Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 86-89)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف أهل التأويـل فـيـمن عنى بهذه الآية ، وفـيـمن نزلت ، فقال بعضهم : نزلت فـي الـحارث بن سويد الأنصاري ، وكان مسلـماً ، فـارتدّ بعد إسلامه . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عبد الله بن بزيع البصري ، قال : ثنا يزيد بن زريع ، قال : ثنا داود بن أبـي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عبـاس ، قال : كان رجل من الأنصار أسلـم ، ثم ارتدّ ولـحق بـالشرك ، ثم ندم ، فأرسل إلـى قومه : أرسلوا إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل لـي من توبة ؟ قال : فنزلت : { كَيْفَ يَهْدِى ٱللَّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَـٰنِهِمْ } إلـى قوله : { وَجَاءهُمُ ٱلْبَيّنَـٰتُ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } فأرسل إلـيه قومه ، فأسلـم . حدثنـي ابن الـمثنى ، قال : ثنـي عبد الأعلـى ، قال : ثنا داود ، عن عكرمة بنـحوه ، ولـم يرفعه إلـى ابن عبـاس ، إلا أنه قال : فكتب إلـيه قومه ، فقال : ما كذبنـي قومي ، فرجع . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا حكيـم بن جميع ، عن علـيّ بن مسهر ، عن داود بن أبـي هند ، عن عكرمة عن ابن عبـاس ، قال : ارتدّ رجل من الأنصار ، فذكر نـحوه . حدثنا الـحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا جعفر بن سلـيـمان ، قال : أخبرنا حميد الأعرج ، عن مـجاهد ، قال : جاء الـحارث بن سويد ، فأسلـم مع النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، ثم كفر الـحارث فرجع إلـى قومه ، فأنزل الله عزّ وجلّ فـيه القرآن : { كَيْفَ يَهْدِى ٱللَّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَـٰنِهِمْ } إلـى : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } قال : فحملها إلـيه رجل من قومه ، فقرأها علـيه ، فقال الـحارث : إنك والله ما عُلِـمْتُ لصدوق ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصدق منك ، وإن الله عزّ وجلّ لأصدق الثلاثة ! قال : فرجع الـحارث فأسلـم ، فحسن إسلامه . حدثنـي موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { كَيْفَ يَهْدِى ٱللَّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَـٰنِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّ } قال : أنزلت فـي الـحارث بن سويد الأنصاري كفر بعد إيـمانه ، فأنزل الله عزّ وجلّ فـيه هذه الآيات ، إلـى : { أُولَـئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } [ آل عمران : 116 ] ثم تاب وأسلـم ، فنسخها الله عنه ، قـال : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد فـي قول الله عزّ وجلّ : { كَيْفَ يَهْدِى ٱللَّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَـٰنِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ ٱلْبَيّنَـٰتُ } قال رجل من بنـي عمرو بن عوف كفر بعد إيـمانه . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريح ، عن مـجاهد ، قال : هو رجل من بنـي عمرو بن عوف كفر بعد إيـمانه . قال ابن جريج : أخبرنـي عبد الله بن كثـير ، عن مـجاهد ، قال : لـحق بأرض الروم فتنصر ، ثم كتب إلـى قومه : أرسلوا هل لـي من توبة ؟ قال : فحسبت أنه آمن ثم رجع . قال : ابن جريج : قال عكرمة : نزلت فـي أبـي عامر الراهب ، والـحارث بن سويد بن الصامت ، ووَحْوَح بن الأسلت فـي اثنـي عشر رجلاً رجعوا عن الإسلام ، ولـحقوا بقريش ، ثم كتبوا إلـى أهلهم : هل لنا من توبة ؟ فنزلت : { إِلاَّ ٱلَّذِى تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } … الآيات . وقال آخرون : عنى بهذه الآية أهل الكتاب ، وفـيهم نزلت . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { كَيْفَ يَهْدِى ٱللَّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَـٰنِهِمْ } فهم أهل الكتاب عرفوا مـحمدا صلى الله عليه وسلم ، ثم كفروا به . حدثنا مـحمد بن سنان ، قال : ثنا أبو بكر الـحنفـي ، قال : ثنا عبـاد بن منصور ، عن الـحسن فـي قوله : { كَيْفَ يَهْدِى ٱللَّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَـٰنِهِمْ } … الآية كلها ، قال الـيهود والنصارى . