Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 39-39)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء أهل الـمدينة وبعض أهل الكوفة والبصرة : { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلَـئِكَةُ } علـى التأنـيث بـالتاء ، يراد بها : جمع الـملائكة ، وكذلك تفعل العرب فـي جماعة الذكور إذا تقدمت أفعالها أنثت أفعالها ولاسيـما الأسماء التـي فـي ألفـاظها التأنـيث كقولهم : جاءت الطلـحات . وقد قرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة بـالـياء ، بـمعنى : فناداه جبريـل فذكروه للتأويـل ، كما قد ذكرنا آنفـاً أنهم يؤنثون فعل الذكر للفظ ، فكذلك يذكّرون فعل الـمؤنث أيضاً للفظ . واعتبروا ذلك فـيـما أرى بقراءة يذكر أنها قراءة عبد الله بن مسعود ، وهو ما : حدثنـي به الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق بن الـحجاج ، قال : ثنا عبد الرحمن بن أبـي حماد أن قراءة ابن مسعود : « فناداه جبريـل وهو قائم يصلـي فـي الـمـحراب » . وكذلك تأوّل قوله : { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلَـئِكَةُ } جَماعة مِنْ أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السدي : { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلَـئِكَةُ } وهو جبريـل أو : قالت الـملائكة ، وهو جبريـل { أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشّرُكَ بِيَحْيَـىٰ } . فإن قال قائل : وكيف جاز أن يقال علـى هذا التأويـل : { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلَـئِكَةُ } والـملائكة جمع لا واحد ؟ قـيـل : ذلك جائز فـي كلام العرب بأن تـخبر عن الواحد بـمذهب الـجمع ، كما يقال فـي الكلام : خرج فلان علـى بغال البرد ، وإنـما ركب بغلاً واحداً ، وركب السفن ، وإنـما ركب سفـينة واحدة ، وكما يقال : مـمن سمعت هذا الـخبر ؟ فـيقال : من الناس ، وإنـما سمعه من رجل واحد وقد قـيـل : إن منه قوله : { ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ } [ آل عمران : 173 ] ، والقائل كان فـيـما ذكر واحداً ، وقوله : { وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرٌّ } [ الروم : 33 ] ، والناس بـمعنى واحد ، وذلك جائز عندهم فـيـما لـم يقصد فـيه قصد واحد . وإنـما الصواب من القول عندي فـي قراءة ذلك أنهما قراءتان معروفتان ، أعنـي التاء والـياء ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، وذلك أنه لا اختلاف فـي معنى ذلك بـاختلاف القرائين ، وهما جميعاً فصيحتان عند العرب ، وذلك أن الـملائكة إن كان مراداً بها جبريـل كما روي عن عبد الله فإن التأنـيث فـي فعلها فصيح فـي كلام العرب للفظها إن تقدمها الفعل ، وجائز فـيه التذكير لـمعناها . وإن كان مراداً بها جمع الـملائكة فجائز فـي فعلها التأنـيث ، وهو من قبلها للفظها ، وذلك أن العرب إذا قدمت علـى الكثـير من الـجماعة فعلها أنثته ، فقالت : قالت النساء ، وجائز التذكير فـي فعلها بناء علـى الواحد إذا تقدم فعله ، فـيقال : قال الرجال . وأما الصواب من القول فـي تأويـله ، فأن يقال : إن الله جلّ ثناؤه ، أخبر أن الـملائكة نادته ، والظاهر من ذلك أنها جماعة من الـملائكة دون الواحد وجبريـل واحد ، فلن يجوز أن يحمل تأويـل القرآن إلا علـى الأظهر الأكثر من الكلام الـمستعمل فـي ألسن العرب ، دون الأقلّ ما وجد إلـى ذلك سبـيـل ، ولـم يضطرنا حاجة إلـى صرف ذلك إلـى أنه بـمعنى واحد ، فـيحتاج له إلـى طلب الـمخرج بـالـخفـيّ من الكلام والـمعانـي . وبـما قلنا فـي ذلك من التأويـل قال جماعة من أهل العلـم ، منهم قتادة والربـيع بن أنس وعكرمة ومـجاهد وجماعة غيرهم . وقد ذكرنا ما قالوا من ذلك فـيـما مضى . