Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 45-45)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعنـي بقوله جلّ ثناؤه : { إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلَـئِكَةُ } وما كنت لديهم إذ يختصمون ، وما كنت لديهم أيضا إذ قالت الـملائكة : يا مريـم إن الله يبشرك . والتبشير : إخبـار الـمرء بـما يسرّه من خبر . وقوله : { بِكَلِمَةٍ مّنْهُ } يعنـي : برسالة من الله ، وخبر من عنده ، وهو من قول القائل : ألقـى فلان إلـيّ كلـمة سرّنـي بها ، بـمعنى : أخبرنـي خبراً فرحت به ، كما قال جلّ ثناؤه : { وَكَلِمَتُهُ أَلْقَـٰهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ } [ النساء : 171 ] يعنـي بشرى الله مريـم بعيسى ألقاها إلـيها . فتأويـل الكلام : وما كنت يا مـحمد عند القوم إذ قالت الـملائكة لـمريـم : يا مريـم إن الله يبشرك ببشرى من عنده ، هي ولد لك ، اسمه الـمسيح عيسى ابن مريـم . وقد قال قوم ، وهو قول قتادة : إن الكلـمة التـي قال الله عزّ وجلّ بكلـمة منه ، هو قوله : « كن » . حدثنا بذلك الـحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قوله : { بِكَلِمَةٍ مّنْهُ } قال : قوله : « كن » . فسماه الله عزّ وجلّ كلـمته ، لأنه كان عن كلـمته ، كما يقال لـما قدر الله من شيء : هذا قدر الله وقضاؤه ، يعنـي به : هذا عن قدر الله وقضائه حدث ، وكما قال جلّ ثناؤه : { وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً } يعنـي به : ما أمر الله به ، وهو الـمأمور الذي كان عن أمر الله عزّ وجلّ . وقال آخرون : بل هي اسم لعيسى سماه الله بها كما سمى سائر خـلقه بـما شاء من الأسماء . ورُوي عن ابن عبـاس رضي الله عنه أنه قال : الكلـمة : هي عيسى . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن إسرائيـل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عبـاس فـي قوله : { إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلَـئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ } قال : عيسى هو الكلـمة من الله . وأقرب الوجوه إلـى الصواب عندي القول الأول : وهو أن الـملائكة بشرت مريـم بعيسى عن الله عزّ وجلّ برسالته وكلـمته التـي أمرها أن تلقـيها إلـيها ، أن الله خالق منها ولداً من غير بعل ولا فحل ، ولذلك قال عزّ وجلّ : { ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ } فذكَّر ، ولـم يقل اسمها فـيؤنث ، والكلـمة مؤنثة ، لأن الكلـمة غير مقصود بها قصد الاسم الذي هو بـمعنى فلان ، وإنـما هي بـمعنى البشارة ، فذكرت كنايتها ، كما تذكر كناية الذرّية والدابة والألقاب ، علـى ما قد بـيناه قبل فـيـما مضى . فتأويـل ذلك كما قلنا آنفـا ، من أن معنى ذلك : إن الله يبشركِ ببشرى ، ثم بـين عن البشرى ، أنها ولد اسمه الـمسيح . وقد زعم بعض نـحويـي البصرة ، أنه إنـما ذكّر فقال : { ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ } ، وقد قال : { بِكَلِمَةٍ مِنْهُ } والكلـمة عنده : هي عيسى ، لأنه فـي الـمعنى كذلك ، كما قال جلّ ثناؤه : { أَن تَقُولَ نَفْسٌ يٰحَسْرَتَىٰ } [ الزمر : 56 ] ، ثم قال : { بَلَىٰ قَدْ جَاءتْكَ ءايَـٰتِى فَكَذَّبْتَ بِهَا } [ الزمر : 59 ] وكما يقال : ذو الثدية ، لأن يده كانت قصيرة قريبة من ثديـيه ، فجعلها كأن اسمها ثَدْيَة ، ولولا ذلك لـم تدخـل الهاء فـي التصغير . وقال بعض نـحويـي الكوفة نـحو قول من ذكرنا من نـحويـي البصرة ، فـي أن الهاء من ذكر الكلـمة ، وخالفه فـي الـمعنى الذي من أجله ذكر قوله { ٱسْمُهُ } ، والكلـمة متقدمة قبله ، فزعم أنه إنـما قـيـل اسمه ، وقد قدمت الكلـمة ، ولـم يقل