Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 37-37)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعنـي بذلك جل ثناؤه : تقبل مريـم من أمها حنة بتـحريرها إياها للكنـيسة وخدمتها ، وخدمة ربها بقبول حسن ، والقبول : مصدر من قبلها ربها . فأخرج الـمصدر علـى غير لفظ الفعل ، ولو كان علـى لفظه لكان : فتقبلها ربها تقبلاً حسناً ، وقد تفعل العرب ذلك كثـيراً أن يأتوا بـالـمصادر علـى أصول الأفعال وإن اختلفت ألفـاظها فـي الأفعال بـالزيادة ، وذلك كقولهم : تكلـم فلان كلاماً ، ولو أخرج الـمصدر علـى الفعل لقـيـل : تكلـم فلان تكلـماً ، ومنه قوله : { وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا } ولـم يقل : إنبـاتاً حسناً . وذكر عن أبـي عمرو بن العلاء أنه قال : لـم نسمع العرب تضمّ القاف فـي قبول ، وكان القـياس الضمّ لأنه مصدر مثل الدخول والـخروج ، قال : ولـم أسمع بحرف آخر فـي كلام العرب يشبهه . حدثت بذلك عن أبـي عبـيد ، قال : أخبرنـي الـيزيدي عن أبـي عمرو . وأما قوله : { وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا } فإن معناه : وأنبتها ربها فـي غذائه ورزقه نبـاتاً حسناً حتـى تـمت فكملت امرأة بـالغة تامة . كما : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال الله عزّ وجلّ : { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ } قال : تقبل من أمها ما أرادت بها للكنـيسة وآجرها فـيها { وَأَنبَتَهَا } ، قال : نبتت فـي غذاء الله . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } . اختلفت القراء فـي قراءة قوله : { وَكَفَّلَهَا } ، فقرأته عامة قراء أهل الـحجاز والـمدينة والبصرة : « وكَفَلَها » مخففة الفـاء بـمعنى : ضمها زكريا إلـيه ، اعتبـاراً بقول الله عزّ وجلّ : { يُلْقُون أَقْلَـٰمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ } [ آل عمران : 44 ] . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفـيـين : { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } بـمعنى : وكفّلها الله زكريا . وأولـى القراءتـين بـالصواب فـي ذلك عندي قراءة من قرأ : { وَكَفَّلَهَا } مشددة الفـاء بـمعنى : وكفّلها الله زكريا ، بـمعنى : وضمها الله إلـيه لأن زكريا أيضاً ضمها إلـيه بإيجاب الله له ضمها إلـيه بـالقرعة التـي أخرجها الله له ، والآية التـي أظهرها لـخصومه فـيها ، فجعله بها أولـى منهم ، إذ قرع فـيها من شاحّه فـيها . وذلك أنه بلغنا أن زكريا وخصومه فـي مريـم إذ تنازعوا فـيها أيهم تكون عنده ، تساهموا بقداحهم فرموا بها فـي نهر الأردنّ ، فقال بعض أهل العلـم : رتَب قِدْحُ زكريا ، فقام فلـم يجر به الـماء وجرى بقداح الآخرين الـماء ، فجعل الله ذلك لزكريا أنه أحقّ الـمتنازعين فـيها . وقال آخرون : بل صعد قدح زكريا فـي النهر ، وانـحدرت قداح الآخرين مع جرية الـماء وذهبت ، فكان ذلك له علـماً من الله فـي أنه أولـى القوم بها . وأيّ الأمرين كان من ذلك فلا شكّ أن ذلك كان قضاء من الله بها لزكريا علـى خصومه بأنه أولاهم بها ، وإذا كان ذلك كذلك ، فإنـما ضمها زكريا إلـى نفسه بضم الله إياها إلـيه بقضائه له بها علـى خصومه عند تشاحهم فـيها واختصامهم فـي أولاهم بها . وإذا كان ذلك كذلك كان بـيِّناً أن أولـى القراءتـين بـالصواب ما اخترنا من تشديد « كفَّلها » . وأما ما اعتلّ به القارئون ذلك بتـخفـيف الفـاء من قول الله : { أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ } وأن موجب صحة اختـيارهم التـخفـيف فـي قوله : { وَكَفَّلَهَا } فحجة دالة علـى ضعف احتيال الـمـحتـجّ بها . وذلك أنه غير مـمتنع ذو عقل من أن يقول قائل : كفل فلان فلاناً فكفله فلان ، فكذلك القول فـي ذلك : ألقـى القوم