا فـي موضع الـجحد وقال : قوله : { لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ } لـم يدركه الـجحد ، لأنك لا تقول : لا أضرب غلام رجل فـي الدار ولا فـي البـيت فـيدخـل ، ولا لأنه لـم ينله الـجحد ، ولكن « مِنْ » مفسرة . وأما قوله : { بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ } فإنه يعنـي : بعضكم أيها الـمؤمنون الذين يذكرون الله قـياماً وقعوداً وعلـى جنوبهم ، مِنْ بعض ، فـي النصرة والـمسألة والدين ، وحكم جميعكم فـيـما أنا بكم فـاعل علـى حكم أحدكم فـي أنـي لا أضيع عمل ذكر منكم ولا أنثى . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { فَٱلَّذِينَ هَـٰجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمْ وَأُوذُواْ فِى سَبِيلِى وَقَـٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لاكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سَيّئَـٰتِهِمْ وَلاَدْخِلَنَّهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ ثَوَاباً مّن عِندِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ٱلثَّوَابِ } . يعنـي بقوله جل ثناؤه : فـالذين هاجروا قومهم من أهل الكفر وعشيرتهم فـي الله ، إلـى إخوانهم من أهل الإيـمان بـالله ، والتصديق برسوله ، وأخرجوا من ديارهم ، وهم الـمهاجرون الذين أخرجهم مشركو قريش من ديارهم بـمكة ، وأوذوا فـي سبـيـلـي ، يعنـي : وأوذوا فـي طاعتهم ربهم ، وعبـادتهم إياه ، مخـلصين له الدين ، وذلك هو سبـيـل الله التـي آذى فـيها الـمشركون من أهل مكة الـمؤمنـين برسول الله صلى الله عليه وسلم من أهلها وقتلوا ، يعنـي : وقتلوا فـي سبـيـل الله وقاتلوا فـيها ، لأكفرن عنهم سيئاتهم ، يعنـي : لأمـحونها عنهم ، ولأتفضلن علـيهم بعفوي ورحمتـي ، ولأغفرنها لهم ، ولأدخـلنهم جنات تـجري من تـحتها الأنهار ، ثوابها ، يعنـي : جزاء لهم علـى ما عملوا وأبلوا فـي الله وفـي سبـيـله من عند الله : يعنـي : من قِبَل الله لهم والله عنده حسن الثواب ، يعنـي : أن الله عنده من جزاء أعمالهم جميع صنوفه ، وذلك ما لا يبلغه وصف واصف ، لأنه مـما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر علـى قلب بشر . كما : حدثنا عبد الرحمن بن وهب ، قال : ثنا عمي عبد الله بن وهب ، قال : ثنـي عمرو بن الـحارث : أن أبـا عشانة الـمعافري ، حدثه أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص يقول : لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : " إن أول ثلة تدخـل الـجنة لفقراء الـمهاجرين ، الذين تتقـى بهم الـمكاره ، إذا أمروا سمعوا وأطاعوا وإن كانت لرجل منهم حاجة إلـى السلطان لـم تقض حتـى يـموت وهي فـي صدره ، وإن الله يدعو يوم القـيامة الـجنة ، فتأتـي بزخرفها وزينتها ، فـيقول : أين عبـادي الذين قاتلوا فـي سبـيـلـي وقتلوا ، وأوذوا فـي سبـيـلـي ، وجاهدوا فـي سبـيـلـي ، ادخـلوا الـجنة ، فـيدخـلونها بغير عذاب ، ولا حساب ، وتأتـي الـملائكة فـيسجدون ويقولون : ربنا نـحن نسبح لك اللـيـل والنهار ، ونقدّس لك من هؤلاء الذين آثرتهم علـينا ، فـيقول الرب جل ثناؤه : هؤلاء عبـادي الذين قاتلوا فـي سبـيـلـي ، وأوذوا فـي سبـيـلـي ، فتدخـل الـملائكة علـيهم من كل بـاب : " { سَلَـٰمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } [ الرعد : 24 ] . واختلفت القراء فـي قراءة قوله : { وَقَـٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ } فقرأه بعضهم : « وَقَتَلُوا وَقُتِلُوا » بـالتـخفـيف ، بـمعنى أنهم قتلوا من قتلوا من الـمشركين وقرأ ذلك آخرون : « وَقاتَلُوا وَقُتِّلُوا » بتشديد قتِّلوا ، بـمعنى : أنهم قاتلوا الـمشركين ، وقتلهم الـمشركون بعضاً بعد بعض وقتلاً بعد قتل . وقرأ ذلك عامة قراء الـمدينة وبعض الكوفـيـين : « وَقاتَلُوا وَقَتَلُوا » بـالتـخفـيف ، بـمعنى أنهم قاتلوا الـمشركين وقتلوا . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفـيـين : { وَقُتّلُواْ } بـالتـخفـيف { وَقَاتِلُواْ } بـمعنى : أن بعضهم قُتل ، وقاتل من بقـي منهم . والقراءة التـي لا أستـجيز أن أعدوها إحدى هاتـين القراءتـين ، وهي : « وَقاتَلُوا وقَتَلُوا » بـالتـخفـيف ، أو { وَقُتّلُواْ } بـالتـخفـيف { وَقَاتِلُواْ } لأنها القراءة الـمنقولة نقل وراثة ، وما عداهما فشاذ . وبأي هاتـين القراءتـين التـي ذكرت أنـي لا أستـجيز أن أعدوهما قرأ قارىء فمصيب فـي ذلك الصواب من القراءة ، لاستفـاضة القراءة بكل واحدة منهما فـي قراء الإسلام مع اتفـاق معنـيـيهما .