Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 31, Ayat: 16-16)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف أهل العربـية فـي معنى الهاء والألف اللتـين فـي قوله { إنَّها } فقال بعض نـحويـي البصرة : ذلك كناية عن الـمعصية والـخطيئة . ومعنى الكلام عنده : يا بنـيّ إن الـمعصية إن تك مثقال حبة من خردل ، أو إن الـخطيئة . وقال بعض نـحويـي الكوفة : وهذه الهاء عماد . وقال : أنَّث تك ، لأنه يراد بها الـحبة ، فذهب بـالتأنـيث إلـيها ، كما قال الشاعر : @ وَتَشْرَقُ بـالقَوْلِ الَّذِي قَدْ أذَعْتَهُ كمَا شَرِقَتْ صَدْرُ القَناةِ مِنَ الدَّمِ @@ وقال صاحب هذه الـمقالة : يجوز نصب الـمثقال ورفعه قال : فمن رفع رفعه بتك ، واحتـملت الننكرة أن لا يكون لها فعل فـي كان ولـيس وأخواتها ، ومن نصب جعل فـي تكن اسماً مضمراً مـجهولاً مثل الهاء التـي فـي قوله { إنَّها إنْ تَكُ } قال : ومثله قوله : { فإنَّها لا تَعْمَى الأَبْصَارُ } قال : ولو كان إن يك مثقال حبة كان صوابـاً ، وجاز فـيه الوجهان . وأما صاحب الـمقالة الأولـى ، فإن نصب مثقال فـي قوله ، علـى أنه خبر ، وتـمام كان ، وقال : رفع بعضهم فجعلها كان التـي لا تـحتاج إلـى خبر . وأولـى القولـين بـالصواب عندي ، القول الثانـي : لأن الله تعالـى ذكره لـم يعد عبـاده أن يوفـيهم جزاء سيئاتهم دون جزاء حسناتهم ، فـيقال : إن الـمعصية إن تك مثقال حبة من خردل يأت الله بها ، بل وعد كلا العاملـين أن يوفـيه جزاء أعمالهما . فإذا كان ذلك كذلك ، كانت الهاء فـي قوله { إنَّها } بأن تكون عماداً أشبه منها بأن تكون كناية عن الـخطيئة والـمعصية . وأما النصب فـي الـمثقال ، فعلـى أن فـي « تك » مـجهولاً ، والرفع فـيه علـى أن الـخبر مضمر ، كأنه قـيـل : إن تك فـي موضع مثقال حبة ، لأن النكرات تضمر أخبـارها ، ثم يترجم عن الـمكان الذي فـيه مثقال الـحبة . وعنى بقوله : { مِثْقالَ حَبَّةٍ } : زنة حبة . فتأويـل الكلام إذن : إن الأمر إن تك زنة حبة من خردل من خير أو شرّ عملته ، فتكن فـي صخرة ، أو فـي السموات ، أو فـي الأرض ، يأت بها الله يوم القـيامة ، حتـى يوفـيك جزاءه . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : { يا بُنَـيَّ إنَّها إنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ } من خير أو شرّ . واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله { فَتَكُنْ فِـي صَخْرَةٍ } فقال بعضهم : عنى بها الصخرة التـي علـيها الأرض وذلك قول رُوي عن ابن عبـاس وغيره ، وقالوا : هي صخرة خضراء . ذكر من قال ذلك : حدثنـي أبو السائب ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن الأعمش ، عن الـمنهال ، عن عبد الله بن الـحارث ، قال : الصخرة خضراء علـى ظهر حوت . حدثنا موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ فـي خبر ذكره عن أبـي مالك عن أبـي صالـح ، عن ابن عبـاس ، وعن مرّة ، عن عبد الله ، وعن ناس من أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم : خـلق الله الأرض علـى حوت ، والـحوت هو النون الذي ذكر الله فـي القرآن نَ والقلـم وما يسطرون والـحوت فـي الـماء ، والـماء علـى ظهر صفـاة ، والصفـاة علـى ظهر ملك ، والـملك علـى صخرة ، والصخرة فـي الريح ، وهي الصخرة التـي ذكر لقمان لـيست فـي السماء ، ولا فـي الأرض . وقال آخرون : عنى بها الـجبـال ، قالوا : ومعنى الكلام : فتكن فـي جبل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قَتادة ، فـي قوله : { فَتَكُنْ فِـي صَخْرَةٍ } : أي جبل . وقوله : { يَأْتِ بِها اللّهُ } كان بعضهم يوجه معناه إلـى يعلـمه الله ، ولا أعرف يأتـي به ، بـمعنى يعلـمه ، إلاَّ أن يكون قائل ذلك أراد أن لقمان ، إنـما وصف الله بذلك ، لأن الله يعلـم أماكنه ، لا يخفـى علـيه مكان شيء منه فـيكون وجهاً . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ويحيى ، قالا : ثنا أبو سفـيان ، عن السديّ ، عن أبـي مالك { فَتَكُنْ فِـي صَخْرَةٍ أوْ فِـي السَّمَوَاتِ ، أوْ فِـي الأرْضِ يَأْتِ بِها اللّهُ } قال : يعلـمها الله . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن مهدي ، عن سفـيان ، عن السديّ ، عن أبـي مالك ، مثله . وقوله : { إنَّ اللّهَ لَطيفٌ خَبِـيرٌ } يقول : إن الله لطيف بـاستـخراج الـحبة من موضعها حيث كانت خبـير بـموضعها . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قَتادة { إنَّ اللّهَ لَطِيفٌ خَبِـيرٌ } : أي لطيف بـاستـخراجها خبـير بـمستقرّها .