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّى فِى ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشّرُكَ بِيَحْيَـىٰ } . وتأويـل قوله { وَهُوَ قَائِمٌ } : فنادته الـملائكة فـي حال قـيامه مصلـياً . فقوله : { وَهُوَ قَائِمٌ } خبر عن وقت نداء الـملائكة زكريا وقوله : { يُصَلِّي } فـي موضع نصب علـى الـحال من القـيام ، وهو رفع بـالـياء . وأما الـمـحراب : فقد بـينا معناه ، وأنه مقدّم الـمسجد . واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشّرُكَ } ، فقرأته عامّة القرّاء : { إِنَّ ٱللَّهَ } بفتـح الألف من « أن » بوقوع النداء علـيها بـمعنى فنادته الـملائكة بذلك . وقرأه بعض قرّاء أهل الكوفة : « إنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ » بكسر الألف بـمعنى : قالت الـملائكة : إن الله يبشرك ، لأن النداء قول وذكروا أنها فـي قراءة عبد الله : « فنادته الـملائكة وهو قائم يصلـي فـي الـمـحراب يا زكريا إن الله يبشرك » قالوا : إذا بطل النداء أن يكون عاملاً فـي قوله : « يا زكريا » ، فبـاطل أيضا أن يكون عاملاً فـي « إن » . والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا : { إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشّرُكَ } بفتـح أن بوقوع النداء علـيه ، بـمعنى : فنادته الـملائكة بذلك ، ولـيست العلة التـي اعتلّ بها القارئون بكسر إن ، من أن عبد الله كان يقرؤها كذلك ، وذلك أن عبد الله إن كان قرأ ذلك كذلك ، فإنـما قرأها بزعمهم . وقد اعترض بـ « يا زكريا » بـين « إن » وبـين قوله : « فنادته » ، وإذا اعترض به بـينهما ، فإن العرب تعمل حينئذ النداء فـي « أنّ » ، وتبطله عنها . أما الإبطال ، فإنه بطل عن العمل فـي الـمنادى قبله ، فأسلكوا الذي بعده مسلكه فـي بطول عمله . وأما الإعمال ، فلأن النداء فعل واقع كسائر الأفعال . وأما قراءتنا فلـيس نداء زكريا بـ « يا زكريا » ، معترضا به بـين « أن » وبـين قوله : « فنادته » ، وإذا لـم يكن ذلك بـينهما ، فـالكلام الفصيح من كلام العرب إذ نصبت بقول : ناديت اسم الـمنادى ، وأوقعوه علـيه أن يوقعوه كذلك علـى « أنّ » بعده وإن كان جائزاً إبطال عمله ، فقوله : « نادته » ، قد وقع علـى مكنيِّ زكريا فكذلك الصواب أن يكون واقعاً على « أنّ » وعاملاً فيها ، مع أن ذلك هو القراءة المستفيضة فـي قراءة أمصار الإسلام ، ولا يعترض بالشاذّ علـى الـجماعة التي تـجيء مجيء الـحجة . وأما قوله : { يُبَشِّرُكِ } فإن القرّاء اختلفت فـي قراءته ، فقرأته عامة قراء أهل الـمدينة والبصرة : { إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ } بتشديد الشين وضمّ الـياء علـى وجه تبشير الله زكريا بـالولد ، من قول الناس : بشّرت فلاناً البشرى بكذا وكذا ، أي أتته بشارات البشرى بذلك . وقرأ ذلك جماعة من قرّاء الكوفة وغيرهم : « أنَّ اللَّهَ يَبْشُرُكَ » بفتـح الـياء وضمّ الشين وتـخفـيفها ، بـمعنى : أن الله يسرّك بولد يهبه لك ، من قول الشاعر : @ بَشَرْتُ عِيالـي إذْ رأيْتُ صَحِيفَةً أتَتْكَ مِنَ الـحَجَّاجِ يُتْلَـى كِتابُها @@ وقد قـيـل : إن « بَشَرت » لغة أهل تهامة من كنانة وغيرهم من قريش ، وأنهم يقولون : بَشَرت فلاناً بكذا فأنا أَبْشُرُه بَشْراً ، وهل أنت بـاشرٌ بكذا ؟ وينشد لهم البـيت فـي ذلك : @ وإذَا رأيْتُ البـاهِشِينَ إلـى العُلا غُبْراً أكُفُّهُمْ بقاعٍ مُـمْـحِلِ فأعِنْهُمُ وَابْشَرْ بِـمَا بَشِرُوا بِهِ وَإذَا هُمُ نَزَلُوا بِضَنْكٍ فـانْزِلِ @@ فإذا صاروا إلـى الأمر ، فـالكلام الصحيح من كلامهم بلا ألف ، فـيقال : ٱبْشَرْ فلاناً بكذا ، ولا يكادون يقولون : بشِّره بكذا ، ولا أبْشِرْه . وقد رُوي عن حميد بن قـيس أنه كان يقرأ : « يُبْشِركَ » بضم الـياء وكسر الشين وتـخفـيفها . وقد : حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الرحمن بن أبـي حماد ، عن معاد الكوفـي ، قال : من قرأ « يبشِّرهم » مثقلة ، فإنه من البشارة ، ومن قرأ « يَبْشُرُهم » مخففة بنصب الـياء ، فإنه من السرور ، يسرّهم . والقراءة التـي هي القراءة عندنا فـي ذلك ضم الـياء وتشديد الشين ، بـمعنى التبشير ، لأن ذلك هي اللغة السائرة ، والكلام الـمستفـيض الـمعروف فـي الناس ، مع أن جميع قرّاء الأمصار مـجمعون فـي قراءة : { فَبِمَ تُبَشِّرُونَ } علـى التشديد . والصواب فـي سائر ما فـي القرآن من نظائره أن يكون مثله فـي التشديد وضم الـياء . وأما ما رُوي عن معاذ الكوفـي من الفرق بـين معنى التـخفـيف والتشديد فـي ذلك ، فلـم نـجد أهل العلـم بكلام العرب يعرفونه من وجه صحيح ، فلا معنى لـما حكي من ذلك عنه ، وقد قال جرير بن عطية : @ يا بِشْرُ حُقَّ لِبشْرِكَ التَّبْشِيرُ هَلاَّ غَضِبتَ لَنا وأنْتَ أمِيرُ @@ فقد علم أنه أراد بقوله « التبشير » : الجمال والنضارة والسرور ، فقال « التبشير » ولم يقل « البشر » ، فقد بين ذلك أن معنى التخفيف والتثقيل في ذلك واحد . حدثنا الـحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قوله : { أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ } قال : بشرته الـملائكة بذلك . وأما قوله : { بِيَحْيَـىٰ } فإنه اسم أصله يَفْعَل ، من قول القائل : حي فلان فهو يحيا ، وذلك إذا عاش فـيحيـى « يَفْعَل » من قولهم « حيـي » . وقـيـل : إن الله جلّ ثناؤه سماه بذلك لأنه يتأوّل اسمه أحياه بـالإيـمان . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ } يقول : عبد أحياه الله بـالإيـمان . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن قتادة قوله : { أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ } قال : إنَّـمَا سمي يحيـى ، لأن الله أحياه بـالإيـمان . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ ٱللَّهِ } . يعنـي بقوله جلّ ثناؤه : إن الله يبشرك يا زكريا بـيحيـى ابناً لك ، { مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ } يعنـي بعيسى ابن مريـم . ونصب قوله « مصدّقاً » علـى القطع من يحيـى ، لأن « مصدقاً » نعت له وهو نكرة ، و « يحيـى » غير نكرة . وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي عبد الرحمن بن الأسود الطفـاوي ، قال : ثنا مـحمد بن ربـيعة ، قال : ثنا النضر بن عربـيّ ، عن مـجاهد قال : قالت امرأة زكريا لـمريـم : إنـي أجد الذي فـي بطنـي يتـحرّك للذي فـي بطنك ، قال : فوضعت امرأة زكريا يحيـى ، ومريـم عيسى . ولذا قال : { مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ ٱللَّهِ } قال يحيـى : مصدّق بعيسى . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن الرقاشي فـي قول الله : { يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ } قال : مصدّقاً بعيسى ابن مريـم . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا سلـيـمان ، قال : ثنا أبو هلال ، قال : ثنا قتادة فـي قوله : { مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ ٱللَّهِ } قال : مصدّقاً بعيسى . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ ٱللَّهِ } يقول : مصدّق بعيسى ابن مريـم ، وعلـى سننه ومنهاجه . حدثنا الـحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة فـي قوله : { مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ ٱللَّهِ } يعنـي عيسى ابن مريـم . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن قتادة : { مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ } يقول : مصدّقاً بعيسى ابن مريـم ، يقول : علـى سننه ومنهاجه . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع : { مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ ٱللَّهِ } قال : كان أوّل رجل صدّق عيسى وهو كلـمة من الله وروح . حدثنـي موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السدي : { مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ ٱللَّهِ } يصدّق بعيسى . حدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ ، قال : أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ } فإن يحيـى أوّل من صدّق بعيسى ، وشهد أنه كلـمة من الله ، وكان يحيـى ابن خالة عيسى ، وكان أكبر من عيسى . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن إسرائيـل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عبـاس قوله : { مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ ٱللَّهِ } قال عيسى ابن مريـم : هو الكلـمة من الله اسمه الـمسيح . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : أخبرنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عبـاس : قوله : { مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ ٱللَّهِ } قال : كان عيسى ويحيـى ابنـي خالة ، وكانت أم يحيـى تقول لـمريـم : إنـي أجد الذي فـي بطنـي يسجد للذي فـي بطنك ، فذلك تصديقه بعيسى ، سجوده فـي بطن أمه ، وهو أوّل من صدّق بعيسى وكلـمة عيسى ، ويحيـى أكبر من عيسى . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس : { أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ ٱللَّهِ } قال : الكلـمة التـي صدّق بها عيسى . حدثنـي موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السدي ، قال : لقـيَتْ أمّ يحيـى أمّ عيسى ، وهذه حامل بـيحيـى وهذه حامل بعيسى ، فقالت امرأة زكريا : يا مريـم استشعرت أنـي حبلـى ، قالت مريـم : استشعرت أنـي أيضاً حبلـى . قالت امرأة زكريا : فإنـي وجدت ما فـي بطنـي يسجد لـما فـي بطنك . فذلك قوله : { مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ ٱللَّهِ } . حدثنـي مـحمد بن سنان ، قال : ثنا أبو بكر الـحنفـي ، عن عبـاد ، عن الـحسن فـي قول الله : { أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ } قال : مصدّقاً بعيسى ابن مريـم . وقد زعم بعض أهل العلـم بلغات العرب من أهل البصرة أن معنى قوله : { مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ } بكتاب من الله ، من قول العرب : أنشدنـي فلان كلـمة كذا ، يراد به قصيدة كذا . جهلاً منه بتأويـل الكلـمة ، واجتراءً علـى ترجمة القرآن برأيه . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَسَيّدًا } . يعنـي بقوله جلّ ثناؤه : { وَسَيّدًا } : وشريفـا فـي العلـم والعبـادة ، ونصب « السيد » عطفـا علـى قوله « مصدّقاً » . وتأويـل الكلام : إن الله يبشرك بـيحيـى مصدّقاً بهذا وسيداً ، والسيد : الفَـيْعِل ، من قول القائل : ساد يسود . كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { وَسَيّدًا } : إي والله ، لسيد فـي العبـادة والـحلـم والعلـم والورع . