Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 18-19)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : قد يعلـم الله الذين يعوّقون الناس منكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فـيصدّونهم عنه ، وعن شهود الـحرب معه ، نفـاقاً منهم ، وتـخذيلاً عن الإسلام وأهله { والقائِلِـينَ لإخْوَانِهِمْ هَلُـمَّ إلَـيْنا } : أي تعالوا إلـينا ، ودعوا مـحمداً ، فلا تشهدوا معه مشهده ، فإنا نـخاف علـيكم الهلاك بهلاكه . { وَلا يَأْتُونَ البأْسَ إلاَّ قَلِـيلاً } يقول : ولا يشهدون الـحرب والقتال إن شهدوا إلاَّ تعذيراً ، ودفعاً عن أنفسهم الـمؤمنـين . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله { قَدْ يَعْلَـمُ اللّهُ الـمُعَوّقِـينَ مِنْكُمْ والقائِلِـينَ لإخْوَانِهِمْ } قال : هؤلاء ناس من الـمنافقـين كانوا يقولون لإخوانهم : ما مـحمد وأصحابه إلاَّ أكلة رأس ، ولو كانوا لـحماً لالتهمهم أبو سفـيان وأصحابه ، دعوا هذا الرجل فإنه هالك . وقوله : { وَلا يَأْتُونَ البأْسَ إلاَّ قَلِـيلاً } : أي لا يشهدون القتال ، يغيبون عنه . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثنا يزيد بن رومان { قَدْ يَعْلَـمُ اللّهُ الـمُعَوّقِـينَ مِنْكُمْ } : أي أهل النفـاق { وَالقائِلِـينَ لإخْوَانِهِمْ هَلُـمَّ إلَـيْنا ، وَلا يَأْتُونَ البأْسَ إلاَّ قَلِـيلاً } : أي إلاَّ دفعاً وتعذيراً . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله { قَدْ يَعْلَـمُ اللّهُ الـمُعَوّقِـينَ مِنْكُمْ ، والقائِلِـينَ لإخْوَانِهِمْ … } إلـى آخر الآية ، قال : هذا يوم الأحزاب ، انصرف رجل من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجد أخاه بـين يديه شواء ورغيف ونبـيذ ، فقال له : أنت ههنا فـي الشواء والرغيف والنبـيذ ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بـين الرماح والسيوف ؟ فقال : هلـمّ إلـى هذا ، فقد بلغ بك وبصاحبك ، والذي يحلف به لا يستقبلها مـحمد أبداً ، فقال : كذبت والذي يحلف به قال ، وكان أخاه من أبـيه وأمِّه : أما والله لأخبرنّ النبـيّ صلى الله عليه وسلم أمرك قال : وذهب إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم لـيخبره قال : فوجده قد نزل جبرائيـل علـيه السلام بخبره { قَدْ يَعْلَـمُ اللّهُ الـمُعَوّقِـين مِنْكُمْ والقائِلِـينَ لإخْوَانِهِمْ هَلُـمَّ إلَـيْنا ، وَلا يَأْتُون البأْسَ قَلِـيلاً } . وقوله { أشِحَّةً عَلَـيْكُمْ } اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي وصف الله به هؤلاء الـمنافقـين ، فـي هذا الـموضع من الشحّ ، فقال بعضهم : وصفهم بـالشُّحّ علـيهم فـي الغنـيـمة . ذكر من قال ذلك : حدثنـي بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { أشِحَّةً عَلَـيْكُمْ } فـي الغنـيـمة . وقال آخرون : بل وصفهم بـالشحّ علـيهم بـالـخير . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنـي عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد { أشِحَّةً عَلَـيْكُمْ } قال : بـالـخير ، الـمنافقون . وقال غيره : معناه : أشحة علـيكم بـالنفقة علـى ضعفـاء الـمؤمنـين منكم . والصواب من القول فـي ذلك عندي أن يقال : إن الله وصف هؤلاء الـمنافقـين بـالـجبن والشُّحّ ، ولـم يخصُص وصفهم من معانـي الشحّ ، بـمعنى دون معنى ، فهم كما وصفهم الله به أشحة علـى الـمؤمنـين بـالغنـيـمة والـخير والنفقة فـي سبـيـل الله ، علـى أهل مسكنة الـمسلـمين . ونصب قوله { أشِحَّةً عَلَـيْكُمْ } علـى الـحال من ذكر الاسم الذي فـي قوله { وَلا يأْتُونَ البأْسَ } ، كأنه قـيـل : هم جبناء عند البأس ، أشحاء عند قَسْم الغنـيـمة ، بـالغنـيـمة . وقد يحتـمل أن يكون قَطْعاً من قوله : { قَدْ يَعْلَـمُ اللّهُ الـمُعَوّقِـينَ مِنْكُمْ } فـيكون تأويـله : قد يعلـم الله الذين يعوّقون الناس علـى القتال ، ويَشِحُّون عند الفتـح بـالغنـيـمة . ويجوز أن يكون أيضاً قَطْعاً من قوله : { هلـم إلـينا } أشحة ، وهم هكذا أشحة . ووصفهم جلّ ثناؤه بـما وصفهم من الشحّ علـى الـمؤمنـين ، لِـما فـي أنفسهم