Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 46-46)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أما قوله : { وَيُكَلّمُ ٱلنَّاسَ فِى ٱلْمَهْدِ } فإن معناه : أن الله يبشرك بكلـمة منه اسمه الـمسيح عيسى بن مريـم ، وجيهاً عند الله ، ومكلـماً الناس فـي الـمهد . فـ « يكلّـم » وإن كان مرفوعاً ، لأنه فـي صورة « يَفْعَلُ » بـالسلامة من العوامل فـيه ، فإنه فـي موضع نصب ، وهو نظير قول الشاعر : @ بِتُّ أُعَشِّيها بِعَضْبٍ بـاتِرِ يَقْصِدُ فـي أسْوُقِها وَجائِرِ @@ وأما الـمهد : فإنه يعنـي به مضجع الصبـيّ فـي رضاعه . كما : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عبـاس : { وَيُكَلّمُ ٱلنَّاسَ فِى ٱلْمَهْدِ } قال : مضجع الصبـيّ فـي رضاعه . وأما قوله : { وَكَهْلاً } فإندده ومـحتَنِكاً فوق الغلومة ودون الشيخوخة ، يقال منه : رجل كهل ، وامرأة كهلة ، كما قال الراجز : @ وَلا أَعُودُ بَعْدَهَا كَرِيَّا أُمَارِسُ الكَهْلَةَ وَالصَّبِـيَّا @@ وإنـما عنى جلّ ثناؤه بقوله : { وَيُكَلّمُ ٱلنَّاسَ فِى ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً } : ويكلـم الناس طفلاً فـي الـمهد ، دلالة علـى براءة أمه مـما قذفها به الـمفترون علـيها ، وحجة له علـى نبوّته ، وبـالغاً كبـيراً بعد احتناكه بوحي الله الذي يوحيه إلـيه ، وأمره ونهيه ، وما تقوّل علـيه من كتابه . وإنـما أخبر الله عزّ وجلّ عبـاده بذلك من أمر الـمسيح ، وأنه كذلك كان ، وإن كان الغالب من أمر الناس أنهم يتكلـمون كهولاً وشيوخاً ، احتـجاجاً به علـى القائلـين فـيه من أهل الكفر بـالله من النصارى بـالبـاطل ، وأنه كان فـي معاناة أشياء مولوداً طفلاً ، ثم كهلاً يتقلَّب فـي الأحداث ، ويتغير بـمرور الأزمنة علـيه والأيام ، من صغر إلـى كبر ، ومن حال إلـى حال ، وأنه لو كان كما قال الـملـحدون فـيه ، كان ذلك غير جائز علـيه ، فكذب بذلك ما قاله الوفد من أهل نـجران ، الذين حاجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فـيه ، واحتـجّ به علـيهم لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم ، وأعلـمهم أنه كان كسائر بنـي آدم ، إلا ما خصه الله به من الكرامة التـي أبـانه بها منهم . كما : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير : { وَيُكَلّمُ ٱلنَّاسَ فِى ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } يخبرهم بحالاته التـي يتقلب بها فـي عمره كتقلب بنـي آدم فـي أعمارهم صغارا وكبـارا ، إلا أن الله خصه بـالكلام فـي مهده آية لنبوّته ، وتعريفـا للعبـاد مواقع قدرته . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { وَيُكَلّمُ ٱلنَّاسَ فِى ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } يقول : يكلـمهم صغيراً وكبـيراً . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع : { وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِى ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً } قال : يكلـمهم صغيراً وكبـيراً . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { وَكَهْلاً وَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } قال : الكهل : الـحلـيـم . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : كلـمهم صغيراً وكبـيراً وكهلاً . وقال ابن جريج ، وقال مـجاهد : الكهل : الـحلـيـم . حدثنـي مـحمد بن سنان ، قال : ثنا أبو بكر الـحنفـي ، عن عبـاد ، عن الـحسن فـي قوله : { وَيُكَلّمُ ٱلنَّاسَ فِى ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً } قال : كلـمهم فـي الـمَهْدِ صَبِـيًّا ، وكلـمهم كبـيراً . وقال آخرون : معنى قوله : { وَكَهْلاً } : أنه سيكلـمهم إذا ظهر . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعته يعنـي ابن زيد يقول فـي قوله : { وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِى ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً } قال : قد كلـمهم عيسى فـي الـمهد ، وسيكلـمهم إذا قتل الدجال ، وهو يومئذٍ كهل . ونصب كهلاً عطفـاً علـى موضع : ويكلـم الناس . وأما قوله : { وَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ } فإنه يعنـي : من عدادهم وأولـيائهم لأن أهل الصلاح بعضهم من بعض فـي الدين والفضل .