Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 21-22)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعني بذلك جلّ ثناؤه : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَـاتِ اللَّهِ } أي يجحدون حجج الله وأعلامه فيكذّبون بها من أهل الكتابين التوراة والإنجيل . كما : حدثنـي ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير ، قال : ثم جمع أهل الكتابـين جميعاً ، وذكر ما أحدثوا وابتدعوا من الـيهود والنصارى ، فقال : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيـاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقّ } إلـى قوله : { قُلِ اللَّهُمَّ مَـالِكَ المُلْكِ تُؤْتِى المُلْكَ مَن تَشَاءُ } . وأما قوله : { وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ } فإنه يعنـي بذلك أنهم كانوا يقتلون رسل الله الذين كانوا يرسلون إلـيهم بـالنهي عما يأتون من معاصي الله ، وركوب ما كانوا يركبونه من الأمور التـي قد تقدم الله إلـيهم فـي كتبهم بـالزجر عنها ، نـحو زكريا وابنه يحيـى وما أشبههما من أنبـياء الله . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بالقِسْطِ مِنَ النَّاسِ } . اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك ، فقرأه عامة أهل الـمدينة والـحجاز والبصرة والكوفة وسائر قرّاء الأمصار : { وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بالْقِسْطِ } بـمعنى القتل . وقرأه بعض الـمتأخرين من قرّاء الكوفة : « ويقاتلون » ، بـمعنى القتال تأوّلاً منه قراءة عبد الله بن مسعود ، وادّعى أن ذلك فـي مصحف عبد الله : « وقاتلوا » ، فقرأ الذي وصفنا أمره من القراء بذلك التأويـل « ويقاتلون » . والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا ، قراءة من قرأه : { وَيَقْتُلُونَ } لإجماع الـحجة من القراء علـيه به ، مع مـجيء التأويـل من أهل التأويـل بأن ذلك تأويـله . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن معقل بن أبـي مسكين فـي قول الله صلى الله عليه وسلم : { وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ } قال : كان الوحي يأتـي إلـى بنـي إسرائيـل فـيذكِّرون ، ولـم يكن يأتـيهم كتاب ، فـيُقتَلون ، فـيقوم رجال مـمن اتبعهم وصدّقهم ، فـيذكِّرون قومهم فـيقتلون ، فهم الذين يأمرون بـالقسط من الناس . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن قتادة فـي قوله : { وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ } قال : هؤلاء أهل الكتاب ، كان أتبـاع الأنبـياء ينهونهم ويذكرونهم فـيقتلونهم . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، قال : قال ابن جريج فـي قوله : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ } قال : كان ناس من بنـي إسرائيـل مـمن لـم يقرأ الكتاب كان الوحي يأتـي إلـيهم ، فـيذكِّرون قومهم فـيقتلون علـى ذلك ، فهم الذين يأمرون بـالقسط من الناس . حدثنـي أبو عبـيد الرصافـي مـحمد بن جعفر ، قال : ثنا ابن حميد ، قال : ثنا أبو الـحسن مولـى بنـي أسد ، عن مكحول ، عن قبـيصة بن ذؤيب الـخزاعي ، عن أبـي عبـيدة بن الـجرّاح ، قال : قلت يا رسول الله ، أيّ الناس أشدّ عذابـا يوم القـيامة ؟ قال : " رَجُلٌ قَتَلَ نَبِـيًّا ، أوْ رَجُلٌ أمَرَ بـالـمُنْكَرِ وَنَهَى عَنِ الـمَعْرُوفِ " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الَّذِينَ يَقْتُلُونَ النَّبِـيِّـينَ بِغَيْرِ حَقّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِـالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ » إلـى أن انتهى إلـى : { وَمَا لَهُم مّن نَّـاصِرِينَ } . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبـا عُبَـيْدَةَ قَتَلَتْ بَنُو إسْرَائِيـلَ ثَلاَثَةً وَأرْبَعِينَ نَبِـيًّا مِنْ أَوَّلِ النَّهارِ فِـي سَاعَةٍ وَاحِدَةً ، فَقَامَ مِائَةُ رَجُلٍ وَاثْنَا عَشَرَ رَجُلاً مِنْ عُبَّـادِ بَنِـي إسْرَائِيـلَ ، فأمَرُوا مَنْ قَتَلَهُمْ بِـالـمَعْرُوفِ وَنَهَوْهُمْ عَنِ الـمُنْكَرِ فَقُتِلُوا جَمِيعاً مِنْ آخِرِ النَّهَارِ فِـي ذَلِكَ الـيَوْمِ ، وَهُمُ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ " فتأويـل الآية إذا : إن الذين يكفرون بآيات الله ، ويقتلون النبـيـين بغير حقّ ، ويقتلون آمريهم بـالعدل فـي أمر الله ونهيه ، الذين ينهونهم عن قتل أنبـياء الله وركوب معاصيه . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ أُولَـئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَـالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِنْ نَـاصِرِينَ } . يعنـي بقوله جلّ ثناؤه : { فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } فأخبرهم يا مـحمد ، وأعلـمهم أن لهم عند الله عذابـاً مؤلـماً لهم ، وهو الـموجع . وأما قوله : { أُولَـئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ } فإنه يعنـي بقوله : { أُوْلَـئِكَ } الذين يكفرون بآيات الله . ومعنى ذلك : أن الذين ذكرناهم ، هم الذين حبطت أعمالهم ، يعنـي بطلت أعمالهم فـي الدنـيا والآخرة . فأما قوله : { فِى الدُّنْيَا } فلـم ينالوا بها مـحمدة ولا ثناء من الناس ، لأنهم كانوا علـى ضلال وبـاطل ، ولـم يرفع الله لهم بها ذكراً ، بل لعنهم وهتك أستارهم ، وأبدى ما كانوا يخفون من قبـائح أعمالهم علـى ألسن أنبـيائه ورسله فـي كتبه التـي أنزلها علـيهم ، فأبقـى لهم ما بقـيت الدنـيا مذمة ، فذلك حبوطها فـي الدنـيا . وأما فـي الآخرة ، فإنه أعدّ لهم فـيها من العقاب ما وصف فـي كتابه ، وأعلـم عبـاده أن أعمالهم تصير بوراً لا ثواب لها ، لأنها كانت كفراً بـالله ، فجزاء أهلها الـخـلود فـي الـجحيـم . وأما قوله : { وَمَا لَهُم مّن ناصِرِينَ } فإنه يعنـي : وما لهؤلاء القوم من ناصر ينصرهم من الله إذا هو انتقم منهم بـما سلف من إجرامهم واجترائهم علـيه ، فـيستنقذهم منه .