Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 90-90)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك ، فقال بعضهم : عنى الله عزّ وجلّ بقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي ببعض أنبـيائه الذين بعثوا قبل مـحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيـمانهم . { ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً } بكفرهم بـمـحمد . { لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } عند حضور الـموت وحشره بنفسه . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سنان ، قال : ثنا أبو بكر الـحنفـي ، قال : ثنا عبـاد بن منصور ، عن الـحسن فـي قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَـٰنِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلضَّالُّونَ } قال : الـيهود والنصارى لن تقبل توبتهم عند الـموت . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَـٰنِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْرًا } أولئك أعداء الله الـيهود ، كفروا بـالإنـجيـل وبعيسى ، ثم ازدادوا كفراً بـمـحمد صلى الله عليه وسلم والفرقان . حدثنا الـحسن بن يحيـى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة فـي قوله : { ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً } قال : ازدادوا كفراً حتـى حضرهم الـموت ، فلـم تقبل توبتهم حين حضرهم الـموت . قال معمر : وقال مثل ذلك عطاء الـخراسانـي . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن قتادة ، قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَـٰنِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلضَّالُّونَ } وقال : هم الـيهود كفروا بـالإنـجيـل ، ثم ازدادوا كفراً حين بعث الله مـحمداً صلى الله عليه وسلم ، فأنكروه ، وكذّبوا به . وقال آخرون : معنى ذلك : إن الذين كفروا من أهل الكتاب بـمـحمد بعد إيـمانهم بأنبـيائهم ، { ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً } : يعنـي ذنوبـاً ، { لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } من ذنوبهم ، وهم علـى الكفر مقـيـمون . ذكر من قال ذلك : حدثنا الـمثنى ، قال : ثنا عبد الوهاب ، قال : ثنا داود ، عن رفـيع : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَـٰنِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْرًا } ازدادوا ذنوبـاً وهم كفـار ، { فَلَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } من تلك الذنوب ما كانوا علـى كفرهم وضلالتهم . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا ابن أبـي عديّ ، عن داود ، قال : سألت أبـا العالـية ، قال : قلت : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَـٰنِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } ؟ قال : إنـما هم هؤلاء النصارى والـيهود الذين كفروا ثم ازدادوا كفرا بذنوب أصابوها ، فهم يتوبون منها فـي كفرهم . حدثنا عبد الـحميد بن بـيان الـيشكري ، قال : أخبرنا ابن أبـي عديّ ، عن داود ، قال : سألت أبـا العالـية عن الذين آمنوا ثم كفروا ، فذكر نـحواً منه . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا عبد الأعلـى ، قال : ثنا داود ، قال : سألت أبـا العالـية عن هذه الآية : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَـٰنِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلضَّالُّونَ } قال : هم الـيهود والنصارى والـمـجوس ، أصابوا ذنوبـاً فـي كفرهم فأرادوا أن يتوبوا منها ، ولن يتوبوا من الكفر ، ألا ترى أنه يقول : { وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلضَّالُّونَ } ؟ حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا سفـيان ، عن داود ، عن أبـي العالـية فـي قوله : { لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } قال : تابوا من بعض ، ولـم يتوبوا من الأصل . حدثت عن عمار ، قال : ثنا ابن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن داود بن أبـي هند ، عن أبـي العالـية ، قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَـٰنِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْرًا } قال : هم الـيهود والنصارى يصيبون الذنوب فـيقولون نتوب وهم مشركون ، قال الله عزّ وجلّ : لن تقبل التوبة فـي الضلالة . وقال آخرون : بل معنى ذلك : إن الذين كفروا بعد إيـمانهم بأنبـيائهم ، ثم ازدادوا كفراً ، يعنـي بزيادتهم الكفر : تمامهم علـيه حتـى هلكوا وهم علـيه مقـيـمون ، لن تقبل توبتهم : لن تنفعهم توبتهم الأولـى ، وإيـمانهم لكفرهم الآخر وموتهم . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة ، قوله : { ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً } قال : تـمّوا علـى كفرهم . قال ابن جريج : { لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } يقول : إيـمانهم أوّل مرّة لن ينفعهم . وقال آخرون : معنى قوله : { ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً } ماتوا كفـاراً ، فكان ذلك هو زيادتهم من كفرهم . وقالوا : معنى { لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } : لن تقبل توبتهم عند موتهم ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَـٰنِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلضَّالُّونَ } أما ازدادوا كفراً : فماتوا وهم كفـار ، وأما لن تقبل توبتهم : فعند موته إذا تاب لـم تقبل توبته . قال أبو جعفر : وأولـى هذه الأقوال بـالصواب فـي تأويـل هذه الآية قول من قال : عنى بها الـيهودَ ، وأن يكون تأويـله : إن الذين كفروا من الـيهود بـمـحمد صلى الله عليه وسلم عند مبعثه بعد إيـمانهم به قبل مبعثه ، ثم ازدادوا كفراً بـما أصابوا من الذنوب فـي كفرهم ومقامهم علـى ضلالتهم ، لن تقبل توبتهم من ذنوبهم التـي أصابوها فـي كفرهم ، حتـى يتوبوا من كفرهم بـمـحمد صلى الله عليه وسلم ، ويراجعوا التوبة منه بتصديق ما جاء به من عند الله . وإنـما قلنا ذلك أولـى الأقوال فـي هذه الآية بـالصواب ، لأن الآيات قبلها وبعدها فـيهم نزلت ، فأولـى أن تكون هي فـي معنى ما قبلها وبعدها إذ كانت فـي سياق واحد . وإنـما قلنا : معنى ازديادهم الكفر ما أصابوا فـي كفرهم من الـمعاصي ، لأنه جلّ ثناؤه قال : { لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } فكان معلوماً أن معنى قوله : { لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } إنـما هو معنـيّ به : لن تقبل توبتهم مـما ازدادوا من الكفر علـى كفرهم بعد إيـمانهم ، لا من كفرهم ، لأن الله تعالـى ذكره وعد أن يقبل التوبة من عبـاده ، فقال : { وَهُوَ ٱلَّذِى يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ } [ الشورى : 25 ] فمـحال أن يقول عزّ وجلّ أقبل ، ولا أقبل فـي شيء واحد . وإذ كان ذلك كذلك ، وكان من حكم الله فـي عبـاده أنه قابل توبة كل تائب من كل ذنب ، وكان الكفر بعد الإيـمان أحد تلك الذنوب التـي وعد قبول التوبة منها بقوله : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } علـم أن الـمعنى الذي لا تقبل التوبة منه ، غير الـمعنى الذي تقبل التوبة منه . وإذ كان ذلك كذلك ، فـالذي لا تقبل منه التوبة هو الازدياد علـى الكفر بعد الكفر ، لا يقبل الله توبة صاحبه ما أقام علـى كفره ، لأن الله لا يقبل من مشرك عملاً ما أقام علـى شركه وضلاله ، فأما إن تاب من شركه وكفره وأصلـح ، فإن الله كما وصف به نفسه ، غفور رحيـم . فإن قال قائل : وما ينكر أن يكون معنى ذلك ، كما قال من قال : فلن تقبل توبتهم من كفرهم عند حضور أجله ، أو توبته الأولـى ؟ قـيـل : أنكرنا ذلك لأن التوبة من العبد غير كائنة إلا فـي حال حياته ، فأما بعد مـماته فلا توبة ، وقد وعد الله عزّ وجلّ عبـاده قبول التوبة منهم ما دامت أرواحهم فـي أجسادهم ، ولا خلاف بـين جميع الـحجة فـي أن كافراً لو أسلـم قبل خروج نفسه بطرفة عين أن حكمه حكم الـمسلـمين فـي الصلاة علـيه والـموارثة ، وسائر الأحكام غيرها ، فكان معلوماً بذلك أن توبته فـي تلك الـحال لو كانت غير مقبولة ، لـم ينتقل حكمه من حكم الكفـار إلـى حكم أهل الإسلام ، ولا منزلة بـين الـموت والـحياة يجوز أن يقال لا يقبل الله فـيها توبة الكافر ، فإذا صحّ أنها فـي حال حياته مقبولة ، ولا سبـيـل بعد الـمـمات إلـيها ، بطل قول الذي زعم أنها غير مقبولة عند حضور الأجل . وأما قول من زعم أن معنى ذلك التوبة التـي كانت قبل الكفر فقول لا معنى له ، لأن الله عزّ وجلّ لـم يوصف القوم بإيـمان كان منهم بعد كفر ، ثم كفر بعد إيـمان ، بل إنـما وصفهم بكفر بعد إيـمان ، فلـم يتقدم ذلك الإيـمان كفر كان للإيـمان لهم توبة منه ، فـيكون تأويـل ذلك علـى ما تأوله قائل ذلك ، وتأويـل القرآن علـى ما كان موجوداً فـي ظاهر التلاوة إذا لـم تكن حجة تدلّ علـى بـاطن خاصّ أولـى من غيره وإن أمكن توجيهه إلـى غيره . وأما قوله : { وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلضَّالُّونَ } فإنه يعنـي بذلك : وهؤلاء الذين كفروا بعد إيـمانهم ، ثم ازدادوا كفراً ، هم الذين ضلوا سبـيـل الـحقّ ، فأخطئوا منهجه ، وتركوا مَنْصَفَ السبـيـل وهدى الله الدين ، حيرةً منهم وعَمىً عنه . وقد بـينا فـيـما مضى معنى الضلال بـما فـيه الكفـاية .