Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 99-99)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعنـي بذلك جلُّ ثناؤه : يا معشر يهود بنـي إسرائيـل وغيرهم مـمن ينتـحل التصديق بكتب الله ، { لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } يقول : لـم تضلون عن طريق الله ومـحجته التـي شرعها لأنبـيائه وأولـيائه وأهل الإيـمان { مَنْ ءامَنَ } يقول : من صدّق بـالله ورسوله ، وما جاء به من عند الله { تَبْغُونَهَا عِوَجاً } يعنـي تبغون لها عوجاً والهاء والألف اللتان فـي قوله : { تَبْغُونَهَا } عائدتان علـى السبـيـل ، وأنثها لتأنـيث السبـيـل . ومعنى قوله : تبغون لها عوجاً ، من قول الشاعر ، وهو سحيـم عبد بنـي الـحسحاس : @ بغَاكَ وَما تَبْغِيهِ حتـى وَجَدْتَهُ كأنَّكَ قد وَاعَدْتَهُ أمْسِ مَوْعِدَا @@ يعنـي طلبك وما تطلبه يقال : ابغنـي كذا يراد : ابتغه لـي ، فإذا أرادوا : أعنّـي علـى طلبه ، وابتغه معي قالوا : أبْغنـي بفتـح الألف ، وكذلك يقال : احْلُبنـي ، بـمعنى : اكفنـي الـحلب وأحْلِبْنـي : أعنـي علـيه ، وكذلك جميع ما ورد من هذا النوع فعلـى هذا . وأما العِوَجُ : فهو الأوَدُ والـميـل ، وإنـما يعنـي بذلك الضلال عن الهدى يقول جلّ ثناؤه : { وَلِمَ تَصُدُّونَ } عن دين الله من صدّق الله ورسوله ، تبغون دين الله اعوجاجاً عن سننه واستقامته وخرج الكلام علـى السبـيـل ، والـمعنى لأهله ، كأن الـمعنى : تبغون لأهل دين الله ، ولـمن هو علـى سبـيـل الـحقّ عوجاً ، يقول : ضلالاً عن الـحقّ وزيغاً عن الاستقامة علـى الهدى والـمـحجة . والعِوَج بكسر أوله : الأود فـي الدين والكلام ، والعَوَج بفتـح أوله : الـميـل فـي الـحائط والقناة وكل شيء منتصب قائم . وأما قوله : { وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ } فإنه يعنـي : شهداء علـى أن الذي تصدّون عنه من السبـيـل حق تعلـمونه وتـجدونه فـي كتبكم . { وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعْلَمُونَ } يقول : لـيس الله بغافل عن أعمالكم التـي تعلـمونها مـما لا يرضاه لعبـاده ، وغير ذلك من أعمالكم حتـى يعاجلكم بـالعقوبة علـيها معجلة ، أو يؤخر ذلك لكم ، حتـى تلقوه ، فـيجازيكم علـيها . وقد ذكر أن هاتـين الآيتـين من قوله : { يأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِأَيَـٰتِ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 98 ] والآيات بعدهما إلـى قوله : { وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ آل عمران : 105 ] نزلت فـي رجل من الـيهود حاول الإغراء بـين الـحيـين من الأوس والـخزرج بعد الإسلام ، لـيراجعوا ما كانوا علـيه فـي جاهلـيتهم من العداوة والبغضاء ، فعنفه الله بفعله ذلك وقبح له ما فعل ووبخه علـيه ، ووعظ أيضاً أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونهاهم عن الافتراق والاختلاف ، وأمرهم بـالاجتـماع والائتلاف . ذكر الرواية بذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن مـحمد بن إسحاق ، قال : ثنـي الثقفة ، عن زيد بن أسلـم ، قال : مرّ شاس بن قـيس ، وكان شيخاً قد عسا فـي الـجاهلـية ، عظيـم الكفر ، شديد الضغن علـى الـمسلـمين شديد الـحسد لهم ، علـى نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والـخزرج فـي مـجلس قد جمعهم يتـحدّثون فـيه . فغاظه ما رأى من جماعتهم وألفتهم وصلاح ذات بـينهم علـى الإسلام بعد الذي كان بـينهم من العداوة فـي الـجاهلـية ، فقال : قد اجتـمع ملأ بنـي قـيـلة بهذه البلاد ، والله ما لنا معهم إذا اجتـمع ملؤهم لها من قرار فأمر فتـى شاباً من الـيهود وكان معه ، فقال : اعمد إلـيهم ، فـاجلس معهم وذكرهم يوم بُعاث وما كان قبله ، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فـيه من الأشعار . وكان يوم بعاث يوماً اقتتلت فـيه الأوس والـخزرج ، وكان الظفر فـيه للأوس علـى الـخزرج . ففعل ، فتكلـم القوم