Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 40-40)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعني أن زكريا قال إذ نادته الملائكة : { أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ مُصَدّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ ٱللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } [ آل عمران : 39 ] : { أَنَّىٰ يَكُونُ لِى غُلَـٰمٌ وَقَدْ بَلَغَنى ٱلْكِبَرُ } يعنـي : من بلغ من السنّ ما بلغت لـم يولد له { وَٱمْرَأَتِى عَاقِرٌ } والعاقر من النساء : التـي لا تلد ، يقال منه : امرأة عاقر ، ورجل عاقر ، كما قال عامر بن الطفـيـل : @ لَبِئْسَ الفَتَـى أنْ كُنْتُ أعْوَرَ عَاقِراً جبَاناً فَمَا عُذْرِي لَدَى كُلّ مـحْضَرِ @@ وأما الكِبر : فمصدر كَبِرَ فلان فهو يَكْبَرُ كبراً . وقـيـل : « بلغنـي الكبر » ، وقد قال فـي موضع آخر : { وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ } [ مريم : 8 ] لأن ما بلغك فقد بلغته ، وإنـما معناه : قد كبرت ، وهو كقول القائل : وقد بلغنـي الـجهد بـمعنى : أنـي فـي جهد . فإن قال قائل : وكيف قال زكريا وهو نبـيّ الله : { رَبّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِى غُلَـٰمٌ وَقَدْ بَلَغَنِى ٱلكِبَرُ وَٱمْرَأَتِى عَاقِرٌ } وقد بشرته الـملائكة بـما بشرته به ، عن أمر الله إياها به ؟ أشك فـي صدقهم ؟ فذلك ما لا يجوز أن يوصف به أهل الإيـمان بـالله ، فكيف الأنبـياء والمرسلون ؟ أم كان ذلك منه استنكارا لقدرة ربه ؟ فذلك أعظم فـي البلـية ! قـيـل : كان ذلك منه صلى الله عليه وسلم علـى غير ما ظننت ، بل كان قـيـله ما قال من ذلك ، كما : حدثنـي موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السدي : لـما سمع النداء يعنـي زكريا لـما سمع نداء الـملائكة بالبشارة بـيحيـى جاءه الشيطان فقال له : يا زكريا إن الصوت الذي سمعت لـيس هو من الله ، إنـما هو من الشيطان يسخر بك ، ولو كان من الله أوحاه إلـيك ، كما يوحي إلـيك فـي غيره من الأمر ! فشكّ مكانه ، وقال : { أَنَّىٰ يَكُونُ لِى غُلَـٰمٌ } ذَكَرٌ ، يقول : ومن أين { وَقَدْ بَلَغَنِى ٱلْكِبَرُ وَٱمْرَأَتِى عَاقِرٌ } . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن أبـي بكر ، عن عكرمة ، قال : فأتاه الشيطان ، فأراد أن يكدر علـيه نعمة ربه ، فقال : هل تدري من ناداك ؟ قال : نعم ، نادانـي ملائكة ربـي ، قال : بل ذلك الشيطان ، لو كان هذا من ربك لأخفـاه إلـيك كما أخفـيت نداءك ، فقال : { رَبِّ ٱجْعَل لِّى ءايَةً } . فكان قوله ما قال من ذلك ، ومراجعته ربه فـيـما راجع فـيه بقوله : { أَنَّىٰ يَكُونُ لِى غُلَـٰمٌ } ، للوسوسة التـي خالطت قلبه من الشيطان ، حتـى خيـلت إلـيه أن النداء الذي سمعه كان نداء من غير الـملائكة ، فقال : { رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِى غُلَـٰمٌ } مستثبتاً فـي أمره لتقرّر عنده بآية ، يريه الله فـي ذلك أنه بشارة من الله علـى ألسن ملائكته ، ولذلك قال : { رَبِّ ٱجْعَل لِّى ءايَةً } . وقد يجوز أن يكون قـيـله ذلك مسألة منه ربه : من أيّ وجه يكون الولد الذي بشر به ، أمن زوجته فهي عاقر ، أم من غيرها من النساء ؟ فـيكون ذلك علـى غير الوجه الذي قاله عكرمة والسديّ ، ومن قال مثل قولهما . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { قَالَ كَذٰلِكَ ٱللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ } . يعنـي جل ثناؤه بقوله : { كَذٰلِكَ ٱللَّهُ } أي هو ما وصف به نفسه ، أنه هين علـيه أن يخـلق ولدا من الكبـير الذي قد يئس من الولد ، ومن العاقر التـي لا يرجى من مثلها الولادة ، كما خـلقك يا زكريا من قبلُ خـلقَ الولد منك ولـم تك شيئاً ، لأنه الله الذي لا يتعذّر علـيه خـلق شيء أراده ، ولا يـمتنع علـيه فعل شيء شاءه ، لأن قدرته القدرة التـي لا يشبهها قدرة . كما : حدثنـي موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قال : { كَذٰلِكَ ٱللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ } وقد خـلقتك من قبل ولـم تك شيئاً .