Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 75-75)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهذا الخبر من الله عزّ وجلّ أن من أهل الكتاب ، وهم الـيهود من بنـي إسرائيـل أهل أمانة يؤدونها ولا يخونونها ، ومنهم الـخائن أمانته ، الفـاجر فـي يـمينه الـمستـحلُّ . فإن قال قائل : وما وجه إخبـار الله عزّ وجلّ بذلك نبـيه صلى الله عليه وسلم ، وقد علـمت أن الناس لـم يزالوا كذلك منهم الـمؤدّي أمانته والـخائنها ؟ قـيـل : إنـما أراد جلّ وعزّ بإخبـاره الـمؤمنـين خبرهم علـى ما بـينه فـي كتابه بهذه الآيات تـحذيرهم أن يأتـمنوهم علـى أموالهم ، وتـخويفهم الاغترار بهم ، لاستـحلال كثـير منهم أموال الـمؤمنـين . فتأويـل الكلام : ومن أهل الكتاب الذي إن تأمنه يا مـحمد علـى عظيـم من الـمال كثـير ، يؤدّه إلـيك ، ولا يخنك فـيه ومنهم الذي إن تأمنه علـى دينار يخنك فـيه ، فلا يؤدّه إلـيك إلا أن تلـحّ علـيه بـالتقاضي والـمطالبة . والبـاء فـي قوله : { بِدِينَارٍ } ، وعلـى يتعاقبـان فـي هذا الـموضع ، كما يقال : مررت به ، ومررت علـيه . واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله : { إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا } فقال بعضهم : إلا ما دمت له متقاضياً . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا } : إلا ما طلبته واتبعته . حدثنا الـحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، فـي قوله : { إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا } قال : تقتضيه إياه . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد فـي قوله : { إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا } قال : مواظبـاً . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، مثله . وقال آخرون : معنى ذلك : إلا ما دمت علـيه قائماً علـى رأسه . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قوله : { إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا } يقول : يعترف بأمانته ما دمت قائماً علـى رأسه ، فإذا قمت ثم جئت تطلبه كافَرَك الذي يؤدي ، والذي يجحد . وأولـى القولـين بتأويـل الآية قول من قال : معنى ذلك : إلا ما دمت علـيه قائماً بـالـمطالبة والاقتضاء ، من قولهم : قام فلان بحقـي علـى فلان حتـى استـخرجه لـي ، أي عمل فـي تـخـلـيصه ، وسعى فـي استـخراجه منه حتـى استـخرجه ، لأن الله عزّ وجلّ إنـما وصفهم بـاستـحلالهم أموال الأميـين ، وأن منهم من لا يقضي ما علـيه إلا بـالاقتضاء الشديد والـمطالبة ، ولـيس القـيام علـى رأس الذي علـيه الدين ، بـموجب له النقلة عما هو علـيه من استـحلال ما هو له مستـحلّ ، ولكن قد يكون مع استـحلاله الذهاب بـما علـيه لربّ الـحق إلـى استـخراجه السبـيـلُ بـالاقتضاء والـمـحاكمة والـمخاصمة ، فذلك الاقتضاء : هو قـيام ربّ الـمال بـاستـخراج حقه مـمن هو علـيه . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِى ٱلأُمّيِينَ سَبِيلٌ } . يعنـي بذلك جلّ ثناؤه : أن من استـحلّ الخيانة من الـيهود وجحود حقوق العربـي التـي هي له علـيه ، فلـم يؤدّ ما ائتـمنه العربـي علـيه إلـيه إلا ما دام له متقاضياً مطلبـاً من أجل أنه يقول : لا حرج علـينا فـيـما أصبنا من أموال العرب ، ولا إثم ، لأنهم علـى غير الـحقّ ، وأنهم مشركون . واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك ، فقال بعضهم نـحو قولنا فـيه . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِى ٱلأُمّيِينَ سَبِيلٌ } … الآية ، قالت الـيهود : لـيس علـينا فـيـما أصبنا من أموال العرب سبـيـل . حدثنا الـحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة فـي قوله : { لَيْسَ عَلَيْنَا فِى ٱلأُمّيِينَ سَبِيلٌ } قال لـيس علـينا فـي الـمشركين سبـيـل ، يعنون : من لـيس من أهل الكتاب . حدثنا مـحمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِى ٱلأُمّيِينَ سَبِيلٌ } قال : يقال له : ما بـالك لا تؤدّي أمانتك ؟ فـيقول : لـيس علـينا حرج فـي أموال العرب ، قد أحلها الله لنا . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبـير / لـما نزلت : { وَمِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا } قال : قال النبـيّ صلى الله عليه وسلم : " كَذَبَ أعْدَاءُ اللَّهِ ما مِنْ شَيْءٍ كانَ فِـي الـجَاهِلـيةِ إلاَّ وَهُوَ تَـحْتَ قَدَمَيَّ ، إلاَّ الأمانَةَ فإنَّهَا مُؤَدَّاة إلـى البَرّ والفاجِرِ " حدثني الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا هشام بن عبـيد الله ، عن يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبـير ، قال : لـما قالت الـيهود : { لَيْسَ عَلَيْنَا فِى ٱلأُمّيِينَ سَبِيلٌ } يعنون أخذ أموالهم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر نـحوه ، إلا أنه قال : " إلاَّ وَهُوَ تَـحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَـيْنِ ، إلاَّ الأمانَةَ فَإنَّها مُؤَدَّاة " ولـم يزد علـى ذلك . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس : { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِى ٱلأُمّيِينَ سَبِيلٌ } وذلك أن أهل الكتاب كانوا يقولون : لـيس علـينا جناح فـيـما أصبنا من هؤلاء ، لأنهم أميون ، فذلك قوله : { لَيْسَ عَلَيْنَا فِى ٱلأُمّيِينَ سَبِيلٌ } … إلـى آخر الآية . وقال آخرون فـي ذلك ما : حدثنا به القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج : { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِى ٱلأُمّيِينَ سَبِيلٌ } قال : بـايع الـيهود رجال من الـمسلـمين فـي الـجاهلـية فلـما أسلـموا تقاضوهم ثمن بـيوعهم ، فقالوا : لـيس لكم علـينا أمانة ، ولا قضاء لكم عندنا ، لأنكم تركتـم دينكم الذي كنتـم علـيه ، وادّعوا أنهم وجدوا ذلك فـي كتابهم ، فقال الله عزّ وجلّ : { وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، قال : ثنا سفـيان ، عن أبـي إسحاق ، عن صعصعة ، قال : قلت لابن عبـاس : إنا نغزو أهل الكتاب ، فنصيب من ثمارهم ؟ قال : وتقولون كما قال أهل الكتاب : { لَيْسَ عَلَيْنَا فِى ٱلأُمّيِينَ سَبِيلٌ } . حدثنا الـحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن أبـي إسحاق الهمدانـي ، عن صعصعة : أن رجلاً سأل ابن عبـاس فقال : إنا نصيب فـي الغزو أو العذق ، الشكّ من الـحسن من أموال أهل الذمة الدجاجة والشاة ، فقال ابن عبـاس : فتقولون ماذا ؟ قال نقول : لـيس علـينا بذلك بأس . قال : هذا كما قال أهل الكتاب : { لَيْسَ عَلَيْنَا فِى ٱلأُمّيِينَ سَبِيلٌ } إنهم إذا أدّوا الـجزية لـم تـحلّ لكم أموالهم إلا بطيب أنفسهم . القول فـي تأويـل قوله تعالـى : { وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } . يعنـي بذلك جلّ ثناؤه : إن القائلـين منهم لـيس علـينا فـي أموال الأميـين من العرب حرج أن نـختانهم إياه ، يقولون بقـيـلهم : إن الله أحلّ لنا ذلك ، فلا حرج علـينا فـي خيانتهم إياه ، وترك قضائهم الكذبَ علـى الله عامدين الإثم بقـيـل الكذب علـى الله أنه أحلّ ذلك لهم ، وذلك قوله عزّ وجلّ : { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } . كما : حدثنا مـحمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : فـيقول علـى الله الكذب ، وهو يعلـم ، يعنـي الذي يقول منهم إذا قـيـل له : ما لك لا تؤدّي أمانتك ؟ لـيس علـينا حرج فـي أموال العرب ، قد أحلها الله لنا . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج : { وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } : يعنـي ادّعاءهم أنهم وجدوا فـي كتابهم قولهم : { لَيْسَ عَلَيْنَا فِى ٱلأُمّيِينَ سَبِيلٌ } .