Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 53-53)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أيها الذين أمنوا بـالله ورسوله ، لا تدخـلوا بـيوت نبـيّ الله إلا أن تُدْعَوا إلـى طعام تطعمونه { غَيرَ ناظِرِينَ إناهُ } يعنـي : غير منتظرين إدراكه وبلوغه وهو مصدر من قولهم : قد أنى هذا الشيء يَأنِـي إنىً وأنْـياً وإنَاءً قال الـحُطَيئة : @ وآنَـيْتُ العَشاءَ إلـى سُهَيْـلٍ أوِ الشِّعْرَى فَطالَ بـيَ الأَناءُ @@ وفـيه لغة أخرى ، يقال : قد إن لك : أي تبـين لك إيناً ، ونال لك ، وأنال لك ومنه قول رُؤبة بن العَجاج : @ هاجَتْ وَمِثْلِـي نَوْلُه أنْ يَرْبَعا حَمامَةٌ ناخَتْ حَماماً سُجَّعا @@ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قول الله : إلـى طَعامٍ { غيرَ ناظِرِينَ إناهُ } قال : مُتَـحَيِّنـين نُضْجَه . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، { غيرَ ناظِرِينَ إناهُ } يقول : غير ناظرين الطعامَ أن يُصْنَع . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { غيرَ ناظِرِينَ إناهُ } قال : غير متـحينـين طعامه . حدثنا ابن عبد الأعلـى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله . ونصب { غيرَ } فـي قوله : { غَيرَ ناظِرِينَ إناهُ } علـى الـحال من الكاف والـميـم فـي قوله : { إلاَّ أنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ } لأن الكاف والـميـم معرفة وغير نكرة ، وهي من صفة الكاف والـميـم . وكان بعض نـحويِّـي البصرة يقول : لا يجوز فـي « غير » الـجرّ علـى الطعام ، إلا أن تقول : أنتـم ، ويقول : ألا ترى أنك لو قلت : أبدى لعبد الله علـيّ امرأة مبغضاً لها ، لـم يكن فـيه إلا النصب ، إلا أن تقول : مبغض لها هو ، لأنك إذا أجريت صفته علـيها ، ولـم تظهر الضمير الذي يدلّ علـى أن الصفة له لـم يكن كلاماً ، لو قلت : هذا رجل مع امرأةٍ مُلازِمِها ، كان لـحناً ، حتـى ترفع ، فتقول ملازمُها ، أو تقول مُلازمِهَا هُو ، فتـجرّ . وكان بعض نـحويـي الكوفة يقول : لو جعلت « غير » فـي قوله : { غَيرَ ناظِرِينَ إناهُ } خفضاً كان صوابـاً ، لأن قبلها الطعام وهو نكرة ، فـيجعل فعلهم تابعا للطعام ، لرجوع ذكر الطعام فـي إناه ، كما تقول العرب : رأيت زيداً مع امرأةٍ مـحسناً إلـيها ومـحسنٍ إلـيها ، فمن قال مـحسناً جعله من صفة زيد ، ومن خفضه فكأنه قال : رأيته مع التـي يحسن إلـيها فإذا صارت الصلة للنكرة أتبعتها وإن كانت فعلاً لغير النكرة ، كما قال الأعشى : @ فَقُلْتُ لَهُ هَذِهِ هاتِها إلَـيْنا بِأَدْماءَ مُقْتادِها @@ فجعل الـمقتاد تابعاً لإعراب بأدماء ، لأنه بـمنزلة قولك : بأدماء تقتادها ، فخفضه ، لأنه صلة لها ، قال : ويُنْشَد : « بأدماءِ مقتادِها » بخفض الأدماء لإضافتها إلـى الـمقتاد ، قال : ومعناه : هاتها علـى يدي من اقتادها . وأنشد أيضا : @ وَإنَّ امْرَأً أهْدَى إلَـيْكِ ودُونَهُ مِن الأرْضِ مَوْماةٌ وَبَـيْداءُ فَـيْهَقُ لَـمَـحْقُوقَةٌ أنْ تَسْتَـجِيبـي لِصَوْتِهِ وأنْ تعْلَـمي أنَّ الـمُعانَ مُوَفَّقُ @@ وحُكِي عن بعض العرب سَمَاعاً يُنْشِد : @ أرأيْتِ إذْ أعْطَيْتُكِ الوُدَّ كُلَّه ولـمْ يَكُ عِنْدي إنْ أَبَـيْتِ إبـاءُ أمُسْلِـمَتِـي للْـمَوْتِ أنْتِ فَمَيِّتٌ وَهَلْ للنُّفُوسِ الـمُسْلِـماتِ بَقاءُ @@ ولـم يقل : فميت أنا ، وقال الكسائي : سمعت