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كان الـحسن يقول فـي قوله : { كَيْفَ يَهْدِى ٱللَّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَـٰنِهِمْ } … الآية ، هم أهل الكتاب من الـيهود والنصارى ، رأوا نعت مـحمد صلى الله عليه وسلم فـي كتابهم ، وأقرّوا به ، وشهدوا أنه حقّ ، فلـما بعث من غيرهم حسدوا العرب علـى ذلك ، فأنكروه وكفروا بعد إقرارهم حسداً للعرب حين بعث من غيرهم . حدثنا الـحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الـحسن فـي قوله : { كَيْفَ يَهْدِى ٱللَّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَـٰنِهِمْ } قال : هم أهل الكتاب كانوا يجدون مـحمداً صلى الله عليه وسلم فـي كتابهم ، ويستفتـحون به ، فكفروا بعد إيـمانهم . قال أبو جعفر : وأشبه القولـين بظاهر التنزيـل ما قال الـحسن ، من أن هذه الآية معنـيّ بها أهل الكتاب علـى ما قال . غير أن الأخبـار بـالقول الآخر أكثر ، والقائلـين به أعلـم بتأويـل القرآن ، وجائز أن يكون الله عزّ وجلّ أنزل هذه الآيات بسبب القوم الذين ذكر أنهم كانوا ارتدّوا عن الإسلام ، فجمع قصتهم وقصة من كان سبيله سبيلهم فـي ارتداده عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم فـي هذه الآيات ، ثم عرّف عباده سنته فـيهم ، فـيكون داخلاً في ذلك كل من كان مؤمن بـمـحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث ، ثم كفر به بعد أن بعث ، وكل من كان كافراً ثم أسلـم علـى عهده صلى الله عليه وسلم ثم ارتدّ وهو حيّ عن إسلامه ، فـيكون معنـياً بـالآية جميع هذين الصنفـين وغيرهما مـمن كان بـمثل معناهما ، بل ذلك كذلك إن شاء الله . فتأويـل الآية إذاً : { كَيْفَ يَهْدِى ٱللَّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَـٰنِهِمْ } يعنـي : كيف يرشد الله للصواب ، ويوفق للإيـمان ، قوما جحدوا نبوّة مـحمد صلى الله عليه وسلم ، بعد إيـمانهم : أي بعد تصديقهم إيَّاهُ ، وإقرارهم بـما جاءهم به من عند ربه . { وَشَهِدُواْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّ } يقول : وبعد أن أقرّوا أن مـحمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم إلـى خـلقه حقاً . { وَجَاءهُمُ ٱلْبَيّنَـٰتُ } يعنـي : وجاءهم الـحجج من عند الله ، والدلائل بصحة ذلك . { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } يقول : والله لا يوفق للـحقّ والصواب الـجماعة الظلـمة ، وهم الذين بدّلوا الـحقّ إلـى البـاطل ، فـاختاروا الكفر علـى الإيـمان . وقد دللنا فـيـما مضى قبل علـى معنى الظلـم ، وأنه وضع الشيء فـي غير موضعه بـما أغنى عن إعادته . { أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُمْ } يعنـي : هؤلاء الذين كفروا بعد إيـمانهم ، وبعد أن شهدوا أن الرسول حقّ ، { جَزَآؤُهُمْ } ثوابهم من عملهم الذي عملوه ، { أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ ٱللَّهِ } يعنـي أن حلّ بهم من الله الإقصاء والبعد ، ومن الـملائكة والناس إلا مـما يسوءهم من العقاب { أَجْمَعِينَ } يعنـي من جميعهم : لا من بعض من سماه جلّ ثناؤه من الـملائكة والناس ، ولكن من جميعهم ، وإنـما جعل ذلك جلّ ثناؤه ثواب عملهم ، لأن عملهم كان بـالله كفراً . وقد بـينا صفة لعنة الناس الكافر فـي غير هذا الـموضع بـما أغنى عن إعادته . { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } يعنـي : ماكثـين فـيها ، يعنـي : فـي عقوبة الله . { لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ } لا ينقصون من العذاب شيئاً فـي حال من الأحوال ولا يُنفَّسُون فـيه . { وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } يعنـي : ولا هم ينظرون لـمعذرة يعتذرون ، وذلك كله : أعنـي الـخـلود فـي العقوبة فـي الآخرة . ثم استثنى جلّ ثناؤه الذين تابوا من هؤلاء الذين كفروا بعد إيـمانهم ، فقال تعالـى ذكره : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ } يعنـي : إلا الذين تابوا من بعد ارتدادهم عن إيـمانهم ، فراجعوا الإيـمان بـالله وبرسوله ، وصدّقوا بـما جاءهم به نبـيهم صلى الله عليه وسلم من عند ربهم . { وَأَصْلَحُواْ } يعنـي : وعملوا الصالـحات من الأعمال . { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } يعنـي فإن الله لـمن فعل ذلك بعد كفره { غَفُورٌ } يعنـي : ساتر علـيه ذنبه الذي كان منه من الردّة ، فتارك عقوبته علـيه ، وفضيحته به يوم القـيامة ، غير مؤاخذه به إذا مات علـى التوبة منه ، رحيـم متعطف علـيه بـالرحمة .