Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 19-19)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ومعنى الدين فـي هذا الـموضع : الطاعة والذلة ، من قول الشاعر : @ ويوْمُ الـحَزْنِ إذْ حَشَدَتْ مَعَدٌّ وكانَ النَّاسُ إلاَّ نَـحنُ دِينَا @@ يعنـي بذلك : مطيعين علـى وجه الذل ومنه قول القطامي : @ كانَتْ نَـوَارُ تَدِينُكَ الأدْيانَا @@ يعنـي تذلّك . وقول الأعشى ميـمون بن قـيس : @ هُوَ دَان الرِّبـابِ إذْ كَرِهُوا الدِّ يــنَ دِرَاكا بغَزْوَةٍ وَصيالِ @@ يعنـي بقوله « دان » : ذلل ، وبقوله « كرهوا الدين » : الطاعة . وكذلك الإسلام ، وهو الانقـياد بـالتذلل والـخشوع والفعل منه أسلـم ، بـمعنى : دخـل فـي السلـم ، كما يقال أقحط القوم : إذا دخـلوا فـي القحط ، وأربعوا : إذا دخـلوا فـي الربـيع ، فكذلك أسلـموا : إذا دخـلوا فـي السلـم ، وهو الانقـياد بـالـخضوع وترك الـمـمانعة . فإذا كان ذلك كذلك ، فتأويـل قوله : { إِنَّ الدّينَ عِندَ اللَّهِ الإسلامُ } إن الطاعة التـي هي الطاعة عنده الطاعة له ، وإقرار الألسن والقلوب له بـالعبودية والذلة ، وانقـيادها له بـالطاعة فـيـما أمر ونهى ، وتذللها له بذلك من غير استكبـار علـيه ولا انـحراف عنه دون إشراك غيره من خـلقه معه فـي العبودية والألوهية . وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال جماعة من أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : { إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإسْلام } والإسلام : شهادة أن لا إلٰه إلا الله ، والإقرار بـما جاء به من عند الله ، وهو دين الله الذي شرع لنفسه ، وبعث به رسله ، ودل علـيه أولـياءه ، لا يقبل غيره ولا يجزى إلا به . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع ، قال : ثنا أبو العالـية فـي قوله : { إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإسْلام } قال : الإسلام : الإخلاص لله وحده وعبـادته لا شريك له ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وسائر الفرائض لهذا تبع . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد فـي قوله : { أَسْلَمْنَا } قال : دخـلنا فـي السلـم وتركنا الـحرب . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير : { إِنَّ الدينَ عندَ اللَّهِ الإسْلامَ } : أي ما أنت علـيه يا مـحمد من التوحيد للربّ والتصديق للرسل . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الكِتَـابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ } . يعنـي بذلك جل ثناؤه : وما اختلف الذين أوتوا الإنـجيـل ، وهو الكتاب الذي ذكره الله فـي هذه الآية فـي أمر عيسى ، وافترائهم علـى الله فـيـما قالوه فـيه من الأقوال التـي كثر بها اختلافهم بـينهم وتشتت بها كلـمتهم ، وبـاين بها بعضهم بعضاً ، حتـى استـحلّ بها بعضهم دماء بعض ، { إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ العِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ } يعنـي : إلا من بعد ما علـموا الـحقّ فـيـما اختلفوا فـيه من أمره وأيقنوا أنهم فـيـما يقولون فـيه من عظيـم الفرية مبطلون . فأخبر الله عبـاده أنهم أتوا ما أتوا من البـاطل وقالوا ما قالوا من القول الذي هو كفر بـالله علـى علـم منهم بخطإ ما قالوه ، وأنهم لـم يقولوا ذلك جهلاً منهم بخطئه ، ولكنهم قالوه واختلفوا فـيه الاختلاف الذي هم علـيه ، تعدّيا من بعضهم علـى بعض ، وطلب الرياسات والـملك والسلطان . كما : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع فـي قوله : { وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الكِتَـابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ العِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ } قال : قال أبو العالـية : إلا من بعدما جاءهم الكتاب والعلـم بغياً بـينهم ، يقول : بغياً علـى الدنـيا وطلب ملكها وسلطانها ، فقتل بعضهم بعضا علـى الدنـيا ، من بعد ما كانوا علـماء الناس . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع ، عن ابن عمر : أنه كان يكثر تلاوة هذه الآية : { إِنَّ الدّينَ عِندَ اللَّهِ الإسلام وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الكِتَـابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ } يقول : بغياً علـى الدنـيا ، وطلب ملكها وسلطانها ، من قِبَلها واللّه أُتـينا ! ما كان علـينا من يكون ، بعد أن يأخذ فـينا كتاب الله وسنة نبـيه ، ولكنا أُتـينا من قبلها . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع ، قال : إن موسى لـما حضره الـموت دعا سبعين حبراً من أحبـار بنـي إسرائيـل ، فـاستودعهم التوراة ، وجعلهم أمناء علـيه ، كل حبر جزءاً منه ، واستـخـلف موسى يوشع بن نون . فلـما مضى القرن الأوّل ، ومضى الثانـي ، ومضى الثالث ، وقعت الفرقة بـينهم ، وهم الذين أوتوا العلـم من أبناء أولئك السبعين ، حتـى أهراقوا بـينهم الدماء ، ووقع الشّر والاختلاف ، وكان ذلك كله من قبل الذين أوتوا العلـم بغياً بـينهم علـى الدنـيا ، طلبـاً لسلطانها وملكها وخزائنَها وزخرفها ، فسلط الله علـيهم جبـابرتهم ، فقال الله : { إِنَّ الدّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلامِ } إلـى قوله : { وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } [ آل عمران : 15 ] . فقول الربـيع بن أنس هذا يدلّ علـى أنه كان عنده أنه معنـيّ بقوله : { وَمَا اختَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَـابَ } الـيهود من بنـي إسرائيـل دون النصارى منهم ومن غيرهم . وكان غيره يوجه ذلك إلـى أن الـمعنـيّ به النصارى الذين أوتوا الإنـجيـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير : { وَمَا اختَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الكِتَـابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ العِلْمُ } الذي جاءك ، أي أن الله الواحد الذي لـيس له شريك ، { بَغْياً بَيْنَهُمْ } يعنـي بذلك : النصارى . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَـاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهِ سَرِيعُ الحِسابِ } . يعنـي بذلك : ومن يجحد حجج الله وأعلامه التـي نصبها ذكرى لـمن عقل ، وأدلة لـمن اعتبر وتذكر ، فإن الله مـحص علـيه أعماله التـي كان يعملها فـي الدنـيا ، فمـجازيه بها فـي الآخرة ، فإنه جلّ ثناؤه سريع الـحساب ، يعنـي : سريع الإحصاء . وإنـما معنى ذلك : أنه حافظٌ علـى كل عامل عمله ، لا حاجة به إلـى عقد ، كما يعقده خـلقه بأكفهم ، أو يعونه بقلوبهم ، ولكنه يحفظ ذلك علـيهم بغير كلفة ولا مؤونة ، ولا معاناة لـما يعانـيه غيره من الـحساب . وبنـحو الذي قلنا فـي معنى { سَرِيعُ الحِسابِ } كان مـجاهد يقول . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد فـي قول الله عزّ وجلّ : { وَمَن يَكْفُرْ بِآيَـاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهِ سَرِيعُ الحِسَابِ } قال : إحصاؤه علـيهم . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد : { وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهِ سَرِيعُ الحِسَابِ } إحصاؤه .