Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 194-194)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

إن قال لنا قائل : وما وجه مسألة هؤلاء القوم ربهم أن يؤتـيهم ما وعدهم ، وقد علـموا أن الله منـجز وعده ، وغير جائز أن يكون منه إخلاف موعد ؟ قـيـل : اختلف فـي ذلك أهل البحث ، فقال بعضهم : ذلك قول خرج مخرج الـمسألة ، ومعناه الـخبر ، قالوا : وإنـما تأويـل الكلام : ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيـمان أن آمنوا بربكم فآمنا ، ربنا فـاغفر لنا ذنوبنا ، وكفر عنا سيئاتنا ، وتوفنا مع الأبرار ، لتؤتـينا ما وعدتنا علـى رسلك ، ولا تـخزنا يوم القـيامة ، قالوا : ولـيس ذلك علـى أنهم قالوا : إن توفـيتنا مع الأبرار فـانـجز لنا ما وعدتنا لأنهم قد علـموا أن الله لا يخـلف الـميعاد ، وأن ما وعد علـى ألسنة رسله لـيس يعطيه بـالدعاء ، ولكنه تفضل بإيتائه ، ثم ينـجزه . وقال آخرون : بل ذلك قول من قائله علـى معنى الـمسألة والدعاء لله ، بأن يجعلهم مـمن آتاهم ما وعدهم من الكرامة علـى ألسن رسله ، لا أنهم كانوا قد استـحقوا منزلة الكرامة عند الله فـي أنفسهم ، ثم سألوه أن يؤتـيهم ما وعدهم بعد علـمهم بـاستـحقاقهم عند أنفسهم ، فـيكون ذلك منهم مسألة لربهم أن لا يخـلف وعده ، قالوا : ولو كان القوم إنـما سألوا ربهم أن يؤتـيهم ما وعد الأبرار ، لكانوا قد زكوا أنفسهم ، وشهدوا لها أنها مـمن قد استوجب كرامة الله وثوابه ، قالوا : ولـيس ذلك صفة أهل الفضل من الـمؤمنـين . وقال آخرون : بل قالوا هذا القول علـى وجه الـمسألة ، والرغبة منهم إلـى الله أن يؤتـيهم ما وعدهم من النصر علـى أعدائهم من أهل الكفر ، والظفر بهم ، وإعلاء كلـمة الـحق علـى البـاطل ، فـيعجل ذلك لهم ، قالوا : ومـحال أن يكون القوم مع وصف الله إياهم بـما وصفهم به كانوا علـى غير يقـين من أن الله لا يخـلف الـميعاد ، فـيرغبوا إلـى الله جل ثناؤه فـي ذلك ، ولكنهم كانوا وعدوا النصر ، ولـم يوقت لهم فـي تعجيـل ذلك لهم ، لـما فـي تعجله من سرور الظفر وراحة الـجسد . والذي هو أولـى الأقوال بـالصواب فـي ذلك عندي : أن هذه الصفة ، صفة من هاجر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من وطنه وداره ، مفـارقاً لأهل الشرك بـالله إلـى الله ورسوله ، وغيرهم من تبـاع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين رغبوا إلـى الله فـي تعجيـل نصرتهم علـى أعداء الله وأعدائهم ، فقالوا : ربنا آتنا ما وعدتنا من نصرتك علـيهم عاجلاً ، فإنك لا تـخـلف الـميعاد ، ولكن لا صبر لنا علـى أناتك وحلـمك عنهم ، فعجل حربهم ، ولنا الظفر علـيهم . يدل علـى صحة ذلك آخر الآية الأخرى ، وهو قوله : { فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَـٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ } [ آل عمران : 195 ] … الآيات بعدها . ولـيس ذلك مـما ذهب إلـيه الذين حكيت قولهم فـي شيء ، وذلك أنه غير موجود فـي كلام العرب أن يقال : افعل بنا يا رب كذا وكذا ، بـمعنى : افعل بنا لكذا الذي ولو جاز ذلك ، لـجاز أن يقول القائل لآخر : أقبل إلـيّ وكلـمنـي ، بـمعنى : أقبل إلـيّ لتكلـمنـي ، وذلك غير موجود فـي الكلام ، ولا معروف جوازه ، وكذلك أيضاً غير معروف فـي الكلام : آتنا ما وعدتنا ، بـمعنى : اجعلنا مـمن آتـيته ذلك وإن كان كلّ من أعطى شيئاً سنـياً فقد صير نظيراً لـمن كان مثله فـي الـمعنى الذي أعطيه ، ولكن لـيس الظاهر من معنى الكلام ذلك ، وإن كان قد يؤول معناه إلـيه . فتأويـل الكلام إذًا : ربنا أعطنا ما وعدتنا علـى ألسن رسلك أنك تعلـى كلـمتك كلـمة الـحق ، بتأيـيدنا علـى من كفر بك وحادّك وعبد غيرك ، وعجِّل لنا ذلك ، فإنا قد علـمنا أنك لا تـخـلف ميعادك ، ولا تـخزنا يوم القـيامة ، فتفضحنا بذنوبنا التـي سلكت منا ، ولكن كفّرها عنا واغفرها لنا . وقد : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { رَبَّنَا وَءاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ } قال : يستنـجز موعود الله علـى رسله .