اسمها ، لأن من شأن العرب أن تفعل ذلك فـيـما كان من النعوت والألقاب والأسماء التـي لـم توضع لتعريف الـمسمى به كفلان وفلان ، وذلك مثل الذرّية والـخـلـيفة والدابة ، ولذلك جاز عنده أن يقال : ذرّية طيبة ، وذرّية طيبـاً ولـم يجز أن يقال : طلـحة أقبلت ، ومغيرة قامت . وأنكر بعضهم اعتلال من اعتلّ فـي ذلك بذي الثدية ، وقالوا : إنـما أدخـلت الهاء فـي ذي الثدية لأنه أريد بذلك : القطعة من الثدي ، كما قـيـل : كنا فـي لـحمة ونبـيذة ، يراد به : القطعة منه . وهذا القول نـحو قولنا الذي قلناه فـي ذلك . وأما قوله : { ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ } فإنه جلّ ثناؤه أنبأ عبـاده عن نسبة عيسى ، وأنه ابن أمه مريـم ، ونفـى بذلك عنه ما أضاف إلـيه الـملـحدون فـي الله جلّ ثناؤه من النصارى ، من إضافتهم بنوته إلـى الله عزّ وجلّ ، وما قَذَفَت أُمَّهُ به الـمفتريةُ علـيها من الـيهود . كما : حدثنـي به ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير : { إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلَـئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } : أي هكذا كان أمره ، لا ما يقولون فـيه . وأما الـمسيح ، فإنه فَعِيـل ، صرّف من مفعول إلـى فعيـل ، وإنـما هو مـمسوح ، يعنـي : مسحه الله فطهره من الذنوب ، ولذلك قال إبراهيـم : الـمسيح الصديق … حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي عن سفـيان ، عن منصور ، عن إبراهيـم ، مثله . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا ابن الـمبـارك ، عن سفـيان ، عن منصور ، عن إبراهيـم ، مثله وقال آخرون مسح بالبركة . حدثنا ابن البرقـي ، قال : ثنا عمرو بن أبـي سلـمة ، قال : قال سعيد : إنـما سمي الـمسيح ، لأنه مسح بـالبركة . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَجِيهًا فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلاْخِرَةِ وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } . يعنـي بقوله « وجيهاً » : ذا وجه ومنزلة عالـية عند الله وشرف وكرامة ، ومنه يقال للرجل الذي يشرف وتعظمه الـملوك والناس : وجيه يقال منه : ما كان فلان وجيهاً ، ولقد وَجُهَ وجاهةً ، وإن له لَوَجْهاً عند السلطان ، وجاهاً ووجاهة . والـجاه : مقلوب قلبت واوه من أوّله إلـى موضع العين منه ، فقـيـل جاه ، وإنـما هو وجه وفعل من الـجاه : جَاهَ يَجُوهُ ، مسموع من العرب : أخاف أن يجوهنـي بأكثر من هذا ، بـمعنى : أن يستقبلنـي فـي وجهي بأعظم منه . وأما نصب الوجيه فعلـى القطع من عيسى ، لأن عيسى معرفة ، ووجيه نكرة ، وهو من نعته ، ولو كان مخفوضاً علـى الردّ علـى الكلـمة كان جائزاً . وكما قلنا من أن تأويـل ذلك وجيهاً فـي الدنـيا والآخرة عند الله ، قال فـيـما بلغنا مـحمد بن جعفر . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير : { وَجِيهاً } قال : وجيهاً فـي الدنـيا والآخرة عند الله . وأما قوله : { وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } فإنه يعنـي : أنه مـمن يقرّبه الله يوم القـيامة ، فـيسكنه فـي جواره ، ويدنـيه منه . كما : حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد بن زريع ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } يقول : من الـمقرّبـين عند الله يوم القـيامة . حدثت عن عمار بن الـحسن ، قال : ثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع ، قوله : { وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } يقول : من الـمقرّبـين عند الله يوم القـيامة . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع ، مثله .