Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 52-52)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : وقال هؤلاء الـمشركون حين عاينوا عذاب الله آمنا به ، يعنـي : آمنا بـالله وبكتابه ورسوله . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { وَقالُوا آمَنَّا بِهِ } قالوا : آمنا بـالله . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { قالُوا آمَنَّا بِهِ } عند ذلك ، يعنـي : حين عاينوا عذاب الله . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَقالُوا آمَنَّا بِهِ } بعد القتل وقوله { وأنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ } يقول : ومن أيّ وجه لهم التناوش . واختلفت قرّاء الأمصار فـي ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة { التَّناوُشُ } بغير همز ، بـمعنى : التناول وقرأته عامة قرّاء الكوفة والبصرة : « التَّناؤُشُ » بـالهمز ، بـمعنى : التنؤُّش ، وهو الإبطاء ، يقال منه : تناءشت الشيء : أخذته من بعيد ، ونشته : أخذته من قريب ومن التنؤُّش قول الشاعر : @ تَـمَنَّى نَئِيشاً أنْ يكُونَ أطاعَنِـي وَقَدْ حَدَثَتْ بَعْدَ الأمُورِ أمُورُ @@ ومن النَّوْش قول الراجز : @ فَهْيَ تَنُوشُ الـحَوْضَ نَوْشاً مِنْ عَلا نَوْشاً بِهِ تَقْطَعُ أجْوَازَ الفَلا @@ ويقال للقوم فـي الـحرب ، إذا دنا بعضهم إلـى بعض بـالرماح ولـم يتلاقوا : قد تناوش القوم . والصواب من القول فـي ذلك عندي أن يقال : إنهما قراءتان معروفتان فـي قرّاء الأمصار ، متقاربتا الـمعنى ، وذلك أن معنى ذلك : وقالوا آمنا بـالله ، فـي حين لا ينفعهم قـيـل ذلك ، فقال الله { وأنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ } أي وأين لهم التوبة والرجعة : أي قد بعدت عنهم ، فصاروا منها كموضع بعيد أن يتناولوها وإنـما وصفت ذلك الـموضع بـالبعيد ، لأنهم قالوا ذلك فـي القـيامة ، فقال الله : أنـي لهم بـالتوبة الـمقبولة ، والتوبة الـمقبولة إنـما كانت فـي الدنـيا ، وقد ذهبت الدنـيا فصارت بعيداً من الآخرة ، فبأية القراءتـين اللتـين ذكرت قرأ القارىء فمصيب الصواب فـي ذلك . وقد يجوز أن يكون الذين قرؤوا ذلك بـالهمز همزوا ، وهم يريدون معنى من لـم يهمز ، ولكنهم همزوه لانضمام الواو فقلبوها ، كما قـيـل : { وَإذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ } فجعلت الواو من وُقتت ، إذا كانت مضمومة همزوه . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا ابن عطية ، قال : ثنا إسرائيـل ، عن أبـي إسحاق ، عن التـميـمي ، قال : قلت لابن عبـاس : أرأيت قول الله : { وأنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ } قال : يسألون الردّ ، ولـيس بحين ردّ . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن أبـي إسحاق ، عن التـميـمي ، عن ابن عبـاس نـحوه . حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله { وأنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ } يقول : فكيف لهم بـالردّ . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد { وأنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ } قال : الردّ . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد { وأنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ } قال : التناول { مِنْ مَكانٍ بَعيد } . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وأنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ } قال : هؤلاء قتلـى أهل بدر من قتل منهم ، وقرأ : { وَلَوْ تَرَى إذْ فَزِعُوا فَد فَوْتَ وأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ وَقالُوا آمَنَّا بِهِ } … الآية ، قال : التناوش : التناول ، وأنَّى لهم تناول التوبة من مكان بعيد ، وقد تركوها فـي الدنـيا ، قال : وهذا بعد الـموت فـي الآخرة . قال : وقال ابن زيد فـي قوله { وَقالُوا آمَنَّا بِهِ } بعد القتل { وأنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعيدٍ } وقرأ : { وَلا الَّذِينَ يَـمُوتونَ وَهُمْ كُفَّـارٌ } قال : لـيس لهم توبة ، وقال : عرض الله علـيهم أن يتوبوا مرّة واحدة ، فـيقبلها الله منهم ، فأبوا ، أو يعرضون التوبة بعد الـموت ، قال : فهم يعرضونها فـي الآخرة خمس عرضات ، فـيأبى الله أن يقبلها منهم قال : والتائب عند الـموت لـيست له توبة { وَلَوْ تَرَى إذْ وُقِـفُوا علـى النَّارِ فَقالُوا يا لَـيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذّبَ بآياتِ رَبِّنا … } الآية ، وقرأ : { رَبَّنا أبْصَرْنا وَسمعْنا فـارْجِعْنا نَعْمَلْ صَالِـحاً إنَّا مُوقِنُونَ } حدثنا عمرو بن عبد الـحميد ، قال : ثنا مروان ، عن جُويبر ، عن الضحاك ، فـي قوله : { وأنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ } قال : وأنى لهم الرجعة . وقوله : { مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ } يقول : من آخرتهم إلـى الدنـيا ، كما : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ } من الآخرة إلـى الدنـيا .