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مسلـم ، قال : ثنا أبو هلال ، قال : ثنا قتادة فـي قوله : { وَسَيّدًا } قال : السيد لا أعلـمه إلا قال فـي العلـم والعبـادة . حدثت عن عمار ، قال : ثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن قتادة ، قال : السيد : الـحلـيـم . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن شريك ، عن سالـم الأفطس ، عن سعيد بن جبـير : { وَسَيّدًا } قال : الـحلـيـم . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا الـحمانـي ، قال : ثنا شريك ، عن سالـم ، عن سعيد بن جبـير : { وَسَيّدًا } قال : السيد : التقـيّ . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد فـي قول الله عزّ وجلّ { وَسَيّدًا } قال : السيد : الكريـم علـى الله . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، قال : زعم الرقاشي أن السيد : الكريـم علـى الله . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيـم ، عن جويبر ، عن الضحاك فـي قول الله عزّ وجلّ : { وَسَيّدًا } قال : السيد : الـحلـيـم التقـيّ . حدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ ، قال : أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { وَسَيّدًا } قال : يقول : تقـياً حلـيـماً . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفـيان فـي قوله : { وَسَيّدًا } قال : حلـيـما تقـيا . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، عن ابن زيد فـي قوله : { وَسَيّدًا } قال : السيد : الشريف . حدثنـي سعيد بن عمرو السكونـي ، قال : ثنا بقـية بن الولـيد ، عن عبد الـملك ، عن يحيـى بن سعيد ، عن سعيد بن الـمسيب فـي قول الله عزّ وجلّ : { وَسَيّدًا } قال : السيد : الفقـيه العالـم . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس : { وَسَيّدًا } قال : يقول : حلـيـماً تقـياً . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن أبـي بكر ، عن عكرمة : { وَسَيّدًا } قال : السيد الذي لا يغلبه الغضب . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } . يعنـي بذلك : مـمتنعا من جماع النساء من قول القائل : حصرت من كذا أحصر : إذا امتنع منه ومنه قولهم : حصر فلان فـي قراءته : إذا امتنع من القراءة فلـم يقدر علـيها ، وكذلك حصر العدوّ : حبسهم الناس ومنعهم إياهم التصرّف ، ولذلك قـيـل للذي لا يُخرِج مع ندمائه شيئا : حصور ، كما قال الأخطل : @ وَشارِبٍ مُرْبِحٍ بـالكأْسِ نادَمَنِي لا بالحَصُورِ ولا فِيها بسَوَّارِ @@ ويروى « بسَّار » . ويقال أيضاً للذي لا يخرج سرّه ويكتله حصور ، لأنه يـمنع سرّه أن يظهر ، كما قال جرير : @ وَلَقَدْ تَسَقَّطَنِـي الوُشاةُ فصادَفُوا حَصِراً بِسِرّكِ يا أُمَيْـمَ ضَنِـينا @@ وأصل جميع ذلك واحد ، وهو الـمنع والـحبس . وبـمثل الذي قلنا فـي ذلك ، قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن خـلف ، قال : ثنا حماد بن شعيب ، عن عاصم ، عن زرّ ، عن عبد الله فـي قوله : { وَسَيّدًا وَحَصُورًا } قال : الـحصور : الذي لا يأتـي النساء . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عن يحيـى بن سعيد ، عن سعيد بن الـمسيب أنه قال ثنـي ابن العاص ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كُلُّ بَنِـي آدَمَ يَأْتِـي يَوْمَ القِـيامَةِ وَلَهُ ذَنْبٌ ، إلاَّ ما كانَ مِنْ يَحْيَـى بْنِ زَكَرِيَّا " ، قال : ثم دلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلـى الأرض ، فأخذ عويداً صغيراً ، ثم قال : " وَذَلكَ أنَّهُ لَـمْ يَكُنْ لَهُ ما للرّجالِ إلاَّ مِثْلَ هَذَا العودِ ، وبذلك سماه الله سيداً وحصوراً " حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا أنس