Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 19-23)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : { وَما يَسْتَوِي الأعْمَى } عن دين الله الذي ابتعث به نبـيه مـحمداً صلى الله عليه وسلم { والبَصِيرُ } الذي قد أبصر فـيه رشده ، فـاتبع مـحمداً وصدّقه ، وقبل عن الله ما ابتعثه به { وَلا الظُّلُـماتُ } يقول : وما تستوي ظلـمات الكفر ، ونور الإيـمان { وَلا الظِّلُّ } قـيـل : ولا الـجنة { وَلا الـحَرُورُ } قـيـل : النار ، كأن معناه عندهم : وما تستوي الـجنة والنار والـحَرُور بـمنزلة السَّموم ، وهي الرياح الـحارّة . وذكر أبو عبـيدة مَعْمَر بن الـمثنى ، عن رُؤْبة بن العَجَّاج ، أنه كان يقول : الـحَرور بـاللـيـل ، والسموم بـالنهار . وأما أبو عبـيدة فإنه قال : الـحَرور فـي هذا الـموضع والنهار مع الشمس . وأما الفراء فإنه كان يقول : الـحَرُور يكون بـاللـيـل والنهار ، والسَّموم لا يكون بـاللـيـل إنـما يكون بـالنهار . والقول فـي ذلك عندي ، أن الـحَرور يكون بـاللـيـل والنهار ، غير أنه فـي هذا الـموضع بأن يكون كما قال أبو عبـيدة : أشبه مع الشمس ، لأن الظلّ إنـما يكون فـي يوم شمس ، فذلك يدلّ علـى أنه أريد بـالـحَرور : الذي يوجد فـي حال وجود الظلّ . وقوله : { وَما يَسْتَوِي الأحْياءُ وَلا الأمْوَاتُ } يقول : وما يستوي الأحياء القلوب بـالإيـمان بـالله ورسوله ، ومعرفة تنزيـل الله ، والأموات القلوب لغلبة الكفر علـيها ، حتـى صارت لا تعقل عن الله أمره ونهيه ، ولا تعرف الهدى من الضلال وكلّ هذه أمثال ضربها الله للـمؤمن والإيـمان ، والكافر والكفر . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَما يَسْتَوِي الأعْمَى والبَصِيرُ … } الآية ، قال : هو مَثَل ضربه الله لأهل الطاعة وأهل الـمعصية . يقول : وما يستوي الأعمى والظلـمات والـحرور ، ولا الأموات ، فهو مَثَل أهل الـمعصية . ولا يستوي البصير ولا النور ، ولا الظلّ والأحياء ، فهو مثل أهل الطاعة . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَما يَسْتَوِي الأعْمَى … } الآية خـلقاً ، فضل بعضه علـى بعض فأما الـمؤمن فعبد حيّ الأثر ، حيّ البصر ، حيّ النـية ، حيّ العمل . وأما الكافر فعبد ميت ، ميت البصر ، ميت القلب ، ميت العمل . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَما يَسْتَوِي الأعْمَى والبَصِيرُ وَلا الظُّلُـماتُ وَلا النُّورُ وَلا الظِّلُّ وَلا الـحَرُورُ وَما يَسْتَوِي الأحْياءُ وَلا الأمْوَاتُ } قال : هذا مثل ضربه الله فـالـمؤمن بصير فـي دين الله ، والكافر أعمى ، كما لا يستوي الظلّ ولا الـحَرور ، ولا الأحياء ولا الأموات ، فكذلك لا يستوي هذا الـمؤمن الذي يبصر دينه ، ولا هذا الأعمى ، وقرأ : { أوَ مَنْ كانَ مَيْتاً فأَحْيَـيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَـمْشِي بِهِ فِـي النَّاسِ } قال : الهُدى الذي هداه الله به ونوّر له . هذا مثل ضربه الله لهذا الـمؤمن الذي يبصر دينه ، وهذا الكافر الأعمى ، فجعل الـمؤمن حياً ، وجعل الكافر ميتاً ، ميت القلب { أوَ مَنْ كانَ مَيْتاً فأَحْيَـيْناهُ } قال : هديناه إلـى الإسلام كمن مثله فـي الظلـمات أعمى القلب ، وهو فـي الظلـمات ، أهذا وهذا سواء ؟ واختلف أهل العربـية فـي وجه دخول « لا » مع حرف العطف فـي قوله : { وَلا الظُّلُـماتُ وَلا النُّورُ وَلا الظِّلُّ وَلا الـحَرُورُ } فقال بعض نـحويِّـي البصرة : قال : ولا الظلّ ولا الـحَرور ، فـيشبه أن تكون « لا » زائدة ، لأنك لو قلت : لا يستوي عمرو ولا زيد فـي هذا الـمعنى لـم يجز إلاَّ أن تكون « لا » زائدة وكان غيره يقول : إذا لـم تدخـل « لا » مع الواو ، فإنـما لـم تدخـل اكتفـاء بدخولها فـي أوّل الكلام ، فإذا أدخـلت فإنه يراد بـالكلام أن كلّ واحد منهما لا يساوي صاحبه ، فكان معنى الكلام إذا أعيدت « لا » مع الواو عند صاحب هذا القول : لا يساوي الأعمى البصير ولا يساوي البصير الأعمى ، فكلّ واحد منهما لا يساوي صاحبه . وقوله : { إنَّ اللّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أنْتَ بِـمُسْمِعٍ مَنْ فِـي القُبُورِ } يقول تعالـى ذكره : كما لا يقدر أن يسمع من فـي القبور كتاب الله ، فـيهديهم به إلـى سبـيـل الرشاد ، فكذلك لا يقدر أن ينفع بـمواعظ الله ، وبـيان حُججه ، من كان ميت القلب من أحياء عبـاده ، عن معرفة الله ، وفهم كتابه وتنزيـله ، وواضح حججه ، كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { إنَّ اللّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أنْتَ بِـمُسْمِعٍ مَنْ فِـي القُبُورِ } كذلك الكافر لا يسمع ، ولا ينتفع بـما يسمع . وقوله : { إنْ أنْتَ إلاَّ نَذِيرٌ } يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : ما أنت إلاَّ نذير تُنذر هؤلاء الـمشركين بـالله ، الذين طبع الله علـى قلوبهم ، ولـم يُرسِلك ربك إلـيهم إلاَّ لتبلغهم رسالته ، ولـم يكلفك من الأمر ما لا سبـيـل لك إلـيه فأما اهتداؤهم وقبولهم منك ما جئتهم به ، فإن ذلك بـيد الله لا بـيدك ، ولا بـيد غيرك من الناس ، فلا تذهب نفسُك علـيهم حَسَراتٍ إن هم لـم يستـجيبوا لك .