أقلامهم أيهم يكفل مريـم ، بتكفـيـل الله إياه بقضائه الذي يقضي بـينهم فـيها عند إلقائهم الأقلام . وكذلك اختلفت القراء فـي قراءة « زكريا » ، فقرأته عامة قراء الـمدينة بـالـمدّ ، وقرأته عامة قراء الكوفة بـالقصر . وهما لغتان معروفتان وقراءتان مستفـيضتان فـي قراءة الـمسلـمين ، ولـيس فـي القراءة بإحداهما خلاف لـمعنى القراءة الأخرى ، فبأيتهما قرأ القارىء فهو مصيب . غير أن الصواب عندنا إذا مدّ « زكريا » ، أن ينصب بغير تنوين ، لأنه اسم من أسماء العجم لا يُجْرَى ، ولأن قراءتنا فـي « كفّلها » بـالتشديد وتثقـيـل الفـاء ، فزكرياء منصوب بـالفعل الواقع علـيه . وفـي زكريا لغة ثالثة لا تـجوز القراءة بها لـخلافها مصاحف الـمسلـمين وهو « زكريّ » بحذف الـمدّة والـياء الساكنة ، تشبهه العرب بـالـمنسوب من الأسماء فتنوّنه ، وتـجريه فـي أنواع الإعراب مـجاري ياء النسبة . فتأويـل الكلام : وضمها الله إلـى زكريا ، من قول الشاعر : @ فَـهُـوَ لِـضُـلاَّلِ الـهَـوَامِ كافِـلُ @@ يراد أنه لـما ضلّ من متفرّق النعم ومنتشره ، ضامٌّ إلـى نفسه وجامعٌ . وقد رُوي : @ فَـهُـوَ لِـضُـلاَّلِ الـهَـوَافِـي كافِـلُ @@ بـمعنى أنه لـما ندّ فهرب من النعم ضامٌّ ، من قولهم : هفـا الظلـيـم : إذا أسرع الطيران ، يقال منه للرجل : ما لك تكفل كل ضالة ؟ يعنـي به : تضمها إلـيك وتأخذها . وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي عبد الرحمن بن الأسود الطفـاوي ، قال : ثنا مـحمد بن ربـيعة ، عن النضر بن عربـي ، عن عكرمة فـي قوله : { إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَـٰمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ } [ آل عمران : 44 ] قال : ألقوا أقلامهم فجرت بها الـجِرْيَة إلا قلـم زكريا صاعداً ، فكفلها زكريا . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع قوله : { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } قال : ضمها إلـيه . قال : ألقوا أقلامهم ، يقول عصيهم . قال : فألقوها تلقاء جرية الـماء ، فـاستقبلت عصا زكريا جرية الـماء فقرعهم . حدثنـي موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السدي ، قال الله عزّ وجلّ : { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا } فـانطلقت بها أمها فـي خِرَقها يعنـي أمّ مريـم بـمريـم حين ولدتها إلـى الـمـحراب وقال بعضهم : انطلقت حين بلغت إلـى الـمـحراب وكان الذين يكتبون التوراة إذا جاءوا إلـيهم بإنسان يجربونه اقترعوا علـيه أيهم يأخذه فـيعلـمه ، وكان زكريا أفضلهم يومئذٍ وكان بـينهم ، وكانت خالة مريـم تـحته . فلـما أتوا بها اقترعوا علـيها ، وقال لهم زكريا : أنا أحقكم بها تـحتـي خالتها ، فأبوا . فخرجوا إلـى نهر الأردن ، فألقوا أقلامهم التـي يكتبون بها ، أيهم يقوم قلـمه فـيكفلها . فجرت الأقلام وقام قلـم زكريا علـى قُرْنَته كأنه فـي طين ، فأخذ الـجارية وذلك قول الله عزّ وجلّ : { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } فجعلها زكريا معه فـي بـيته ، وهو الـمـحراب . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } يقول : ضمها إلـيه . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد فـي قوله : { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } قال : سهمهم بقلـمه . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، نـحوه . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن قتادة ، قال : كانت مريـم ابنة سيدهم وإمامهم . قال : فتشاحّ علـيها أحبـارهم ، فـاقترعوا فـيها بسهامهم أيهم يكفلها . قال قتادة : وكان زكريا زوج أختها فكفلها ، وكانت عنده وحضنها . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن القاسم بن أبـي بزة أنه أخبره ، عن عكرمة ، وأبـي بكر عن عكرمة ، قال : ثم خرجتْ بها يعنـي أمّ مريـم بـمريـم فـي خِرَقها تـحملها إلـى بيت الكاهن بن هارون أخي موسى بن عمران ، قال : وهم يومئذٍ يـلون من بـيت الـمقدس ما يـلـي الـحجبة من الكعبة ، فقالت لهم : دونكم هذه النذيرة فإنـي حررتها وهي ابنتـي ، ولا يدخـل الكنـيسة حائض ، وأنا لا أردّها إلـى بـيتـي ! فقالوا : هذه ابنة إمامنا وكان عمران يؤمهم فـي الصلاة وصاحب قربـانهم . فقال زكريا : ادفعوها إلـيّ فإن خالتها عندي ! قالوا : لا تطيب أنفسنا هي ابنة إمامنا . فذلك حين اقترعوا فـاقترعوا بأقلامهم علـيها ، بـالأقلام التـي يكتبون بها التوراة ، فقرعهم زكريا فكفلها . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرنـي يعلـى بن مسلـم ، عن سعيد بن جبـير ، عن ابن عبـاس ، قال : جعلها زكريا معه فـي مـحرابه ، قال الله عزّ وجلّ : { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } . قال حجاج : قال ابن جريج : الكاهن فـي كلامهم : العالـم . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير : { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } بعد أبـيها وأمها ، يذكرها بـالـيتـم . ثم قصّ خبرها وخبر زكريا . حدثنا الـمثنى ، قال : ثنا الـحمانـي ، قال : ثنا شريك ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبـير قوله : { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } قال : كانت عنده . حدثنـي علـيّ بن سهل ، قال : ثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن يعلـى بن مسلـم ، عن سعيد بن جبـير قوله : { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } قال : جعلها زكريا معه فـي مـحرابه . حدثنـي مـحمد بن سنان ، قال : ثنا أبو بكر الـحنفـي ، عن عبـاد ، عن الـحسن فـي قوله : { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا } وتقارعها القوم ، فقرع زكريا ، فكفلها زكريا . وقال آخرون : بل كان زكريا بعد ولادة حنة ابنتها مريـم كفلها بغير اقتراعٍ ولا استهامٍ علـيها ولا منازعة أحد إياه فـيها . وإنـما كفلها لأن أمها ماتت بعد موت أبـيها وهي طفلة ، وعند زكريا خالتها إيشاع ابنة فـاقوذ وقد قـيـل : إن اسم أم يحيـى خالة عيسى : أشيع . حدثنا بذلك القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرنـي وهب بن سلـيـمان ، عن شعيب الـجبئي أن اسم أمّ يحيـى : أشيع . فضمها إلـى خالتها أمّ يحيـى ، فكانت إلـيهم ومعهم ، حتـى إذا بلغت أدخـلوها الكنـيسة لنذر أمها التـي نذرت فـيها . قالوا : والاقتراع فـيها بـالأقلام ، إنـما كان بعد ذلك بـمدة طويـلة لشدة إصابتهم ضعف زكريا عن حمل مؤنتها ، فتدافعوا حمل مؤنتها ، لا رغبة منهم ، ولا تنافساً علـيها وعلـى احتـمال مؤنتها . وسنذكر قصتها علـى قول من قال ذلك إذا بلغنا إلـيها إن شاء الله تعالـى . حدثنا بذلك ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، قال : ثنـي مـحمد بن إسحاق . فعلـى هذا التأويـل تصحّ قراءة من قرأ : « وَكَفَلَها زَكَرِيَّا » بتـخفـيف الفـاء لو صحّ التأويـل . غير أن القول متظاهر من أهل التأويـل بـالقول الأول إن استهام القوم فـيها كان قبل كفـالة زكريا إياها ، وأن زكريا إنـما كفلها بإخراج سهمه منها فـالـجاً علـى سهام خصومه فـيها ، فلذلك كانت قراءته بـالتشديد عندنا أولـى من قراءته بـالتـخفـيف . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا } . يعنـي بذلك جلّ ثناؤه : أن زكريا كان كلـما دخـل علـيها الـمـحراب بعد إدخاله إياها الـمـحراب ، وجد عندها رزقاً من الله لغذائها . فقـيـل : إن ذلك الرزق الذي كان يجده زكريا عندها فـاكهة الشتاء فـي الصيف ، وفـاكهة الصيف فـي الشتاء . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا الـحسن بن عطية ، عن شريك ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبـير ، عن ابن عبـاس : { وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًاً } قال : وجد عندها عنبـاً فـي مِكْتَلٍ فـي غير حينه . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن سعيد فـي قوله : { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًاً } قال : العنب فـي غير حينه . حدثنـي يعقوب ، قال : ثنا هشيـم ، قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيـم فـي قوله : { وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًاً } قال : فـاكهة فـي غير حينها . حدثنـي يعقوب ، قال : ثنا هشيـم ، قال : أخبرنا أبو إسحاق الكوفـي ، عن الضحاك : أنه كان يجد عندها فـاكهة الصيف فـي الشتاء وفـاكهة الشتاء فـي الصيف ، يعنـي فـي قوله : { وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًاً } . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن سلـمة بن نبـيط ، عن الضحاك ، مثله . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عمرو ، قال : أخبرنا هشيـم ، عن بعض أشياخه ، عن الضحاك ، مثله . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : أخبرنا هشيـم ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك ، مثله . حدثنا يعقوب ، قال : ثنا هشيـم ، قال : أخبرنا من سمع الـحكم بن عتـيبة يحدّث ، عن مـجاهد ، قال : كان يجد عندها العنب فـي غير حينه . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد فـي قوله : { وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًاً } قال : عنبـاً وجده زكريا عند مريـم فـي غير زمانه . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، نـحوه . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، قال : ثنا النضر بن عربـي ، عن مـجاهد فـي قوله : { وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًاً } قال : فـاكهة الصيف فـي الشتاء ، وفـاكهة الشتاء فـي الصيف . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة فـي قوله : { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًاً } قال : كنا نـحدّث أنها كانت تؤتـى بفـاكهة الشتاء فـي الصيف ، وفـاكهة الصيف فـي الشتاء . حدثنا الـحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : { وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًاً } قال : وجد عندها ثمرة فـي غير زمانها . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع ، قال : جعل زكريا دونها علـيها سبعة أبواب ، فكان يدخـلها علـيها ، فـيجد عندها فـاكهة الشتاء فـي الصيف ، وفـاكهة الصيف فـي الشتاء . حدثنـي موسى بن عبد الرحمن ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السدي ، قال : جعلها زكريا معه فـي بـيت وهو الـمـحراب ، فكان يدخـل علـيها فـي الشتاء ، فـيجد عندها فـاكهة الصيف ، ويدخـل فـي الصيف فـيجد عندها فـاكهة الشتاء . حدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ ، قال : أخبرنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًاً } قال : كان يجد عندها فـاكهة الصيف فـي الشتاء . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرنـي يعلـى بن مسلـم ، عن سعيد بن جبـير ، عن ابن عبـاس : { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًاً } قال : وجد عندها ثمار الـجنة ، فـاكهة الصيف فـي الشتاء وفـاكهة الشتاء فـي الصيف . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثنـي بعض أهل العلـم : أن زكريا كان يجد عندها ثمرة الشتاء فـي الصيف ، وثمرة الصيف فـي الشتاء . حدثنـي مـحمد بن سنان ، قال : ثنا أبو بكر الـحنفـي ، عن عبـاد ، عن الـحسن ، قال : كان زكريا إذا دخـل علـيها يعنـي علـى مريـم الـمـحراب وجد عندها رزقاً من السماء من الله ، لـيس من عند الناس . وقالوا : لو أن زكريا كان يعلـم أن ذلك الرزق من عنده لـم يسألها عنه . وقال آخرون : بل معنى ذلك : أن زكريا كان إذا دخـل إلـيها الـمـحراب وجد عندها من الرزق فضلاً عما كان يأتـيها به الذي كان يـمونها فـي تلك الأيام . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، قال : ثنـي مـحمد بن إسحاق ، قال : كفلها بعد هلاك أمها ، فضمها إلـى خالتها أم يحيـى ، حتـى إذا بلغت ، أدخولها الكنـيسة لنذر أمها الذي نذرت فـيها ، فجعلت تنبت وتزيد ، قال : ثم أصابت بنـي إسرائيـل أزمة ، وهي علـى ذلك من حالها حتـى ضعف زكريا عن حملها ، فخرج علـى بنـي إسرائيـل ، فقال : يا بنـي إسرائيـل أتعلـمون ، والله لقد ضعفت عن حمل ابنة عمران ! فقالوا : ونـحن لقد جهدنا وأصابنا من هذه السنة ما أصابكم . فتدافعوها بـينهم ، وهم لا يرون لهم من حملها بدًّا . حتـى تقارعوا بـالأقلام ، فخرج السهم بحملها علـى رجل من بنـي إسرائيـل نـجار يقال له جريج ، قال : فعرفت مريـم فـي وجهه شدة مؤنة ذلك علـيه ، فكانت تقول له : يا جريج أحسن بـالله الظنّ ، فإن الله سيرزقنا ! فجعل جريج يرزق بـمكانها ، فـيأتـيها كل يوم من كسبه بـما يصلـحها ، فإذا أدخـلها علـيها وهي فـي الكنـيسة أنـماه الله وكثره ، فـيدخـل علـيها زكريا فـيرى عندها فضلاً من الرزق ولـيس بقدر ما يأتـيها به جريج ، فـيقول : يا مريـم أنى لك هذا ؟ فتقول : هو من عند الله ، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب . وأما الـمـحراب : فهو مقدم كل مـجلس ومصلـى ، وهو سيد الـمـجالس وأشرفها وأكرمها ، وكذلك هو من الـمساجد ، ومنه قول عديّ بن زيد : @ كَدُمَى العاجِ فـي الـمَـحارِيب أو كالْـ ـبَـيْضِ فـي الروضِ زهره مُسْتنـيرُ @@ والـمـحاريب جمع مـحراب ، وقد يجمع علـى مـحارب . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { قَالَ يَـاءادَمُ مَرْيَمَ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إنَّ ٱللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } . يعنـي بذلك جل ثناؤه : قال زكريا يا مريـم : أنى لك هذا ؟ من أيّ وجه لك هذا الذي أرى عندك من الرزق ، قالت مريـم مـجيبة له : هو من عند الله ، تعنـي أن الله هو الذي رزقها ذلك فساقه إلـيها وأعطاها ، وإنـما كان زكريا يقول ذلك لها لأنه كان فـيـما ذكر لنا يغلق علـيها سبعة أبواب ، ويخرج ثم يدخـل علـيها ، فـيجد عندها فـاكهة الشتاء فـي الصيف ، وفـاكهة الصيف فـي الشتاء ، فكان يعجب مـما يرى من ذلك ، ويقول لها تعجبـاً مـما يرى : أنى لك هذا ؟ فتقول : من عند الله . حدثنـي بذلك الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثنـي بعض أهل العلـم ، فذكر نـحوه . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس قوله : { قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } قال : فإنه وجد عندها الفـاكهة الغضة حين لا توجد الفـاكهة عند أحد ، فكان زكريا يقول : يا مريـم أنى لك هذا ؟ وأما قوله : { إنَّ ٱللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } فخبر من الله أنه يسوق إلـى من يشاء من خـلقه رزقه بغير إحصاء ولا عدد يحاسب علـيه عبده ، لأنه جل ثناؤه لا ينقص سوقه ذلك إلـيه ، كذلك خزائنه ، ولا يزيد إعطاؤه إياه ، ومـحاسبته علـيه فـي ملكه ، وفـيـما لديه شيئا ، ولا يعزب عنه علـم ما يرزقه ، وإنـما يحاسب من يعطي ما يعطيه من يخشى النقصان من ملكه ، بخروج ما خرج من عنده بغير حساب معروف ومن كان جاهلاً بـما يعطى علـى غير حساب .