لهم من العداوة والضِّغْن . كما : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثنـي يزيد بن رُومان { أشِحَّةً عَلَـيْكُمْ } أي للضِّغْن الذي فـي أنفسهم . وقوله : { فإذَا جاءَ الـخَوْفُ … } إلـى قوله { مِنَ الـمَوْتِ } يقول تعالـى ذكره : فإذا حضر البأُس ، وجاء القتال ، خافوا الهلاك والقَتْل ، رأيتهم يا مـحمد ينظرون إلـيك لِواذاً بك ، تَدُور أعينهم ، خوفـاً من القتل ، وفراراً منه . { كالَّذِي يُغْشَى عَلَـيْهِ مِنَ الـمَوْتِ } يقول : كدَوَران عين الذي يُغْشَى علـيه من الـموت النازل به { فإذَا ذَهَبَ الـخَوْفُ } يقول : فإذا انقطعت الـحربُ واطمأنوا { سَلَقُوكُمْ بألْسِنَةٍ حِدادٍ } . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { فإذَا جاءَ الـخَوْفُ رأيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إلَـيْكَ تَدُورُ أعْيُنُهُمْ } من الـخوف . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثنـي يزيد بن رومان { فإذَا جاءَ الـخَوْفُ رأيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إلَـيْكَ تَدُورُ أعْيُنُهُمْ كالَّذِي يُغْشَى عَلَـيْهِ منَ الـمَوْتِ } : أي إعظاماً وفَرقاً منه . وأما قوله { سَلَقُوكُمْ بألْسنَةٍ حِدادٍ } . فإنه يقول : عَضُّوكم بألسنة ذَرِبة . ويقال للرجل الـخطيب الذَّرِب اللسان : خطيب مِسْلَق ومِصْلَق ، وخطيب سَلاّق وصَلاّق . وقد اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي وصف تعالـى ذكره هؤلاء الـمنافقـين أنهم يَسْلُقون الـمؤمنـين به ، فقال بعضهم : ذلك سَلْقُهم إياهم عند الغنـيـمة ، بـمسألتهم القَسْمَ لهم . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { فإذَا ذَهَبَ الـخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بألْسِنَةٍ حِدادٍ } أما عند الغنـيـمة ، فأشحّ قوم ، وأسوأ مُقاسَمَة : أعطُونا أعطُونا ، فإنا قد شِهدنا معكم . وأما عند البأس فأجبن قوم ، وأخذله للـحقّ . وقال آخرون : بل ذلك سَلْقُهُمْ إياهم بـالأذَى . ذكر ذلك عن ابن عبـاس : حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله { سَلَقُوكُم بألْسِنَةٍ حِدادٍ } قال : استقبلوكم . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد { سَلَقُوكُمْ بألْسِنَةٍ حِدادٍ } قال : كَلّـموكم . وقال آخرون : بل معنى ذلك : أنهم يَسْلُقونهم من القول بـما تُـحبون ، نفـاقاً منهم . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثنـي يزيد بن رُومان { فإذَا ذَهَبَ الـخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بألْسِنَةٍ حِدَاد } ٍ فـي القول بـما تـحبون ، لأنهم لا يرجون آخرة ، ولا تَـحمُلهم حِسْبة ، فهم يهابون الـموت هيبة من لا يرجو ما بعده . وأشبه هذه الأقوال بـما دلّ علـيه ظاهر التنزيـل قول من قال { سَلَقُوكُمْ بألْسِنَةٍ حِدَادٍ أشِحَّةً عَلـى الـخَيْرِ } فأخبر أن سَلْقَهُمْ الـمسلـمين شُحَاً منهم علـى الغنـيـمة والـخير ، فمعلوم إذ كان ذلك كذلك ، أن ذلك لطلب الغنـيـمة . وإذا كان ذلك منهم لطلب الغنـيـمة ، دخـل فـي ذلك قول من قال : معنى ذلك : سَلَقوكم بـالأذى ، لأن فعلهم ذلك كذلك ، لا شكّ أنه للـمؤمنـين أذى . وقوله : { أشِحَّةً عَلـى الـخَيْرِ } يقول : أشحَّة علـى الغنـيـمة ، إذا ظفر الـمؤمنون . وقوله : { لَـمْ يُؤْمنُوا فأحُبَطَ اللّهُ أعمالَهُمْ } يقول تعالـى ذكره : هؤلاء الذين وصفتُ لك صفتهم فـي هذه الآيات ، لـم يصدّقوا الله ورسوله ، ولكنهم أهل كفر ونِفـاق . { فأحبط الله أعمالهم } يقول : فأذهب الله أجورَ أعمالهم وأبطلَها . وذُكر أن الذي وُصِفَ بهذه الصفة كان بَدْريًّا ، فأحبط الله عمله . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله { فَأَحْبَطَ اللّهُ أعمالَهُمْ وكانَ ذلكَ علـى اللّهِ يَسِيراً } قال : فحدثنـي أبـي أنه كان بدرياً ، وأن قوله : { أحْبَطَ اللّهُ أعمالَهُمْ } : أحبط الله عمله يوم بدر . وقوله : { وكانَ ذلكَ علـى اللّهِ يَسِيراً } يقول تعالـى ذكره : وكان إحبـاط عملهم الذي كانوا عملوا قبل ارتدادهم ونفـاقهم علـى الله يسيراً .