بن عياض ، عن يحيـى بن سعيد ، قال : سمعت سعيد بن الـمسيب ، يقول : لـيس أحد إلا يـلقـى الله يوم القـيامة ذا ذنب إلا يحيـى بن زكريا ، كان حصوراً ، معه مثل الهدبة . حدثنا أحمد بن الولـيد القرشي ، قال : ثنا عمر بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن يحيـى بن سعيد ، عن سعيد بن الـمسيب ، قال : قال ابن العاص إما عبد الله ، وإما أبوه ـ : ما أحد يـلقـى الله إلا وهو ذو ذنب ، إلا يحيـى بن زكريا . قال : وقال سعيد بن الـمسيب : { وَسَيّدًا وَحَصُورًا } قال : الـحصور : الذي لا يغشى النساء ، ولـم يكن ما معه إلا مثل هدبة الثوب . حدثنـي سعيد بن عمرو السكونـي ، قال : ثنا بقـية بن الولـيد ، عن عبد الـملك ، عن يحيـى بن سعيد ، عن سعيد بن الـمسيب فـي قوله : { وَحَصُورًا } قال : الـحصور الذي لا يشتهي النساء ، ثم ضرب بـيده إلى الأرض فأخذ نواة فقال : ما كان معه إلا مثل هذه . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبـير ، قال : الـحصور : الذي لا يأتـي النساء . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن عطاء ، عن سعيد ، مثله . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن سعيد ، مثله . حدثنـي عبد الرحمن بن الأسود ، قال : ثنا مـحمد بن ربـيعة ، قال : ثنا النضر بن عربـي ، عن مـجاهد : { وَحَصُورًا } قال : الذي لا يأتـي النساء . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قال : الـحصور : لا يقرب النساء . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، قال : زعم الرقاشي : الـحصور : الذي لا يقرب النساء . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا عمرو بن عون ، قال : ثنا هشيـم ، عن جويبر ، عن الضحاك : الـحصور : الذي لا يولد له ، ولـيس له ماء . حدثت عن الـحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبـا معاذ ، قال : أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { وَحَصُورًا } قال : هو الذي لا ماء له . حدثنا بشر ، قال : ثنا سويد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { وَحَصُورًا } كنا نـحدَّث أن الـحصور الذي لا يقرب النساء . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا سلـيـمان ، قال : ثنا أبو هلال ، قال : ثنا قتادة فـي قوله : { وَسَيّدًا وَحَصُورًا } قال : الـحصور : الذي لا يأتـي النساء . حدثت عن عمار بن الـحسن ، قال : ثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن قتادة ، مثله . حدثنا الـحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن قابوس ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قال : الـحصور : الذي لا ينزل الـماء . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، عن ابن زيد : { وَحَصُورًا } قال : الـحصور : الذي لا يأتـي النساء . حدثنـي موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { وَحَصُورًا } قال : الـحصور : الذي لا يريد النساء . حدثنـي مـحمد بن سنان ، قال : ثنا أبو بكر الـحنفـي ، عن عبـاد ، عن الـحسن : { وَحَصُورًا } قال : لا يقرب النساء . وأما قوله : { وَنَبِيًّا مّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } فإنه يعنـي : رسولاً لربه إلـى قومه ، ينبئهم عنه بأمره ونهيه ، وحلاله وحرامه ، ويبلغهم عنه ما أرسله به إلـيهم . ويعنـي بقوله : { مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } من أنبـيائه الصالـحين . وقد دللنا فـيـما مضى علـى معنى النبوّة وما أصلها بشواهد ذلك ، والأدلة الدالة علـى الصحيح من القول فـيه بـما أغنى عن إعادته .