Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 32, Ayat: 6-8)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : هذا الذي يفعل ما وصفت لكم فـي هذه الآيات ، هو عالـم الغيب ، يعنـي عالـم ما يغيب عن أبصاركم أيها الناس ، فلا تبصرونه مـما تكنه الصدور ، وتـخفـيه النفوس ، وما لـم يكن بعد مـما هو كائن ، { والشهادة } : يعنـي ما شاهدته الأبصار فأبصرته وعاينته وما هو موجود { العَزِيزُ } يقول : الشديد فـي انتقامه مـمن كفر به وأشرك معه غيره ، وكذّب رسله { الرَّحِيـمُ } بـمن تاب من ضلالته ، ورجع إلـى الإيـمان به وبرسوله ، والعمل بطاعته ، أن يعذّبه بعد التوبة . وقوله : { الَّذِي أحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَـلَقَهُ } اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك ، فقرأه بعض قراء مكة والـمدينة والبصرة : « أحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَـلْقَهُ » بسكون اللام . وقرأه بعض الـمدنـيـين وعامة الكوفـيـين : { أحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَـلَقَهُ } بفتـح اللام . والصواب من القول فـي ذلك عندي أن يقال : إنهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء صحيحتا الـمعنى ، وذلك أن الله أحكم خـلقه ، وأحكم كل شيء خـلَقه ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . واختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك ، فقال بعضهم : معناه : أتقن كلّ شيء وأحكمه . ذكر من قال ذلك : حدثنـي العبـاس بن أبـي طالب ، قال : ثنا الـحسين بن إبراهيـم إشكاب ، قال : ثنا شريك ، عن خَصيف عن عكرمة ، عن ابن عبـاس ، فـي قوله : { الَّذِي أحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَـلَقَهُ } قال : أما إن است القرد لـيست بحسنة ، ولكن أحكم خـلقها . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو النضر ، قال : ثنا أبو سعيد الـمؤدّب ، عن خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عبـاس ، أنه كان يقرؤها : { الَّذِي أحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَـلَقَهُ } قال : أما إن است القرد لـيست بحسنة ، ولكنه أحكمها . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد { أحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَـلَقَهُ } قال : أتقن كلّ شيء خـلقه . حدثنـي مـحمد بن عمارة ، قال : ثنا عبد الله بن موسى ، قال : ثنا إسرائيـل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد { أتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } أحصى كلّ شيء . وقال آخرون : بل معنى ذلك : الذي حسن خـلق كل شيء . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله { الَّذِي أحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَـلَقَهُ } حسن علـى نـحو ما خـلق . وذُكر عن الـحجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن الأعرج ، عن مـجاهد قال : هو مثل { أعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَـلْقَهُ ثم هَدَى } قال : فلـم يجعل خـلق البهائم فـي خـلق الناس ، ولا خـلق الناس فـي خـلق البهائم ولكن خـلق كلّ شيء فقدّره تقديراً . وقال آخرون : بل معنى ذلك : أعلـم كل شيء خـلقه ، كأنهم وجهوا تأويـل الكلام إلـى أنه ألهم خـلقه ما يحتاجون إلـيه ، وأن قوله { أحْسَنَ } إنـما هو من قول القائل : فلان يحسن كذا إذا كان يعلـمه . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبـي ، عن شريك ، عن خصيف ، عن مـجاهد { أحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَـلَقَهُ } قال : أعطى كلّ شيء خـلقه ، قال : الإنسان إلـى الإنسان ، والفرس للفرس ، والـحمار للـحمار . وعلـى هذا القول ، الـخَـلْق والكلّ منصوبـان بوقوع أحسن علـيهما . وأولـى الأقوال فـي ذلك عندي بـالصواب علـى قراءة من قرأه { الَّذِي أحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَـلَقَهُ } بفتـح اللام قول من قال : معناه أحكم وأتقن ، لأنه لا معنى لذلك إذ قرىء كذلك إلاَّ أحد وجهين : إما هذا الذي قلنا من معنى الإحكام والإتقان أو معنى التـحسين الذي هو فـي معنى الـجمال والـحُسن فلـما كان فـي خـلقه ما لا يشكّ فـي قُبحه وسماجته ، علـم أنه لـم يُعن به أنه أحسن كلّ ما خـلق ، ولكن معناه أنه أحكمه وأتقن صنعته . وأما علـى القراءة الأخرى التـي هي بتسكين اللام ، فإن أولـى تأويلاته به قول من قال : معنى ذلك أعلـم وألهم كلّ شيء خـلقه ، هو أحسنهم ، كما قال { الَّذِي أعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَـلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } لأن ذلك أظهر معانـيه . وأما الذي وجه تأويـل ذلك إلـى أنه بـمعنى : الذي أحسن خـلق كلّ شيء ، فإنه جعل الـخـلق نصبـاً بـمعنى التفسير ، كأنه قال : الذي أحسن كلّ شيء خـلقاً منه . وقد كان بعضهم يقول : هو من الـمقدّم الذي معناه التأخير ، ويوجهه إلـى أنه نظير قول الشاعر : @ وَظَعْنِـي إلَـيْك اللَّـيْـل حِضْنَـيْهِ أنَّنِـي لِتِلْكَ إذَا هابَ الهِدَانُ فَعُولُ @@ يعنـي : وظعنـي حضنـي اللـيـل إلـيك ونظير قول الآخر : @ كأنَّ هِنْداً ثَناياها وبَهْجَتَها يَوْمَ الْتَقَـيْنا عَلـى أدْحالِ دَبَّـاب @@ أي كأن ثنايا هند وبهجتها . وقوله : { وَبَدأَ خَـلْقَ الإنْسانِ مِنْ طِينٍ } يقول تعالـى ذكره : وبدأ خـلق آدم من طين { ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ } يعنـي ذرّيته من سلالة ، يقول : من الـماء الذي انسلّ فخرج منه . وإنـما يعنـي من إراقة من مائه ، كما قال الشاعر : @ فجاءتْ بهِ عَضْبَ الأدِيـمِ غَضَنْفَراً سُلالَةَ فَرْجٍ كانَ غيرَ حَصِينِ @@ وقوله : { مِنْ ماءٍ مَهينٍ } يقول : من نطفة ضعيفة رقـيقة . وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قَتادة { وَبَدأَ خَـلْقَ الإنْسانِ مِنْ طِينٍ } وهو خـلق آدم ، ثم جعل نسله : أي ذرّيته من سلالة من ماء مهين ، والسلالة : هي الـماء الـمهين الضعيف . حدثنـي أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن الـمنهال ، عن أبـي يحيى الأعرج ، عن ابن عبـاس ، فـي قوله { مِنْ سُلالَةِ } قال : صفو الـماء . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد { مِنْ ماءٍ مَهِينٍ } قال : ضعيف نطفة الرجل ، ومهين : فعيـل من قول القائل : مهن فلان ، وذلك إذا زلّ وضعف .