Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 11-11)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : { وَاللّهُ خَـلَقَكُمْ } أيها الناس { مِنْ تُرابٍ } يعنـي بذلك أنه خـلق أبـاهم آدم من تراب ، فجعل خـلق أبـيهم منه لهم خـلقاً { ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ } يقول : ثم خـلقكم من نطفة الرجل والـمرأة { ثُمَّ جَعَلَكُمْ أزْوَاجاً } يعنـي أنه زوّج منهم الأنثى من الذكر . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَاللّهُ خَـلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ } يعنـي آدم { ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ } يعنـي ذرّيته { ثُمَّ جَعَلَكُمْ أزْوَاجاً } فزوّج بعضكم بعضاً . وقوله : { وَما تَـحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إلاَّ بعِلْـمِهِ } يقول تعالـى ذكره : وما تـحمل من أنثى منكم أيها الناس من حمل ولا نطفة إلاَّ وهو عالـم بحملها إياه ووضعها ، وما هو ؟ ذكر أو أنثى ؟ لا يخفـى علـيه شيء من ذلك . وقوله : { وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إلاَّ فِـي كِتابٍ } اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : وما يعمر من معمر فـيطول عمره ، ولا ينقص من عمر آخر غيره عن عمر هذا الذي عمّر عمراً طويلاً { إلاَّ فِـي كِتابٍ } عنده مكتوب قبل أن تـحمل به أمه ، وقبل أن تضعه ، قد أحصى ذلك كله وعلـمه قبل أن يخـلقه ، لا يُزاد فـيـما كتب له ولا ينقص . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ … } إلـى { يَسِيرٌ } يقول : لـيس أحد قضيت له طول العمر والـحياة إلاَّ وهو بـالِغ ما قدّرت له من العمر ، وقد قضيت ذلك له ، وإنـما ينتهي إلـى الكتاب الذي قدّرت له ، لا يزاد علـيه ولـيس أحد قضيت له أنه قصير العمر والـحياة ببـالغ العمر ، ولكن ينتهي إلـى الكتاب الذي قدّرت له لا يزاد علـيه ، فذلك قوله : { وَلا يُنْقَصُ مِنْ عمُرِهِ إلاَّ فِـي كِتابٍ } يقول : كلّ ذلك فـي كتاب عنده . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : من قضيت له أن يعمر حتـى يُدركه الكبر ، أو يعمر أنقص من ذلك ، فكلّ بـالغ أجله الذي قد قضى له ، كلّ ذلك فـي كتاب . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إلاَّ فِـي كِتابٍ } قال : ألا ترى الناس : الإنسانُ يعيش مئة سنة ، وآخرُ يـموت حين يولد ؟ فهذا هذا . فـالهاء التـي فـي قوله { وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ } علـى هذا التأويـل وإن كانت فـي الظاهر أنها كناية عن اسم الـمْعَمَّر الأوّل ، فهي كناية اسم آخر غيره ، وإنـما حسُن ذلك لأن صاحبها لو أظهر لظهر بلفظ الأوّل ، وذلك كقولهم : عندي ثوب ونصفه ، والـمعنى : ونصف الآخر . وقال آخرون : بل معنى ذلك : وما يُعمَّر من معمَّر ولا ينقص من عمره بفناء ما فنـي من أيام حياته ، فذلك هو نقصان عمره . والهاء علـى هذا التأويـل للـمُعَمَّر الأوّل ، لأن معنى الكلام : ما يطوّل عمر أحد ، ولا يذهب من عمره شيء ، فـيُنْقَص إلاَّ وهو فـي كتاب عبد الله مكتوب قد أحصاه وعلـمه . ذكر من قال ذلك : حدثنـي أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس ، قال : ثنا عبثر ، قال : ثنا حصين ، عن أبـي مالك فـي هذه الآية : { وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إلاَّ فِـي كِتابٍ } قال : ما يقضي كم أيامه التـي عددت له إلاَّ فـي كتاب . وأولـى التأويـلـين فـي ذلك عندي الصواب ، التأويـل الأوّل وذلك أن ذلك هو أظهر معنـيـيه ، وأشبههما بظاهر التنزيـل . وقوله : { إنَّ ذلكَ علـى اللّهِ يَسيرٌ } : يقول تعالـى ذكره : إن إحصاء أعمار خـلقه علـيه يسير سهل ، طويـلُ ذلك وقصيره ، لا يتعذّر علـيه شيء منه .