العرب تقول : يدك بـاسطها ، يريدون أنت ، وهو كثـير فـي الكلام ، قال : فعلـى هذا يجوز خفض « غير » . والصواب من القول فـي ذلك عندنا ، القول بأجازة جرّ « غير » فـي « غير ناظرين » فـي الكلام ، لا فـي القراءة ، لـما ذكرنا من الأبـيات التـي حكيناها فأما فـي القراءة فغير جائز فـي « غير » غير النصب ، لإجماع الـحجة من القرّاء علـى نصبها . وقوله : { وَلَكِنْ إذاً دُعِيتُـمْ فـادْخُـلُوا } يقول : ولكن إذا دعاكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فـادخـلوا البـيت الذي أذن لكم بدخوله { فإذَا طَعِمْتُـمْ فـانْتَشِرُوا } يقول : فإذا أكلتـم الطعام الذي دعيتـم لأكله فـانتشروا ، يعنـي فتفرّقوا واخرجوا من منزله . { وَلا مُسْتأْنِسِينَ لِـحَدِيثٍ } فقوله : { وَلا مُسْتأْنِسينَ لِـحَديثٍ } فـي موضع خفض عطفـاً به علـى ناظرين ، كما يقال فـي الكلام : أنت غير ساكت ولا ناطق . وقد يحتـمل أن يقال : « مستأنسين » فـي موضع نصب عطفـاً علـى معنى ناظرين ، لأن معناه : إلا أن يؤذن لكم إلـى طعام لا ناظرين إناه ، فـيكون قوله : { وَلا مُسْتأْنِسِينَ } نصبـاً حينئذ ، والعرب تفعل ذلك إذا حالت بـين الأوّل والثانـي ، فتردّ أحيانا علـى لفظ الأوّل ، وأحياناً علـى معناه ، وقد ذكر الفراء أن أبـا القمقام أنشده : @ أجِدَّك لَسْتَ الدَّهْرَ رَائيَ رَامَةٍ وَلا عاقِلٍ إلاَّ وأنْتَ جَنِـيبُ وَلا مُصْعِدٍ فِـي الـمُصْعِدِينَ لَـمِنْعِجٍ وَلا هابِطا ما عِشْتُ هَضْبَ شَطِيبِ @@ فردّ « مصعد » علـى أن « رائي » فـيه بـاء خافضة ، إذ حال بـينه وبـين الـمصعد مـما حال بـينهما من الكلام . ومعنى قوله : { وَلا مُسْتأْنِسِينَ لِـحَدِيثٍ } : ولا متـحدّثـين بعد فراغكم من أكل الطعام إيناساً من بعضكم لبعض به ، كما : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد { وَلا مُسْتأْنِسِينَ لِـحَدِيثٍ } بعد أن تأكلوا . واختلف أهل العلـم فـي السبب الذي نزلت هذه الآية فـيه ، فقال بعضهم : نزلت بسبب قوم طعموا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي ولـيـمة زينب بنت جحش ، ثم جلسوا يتـحدّثون فـي منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبرسول الله صلى الله عليه وسلم إلـى أهله حاجة ، فمنعه الـحياء من أمرهم بـالـخروج من منزله . ذكر من قال ذلك : حدثنـي عمران بن موسى القزاز ، قال : ثنا عبد الوارث ، قال : ثنا عبد العزيز بن صُهَيب ، عن أنس بن مالك ، قال : بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش ، فبعثت داعياً إلـى العطام ، فدعوت ، فـيجيء القوم يأكلون ويخرجون ثم يجيء القوم يأكلون ويخرجون ، فقلت : يا نبـيّ الله قد دعوت حتـى ما أجد أحداً أدعوه ، قال : " ارفعوا طعامكم " ، وإن زينب لـجالسة فـي ناحية البـيت ، وكانت قد أعطيت جمالاً ، وبقـي ثلاثة نفر يتـحدّثون فـي البـيت ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم منطلقاً نـحو حجرة عائشة ، فقال : " السَّلامُ عَلَـيْكُمْ أهْلَ البَـيْتِ " فقالوا : وعلـيك السلام يا رسول الله ، كيف وجدت أهلك ؟ قال : فأتـى حجر نسائه ، فقالوا مثل ما قالت عائشة ، فرجع النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، فإذا الثلاثة يتـحدّثون فـي البـيت ، وكان النبـيّ صلى الله عليه وسلم شديد الـحياء ، فخرج النبـيّ صلى الله عليه وسلم منطلقاً نـحو حجرة عائشة ، فلا أدري أَخبرَتْه ، أو أُخبر أن الرهط قد خرجوا ، فرجع حتـى وضع رجله فـي أُسكفَّة داخـل البـيت ، والأخرى خارجه ، إذ أرخى الستر بـينـي وبـينه ، وأُنزلت آية الـحجاب . حدثنـي أبو معاوية بشر بن دحية ، قال : ثنا سفـيان ، عن الزهريّ ، عن أنس بن مالك ، قال : سألنـي أبـيّ بن كعب عن الـحجاب ، فقلت : أنا أعلـم الناس به ، نزلت فـي شأن زينب أولـم النبـيّ صلى الله عليه وسلم علـيها بتـمر وسويق ، فنزلت : { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُـلُوا بُـيُوتَ النَّبِـيّ إلاَّ أنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ } إلـى قوله : { ذَلِكُمْ أطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } . حدثنـي أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، قال : ثنـي عمي ، قال : أخبرنـي يونس ، عن الزهريّ ، قال : أخبرنـي أنس بن مالك أنه كان ابن عشر سنـين مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلـى الـمدينة ، فكنت أعلـم الناس بشأن الـحجاب حين أنزل فـي مبتنـي رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم بها عروساً ، فدعا القوم فأصابوا من الطعام حتـى خرجوا ، وبقـي منهم رهط عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطالوا الـمكث ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج ، وخرجت معه لكي يخرجوا ، فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشيت معه ، حتـى جاء عتبة حجرة عائشة زوج النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، ثم ظنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قد خرجوا ، فرجع ورجعت معه ، حتـى دخـل علـى زينب ، فإذا هم جلوس لـم يقوموا ، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجعت معه ، فإذا هم قد خرجوا ، فضرب بـينـي وبـينه ستراً ، وأنزل الـحجاب . حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا ابن أبـي عديّ ، عن حميد ، عن أنس ، قال : دعوت الـمسلـمين إلـى ولـيـمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صبـيحة بنى بزينب بنت جحش ، فأوسعهم خبزاً ولـحماً ، ثم رجع كما كان يصنع ، فأتـى حجر نسائه فسلـم علـيهنّ ، فدعون له ، ورجع إلـى بـيته وأنا معه فلـما انتهينا إلـى البـاب إذا رجلان قد جرى بهما الـحديث فـي ناحية البـيت ، فلـما أبصرهما ولـى راجعاً فلـما رأيا النبـيّ صلى الله عليه وسلم ولَّـى عن بـيته ، ولَّـيا مُسْرِعين ، فلا أدري أنا أخبرته ، أو أُخبر فرجع إلـى بـيته ، فأرخى الستر بـينـي وبـينه ، ونزلت آية الـحجاب . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا ابن أبـي عديّ ، عن حميد ، عن أنس بن مالك ، قال : قال عمر بن الـخطاب : قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لو حجبت عن أمهات الـمؤمنـين ، فإنه يدخـل علـيك البرّ والفـاجر ، فنزلت آية الـحجاب . حدثنـي القاسم بن بشر بن معروف ، قال : ثنا سلـيـمان بن حرب ، قال : ثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن أبـي قلابة ، عن أنس بن مالك ، قال : أنا أعلـم الناس بهذه الآية ، آية الـحجاب لـما أُهديت زينب إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع طعاماً ، ودعا القوم ، فجاؤوا فدخـلوا وزينب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي البـيت ، وجعلوا يتـحدّثون ، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج ثم يدخـل وهم قعود ، قال : فنزلت هذه الآية : { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُـلُوا بُـيُوتَ النَّبِـيّ } … إلـى : { فـاسأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجابٍ } قال : فقام القوم وضرب الـحجاب . حدثنـي عمر بن إسماعيـل بن مـجالد ، قال : ثنا أبـي ، عن بـيان ، عن أنس بن مالك ، قال : بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بـامرأة من نسائه ، فأرسلنـي ، فدعوت قوماً إلـى الطعام فلـما أكلوا وخرجوا ، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم منطلقاً قِبَلَ بـيت عائشة ، فرأى رجلـين جالسين ، فـانصرف راجعاً ، فأنزل الله : { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُـلُوا بُـيُوتَ النَّبِـيّ إلاَّ أنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ } . حدثنا عمرو بن علـيّ ، قال : ثنا أبو داود ، قال : ثنا الـمسعودي ، قال : ثنا ابن نهشل ، عن أبـي وائل ، عن عبد الله ، قال : أمر عمر نساء النبـيّ صلى الله عليه وسلم بـالـحجاب ، فقالت زينب : يا بن الـخطاب ، إنك لتغار علـينا ، والوحي ينزل فـي بـيوتنا ، فأنزل الله : { وَإذَا سألْتُـمُوهُنَّ مَتاعاً فـاسأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجابٍ } . حدثنـي مـحمد بن مرزوق ، قال : ثنا أشهل بن حاتـم ، قال : ثنا ابن عون ، عن عمرو بن سعد ، عن أنس ، قال : وكنت مع النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، وكان يـمرّ علـى نسائه ، قال : فأتـى بـامرأة عروس ، ثم جاء وعندها قوم ، فـانطلق فقضى حاجته ، واحتبس وعاد وقد خرجوا قال : فدخـل فأرخى بـينـي وبـينه سترا ، قال : فحدثت أبـا طلـحة ، فقال : إن كان كما تقول : لـينزلنّ فـي هذا شيء ، قال : ونزلت آية الـحجاب . وقال آخرون : كان ذلك فـي بـيت أمّ سلـمة . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : { وَلَكِنْ إذَا دُعِيُتـمْ فـادْخُـلُوا فإذَا طَعِمْتُـمْ فـانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسينَ لِـحَدِيثٍ } قال : كان هذا فـي بـيت أمّ سلـمة ، قال : أكلوا ، ثم أطالوا الـحديث ، فجعل النبـيّ صلى الله عليه وسلم يدخـل ويخرج ويستـحي منهم ، والله لا يستـحي من الـحق . قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { وَإذَا سألْتُـمُوهُنَّ مَتاعاً فـاسأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجابٍ } قال : بلغنا أنهنّ أُمرن بـالـحجاب عند ذلك . وقوله : { إنَّ ذَلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِـيَّ } . يقول : إن دخولكم بـيوت النبـيّ من غير أن يؤذن لكم ، وجلوسكم فـيها مستأنسين للـحديث بعد فراغكم من أكل الطعام الذي دعيتـم له ، كان يؤذي النبـيّ ، فـيستـحي منكم أن يخرجكم منها إذا قعدتـم فـيها للـحديث بعد الفراغ من الطعام ، أو يـمنعكم من الدخول إذا دخـلتـم بغير إذن مع كراهيته لذلك منكم { وَاللَّهُ لا يَسْتـحْيِ مِنَ الـحَقّ } أن يتبـين لكم ، وإن استـحيا نبـيكم فلـم يبـين لكم كراهية ذلك حياء منكم { وَإذَا سألْتَـمُوهُنَّ مَتاعاً فـاسأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجابٍ } يقول : وإذا سألتـم أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونساء الـمؤمنـين اللواتـي لسن لكم بأزواج متاعاً { فـاسأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجاب } يقول : من وراء ستر بـينكم وبـينهنّ ، ولا تدخـلوا علـيهنّ بـيوتهنّ { ذَلِكُمْ أطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } يقول تعالـى ذكره : سؤالكم إياهنّ الـمتاع إذا سألتـموهنّ ذلك من وراء حجاب أطهر لقلوبكم وقلوبهنّ من عوارض العين فـيها التـي تعرض فـي صدور الرجال من أمر النساء ، وفـي صدور النساء من أمر الرجال ، وأحرى من أن لا يكون للشيطان علـيكم وعلـيهنّ سبـيـل . وقد قـيـل : إن سبب أمر الله النساء بـالـحجاب ، إنـما كان من أجل أن رجلاً كان يأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة معهما ، فأصابت يدها يد الرجل ، فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يعقوب ، قال : ثنا هشيـم ، عن لـيث ، عن مـجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطعم ومعه بعض أصحابه ، فأصابت يد رجل منهم يد عائشة ، فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت آية الـحجاب . وقـيـل : نزلت من أجل مسألة عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كُرَيب ويعقوب ، قالا : ثنا هشيـم ، قال : ثنا حميد الطويـل ، عن أنس ، قال : قال عمر بن الـخطاب : قلت : يا رسول الله ، إن نساءك يدخـل علـيهنّ البرّ والفـاجر ، فلو أمرتهن أن يحتـجبن ؟ قال : فنزلت آية الـحجاب . حدثنـي يعقوب ، قال : ثنا ابن علـية ، قال : ثنا حميد ، عن أنس ، عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم بنـحوه . حدثنـي أحمد بن عبد الرحمن ، قال : ثنـي عمرو بن عبد الله بن وهب ، قال : ثنـي يونس ، عن الزهريّ ، عن عروة ، عن عائشة قالت : إن أزواج النبـيّ صلى الله عليه وسلم كنّ يخرجن بـاللـيـل إذا تبرّزن إلـى « الـمناصع » وهو صعيد أفـيح ، وكان عمر يقول : يا رسول الله ، احجب نساءك ، فلـم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ، فخرجت سودة بنت زمعة ، زوج النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، وكانت امرأة طويـلة ، فناداها عمر بصوته الأعلـى : قد عرفناك يا سودة ، حرصاً أن ينزل الـحجاب ، قال : فأنزل الله الـحجاب . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن نـمير ، عن هشام بن عروة ، عن أبـيه ، عن عائشة ، قالت : خرجت سودة لـحاجتها بعد ما ضرب علـينا الـحجاب ، وكانت امرأة تفرع النساء طولاً ، فأبصرها عمر ، فناداها : يا سودة ، إنك والله ما تـخفـين علـينا ، فـانظري كيف تـخرجين ، أو كيف تصنعين ؟ فـانكفأت فرجعت إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه لـيتعشى ، فأخبرته بـما كان ، وما قال لها ، وإن فـي يده لعَرْقاً ، فأوحي إلـيه ، ثم رفع عنه ، وإن العَرْق لفـي يده ، فقال : " لقد أُذن لكنّ أن تـخرجن لـحاجتكنّ " حدثنـي أحمد بن مـحمدالطوسي ، قال : ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، قال : ثنا همام ، قال : ثنا عطاء بن السائب ، عن أبـي وائل ، عن ابن مسعود ، قال : أمر عمر نساء النبـيّ صلى الله عليه وسلم بـالـحجاب فقالت زينب : يا ابن الـخطاب ، إنك لتغار علـينا والوحي ينزل فـي بـيوتنا ؟ فأنزل الله : وَإذَا سألْتُـمُوهُنَّ مَتاعا فـاسأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجابٍ . حدثنـي أبو أيوب النهرانـي سلـيـمان بن عبد الـحميد ، قال : ثنا يزيد بن عبد ربه ، قال : ثنـي ابن حرب ، عن الزبـيدي ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة أن أزواج النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، كنّ يخرجن بـاللـيـل إذا تبرّزن إلـى « الـمناصع » وهو صعيد أفـيح وكان عمر بن الـخطاب يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم : احجب نساءك ، فلـم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبـيّ صلى الله عليه وسلم لـيـلة من اللـيالـي عشاء ، وكانت امرأة طويـلة ، فناداها عمر بصوته الأعلـى : قد عرفناك يا سودة ، حرصاً علـى أن ينزل الـحجاب ، قالت عائشة : فأنزل الله الـحجاب ، قال الله : { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُـلُوا } … الآية . وقوله : { وَما كانَ لَكُمْ أنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ } يقول تعالـى ذكره : وما ينبغي لكم أن تؤذوا رسول الله ، وما يصلـح ذلك لكم { وَلا أنْ تَنْكِحُوا أزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أبَداً } يقول : وما ينبغي لكم أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً لأنهنّ أمهاتكم ، ولا يحلّ للرجل أن يتزوّج أمه . وذُكر أن ذلك نزل فـي رجل كان يدخـل قبل الـحجاب ، قال : لئن مات مـحمد لأتزوجنّ امرأة من نسائه سماها ، فأنزل الله تبـارك وتعالـى فـي ذلك : { وَما كانَ لَكُمْ أن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أنْ تَنْكِحُوا أزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أبَداً } . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد فـي قوله : { وَما كانَ لَكُمْ أنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أنْ تَنْكِحُوا أزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أبَدا إنَّ ذَلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيـماً } قال : ربـما بلغ النبـيّ صلى الله عليه وسلم أن الرجل يقول : لو أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم توفـي تزوّجت فلانة من بعده ، قال : فكان ذلك يؤذي النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، فنزل القرآن : { وَما كانَ لَكُمْ أنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ } . … الآية . حدثنا مـحمد بن الـمثنى ، قال : ثنا عبد الوهاب ، قال : ثنا داود ، عن عامر أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم مات ، وقد ملك قـيـلة بنت الأشعث ، فتزوّجها عكرمة بن أبـي جهل بعد ذلك ، فشقّ علـى أبـي بكر مشقة شديدة ، فقال له عمر : يا خـلـيفة رسول الله إنها لـيست من نسائه إنها لـم يخيرِّها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولـم يحجبها ، وقد برأها منه بـالردّة التـي ارتدّت مع قومها ، فـاطمأنّ أبو بكر وسكن . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا عبد الأعلـى ، قال : ثنا داود ، عن عامر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفـي وقد ملك بنت الأشعث بن قـيس ، ولـم يجامعها ، ذكر نـحوه . وقوله : { إنَّ ذَلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيـماً } يقول : إن أذاكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونكاحكم أزواجه من بعده عند الله عظيـم من الإثم .