عند ذلك ، فتنازعوا وتفـاخروا حتـى تواثب رجلان من الـحيـين علـى الركب أوس بن قـيظي أحد بنـي حارثة بن الـحرث من الأوس وجبـار بن صخر أحد بنـي سلـمة من الـخزرج ، فتقاولا ، ثم قال أحدهما لصاحبه : إن شئتـم والله رددناها الآن جَذَعَةً . وغضب الفريقان ، وقالوا : قد فعلنا السلاحَ السلاحَ موعدكم الظاهرة والظاهرة : الـحَرَّة فخرجوا إلـيها وتـحاور الناس ، فـانضمت الأوس بعضها إلـى بعض ، والـخزرج بعضها إلـى بعض علـى دعواهم التـي كانوا علـيها فـي الـجاهلـية . فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرج إلـيهم فـيـمن معه من الـمهاجرين من أصحابه حتـى جاءهم ، فقال : " يا مَعشرَ الـمسلِـمينَ اللَّهَ اللَّهَ ، أبدَعْوَى الـجاهلـيَّةِ وأنَا بـينَ أظهرُكمْ بعدَ إذْ هداكُمُ اللَّهُ إلـى الإسلامِ ، وأكرَمكُمْ بهِ ، وقطعَ بهِ عَنْكُمْ أمْرَ الـجاهلـيَّةِ ، واستنقذكُمْ بهِ مِنَ الكفرِ وألَّفَ بهِ بَـينَكُمْ ترْجعونَ إلـى ما كُنْتـمْ علـيهِ كُفَّـاراً " فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان ، وكيد من عدوّهم ، فألقوا السلاح من أيديهم ، وبكوا ، وعانق الرجال من الأوس والـخزرج بعضهم بعضاً . ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين ، قد أطفأ الله عنهم كيد عدوّ الله شاس بن قـيس وما صنع فأنزل الله فـي شاس بن قـيس وما صنع { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِـئَايَـٰتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ ءامَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً } … الآية وأنزل الله عزّ وجلّ فـي أوس بن قـيظي وجبـار بن صخر ومن كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا مـما أدخـل علـيهم شاس بن قـيس من أمر الـجاهلـية { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ كَـٰفِرِينَ } [ آل عمران : 100 ] إلـى قوله : { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ آل عمران : 105 ] . وقـيـل : إنه عنى بقوله : { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } جماعة يهود بنـي إسرائيـل الذين كانوا بـين أظهر مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام نزلت هذه الآيات والنصارى ، وأن صدّهم عن سبـيـل الله كان بإخبـارهم من سألهم عن أمر نبـيّ الله مـحمد صلى الله عليه وسلم ، هل يجدون ذكره فـي كتبهم أنهم لا يجدون نعته فـي كتبهم . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ ءامَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً } كانوا إذا سألهم أحد : هل تـجدون مـحمداً ؟ قالوا : لا ! فصدّوا عنه الناس ، وبغوا مـحمداً عوجاً : هلاكاً . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } يقول : لـم تصدون عن الإسلام ، وعن نبـي الله ومن آمن بـالله ، وأنتـم شهداء فـيـما تقرؤون من كتاب الله أن مـحمداً رسول الله ، وأن الإسلام دين الله الذي لا يقبل غيره ولا يجزي إلا به ، تـجدونه مكتوباً عندكم فـي التوراة والإنـجيـل . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن أبـي جعفر ، عن أبـيه ، عن الربـيع ، نـحوه . حدثنا مـحمد بن سنان ، قال : ثنا أبو بكر ، قال : ثنا عبـاد ، عن الـحسن فـي قوله : { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } قال : هم الـيهود والنصارى ، نهاهم أن يصدوا الـمسلـمين عن سبـيـل الله ، ويريدون أن يعدلوا الناس إلـى الضلالة . فتأويـل الآية ما قاله السديّ : يا معشر الـيهود لـم تصدّون عن مـحمد ، وتـمنعون من اتبـاعه الـمؤمنـين بكتـمانكم صفته التـي تـجدونها فـي كتبكم . ومـحمد علـى هذا القول : هو السبـيـل { تَبْغُونَهَا عِوَجاً } : تبغون مـحمداً هلاكاً . وأما سائر الروايات غيره والأقوال فـي ذلك ، فإنه نـحو التأويـل الذي بـيناه قبل ، من أن معنى السبـيـل التـي ذكرها فـي هذا الـموضع الإسلام وما جاء به مـحمد من الـحقّ من عند الله .