Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 19-21)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : قالت الرسل لأصحاب القرية : { طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أئِنْ ذُكِّرْتُـمْ } يقولون : أعمالكم وأرزاقكم وحظُّكم من الـخير والشرّ مَعكم ، ذلك كله فـي أعناقكم ، وما ذلك من شؤمنا إن أصابكم سوء فـيـما كتب علـيكم ، وسبق لكم من الله . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، { قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ } : أي أعمالكم معكم . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق فـيـما بلغه عن ابن عبـاس ، وعن كعب ، وعن وهب بن منبه ، قالت لهم الرسل : { طائِرُكُمْ مَعَكُمْ } : أي أعمالكم معكم . وقوله : { أئِنْ ذُكِّرْتُـمْ } اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار { أئِنْ ذُكِّرْتُـمْ } بكسر الألف من « إنْ » وفتـح ألف الاستفهام : بـمعنى إن ذكرناكم فمعكم طائركم ، ثم أدخـل علـى « إن » التـي هي حرف جزاء ألفَ استفهام فـي قول بعض نـحويّـي البصرة ، وفـي قول بعض الكوفـيـين منويّ به التكرير ، كأنه قـيـل : قالوا طائركم معكم إن ذُكِّرتـم فمعكم طائركم ، فحذف الـجواب اكتفـاء بدلالة الكلام علـيه . وإنـما أنكر قائل هذا القول القول الأوّل ، لأن ألف الاستفهام قد حالت بـين الـجزاء وبـين الشرط ، فلا تكون شرطاً لـما قبل حرف الاستفهام . وذُكر عن أبـي رَزِين أنه قرأ ذلك : { أئِنْ ذُكِّرْتُـمْ } بـمعنى : ألأِن ذُكِّرتُـم طائركم معكم ؟ . وذُكر عن بعض قارئيه أنه قرأه : « قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أيْنَ ذُكِرْتُـمْ » بـمعنى : حيث ذُكِرتـم بتـخفـيف الكاف من ذُكِرْتـم . والقراءة التـي لا نـجيز القراءة بغيرها القراءة التـي علـيها قرّاء الأمصار ، وهي دخول ألف الاستفهام علـى حرف الـجزاء ، وتشديد الكاف علـى الـمعنى الذي ذكرناه عن قارئيه كذلك ، لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { أئِنْ ذُكِّرْتُـمْ } : أي إن ذكَّرناكم اللّهَ تطيرتـم بنا ؟ { بَلْ أنْتُـمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ } . وقوله : { بَلْ أنْتُـمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ } يقول : قالوا لهم : ما بكم التطَيُّر بنا ، ولكنكم قومٌ أهل معاص لله وآثام ، قد غلبت علـيكم الذنوب والآثام . وقوله : { وَجاءَ مِنْ أقْصَى الـمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى } يقول : وجاء من أقصى مدينة هؤلاء القوم الذين أرسلت إلـيهم هذه الرسل رجل يسعى إلـيهم وذلك أن أهل الـمدينة هذه عزموا ، واجتـمعت آراؤهم علـى قتل هؤلاء الرسل الثلاثة فـيـما ذُكِر ، فبلغ ذلك هذا الرجل ، وكان منزله أقصَى الـمدينة ، وكان مؤمناً ، وكان اسمه فـيـما ذُكر « حبـيب بن مري » . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك جاءت الأخبـار . ذكر الأخبـار الواردة بذلك : حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا مؤمل بن إسماعيـل ، قال : ثنا سفـيان ، عن عاصم الأحول ، عن أبـي مُـجَلِّز ، قال : كان صاحب يس « حبـيب بن مري » . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، قال : كان من حديث صاحب يس فـيـما حدثنا مـحمد بن إسحاق فـيـما بلغه ، عن ابن عبـاس ، وعن كعب الأحبـار وعن وهب بن منبه الـيـمانـيّ أنه كان رجلاً من أهل أنطاكية ، وكان اسمه « حبـيبـاً » ، وكان يعمل الـجَرير ، وكان رجلاً سقـيـماً ، قد أسرع فـيه الـجُذام ، وكان منزله عند بـاب من أبوب الـمدينة قاصياً ، وكان مؤمناً ذا صدقة ، يجمع كسبه إذا أمسى فـيـما يذكرون ، فـيقسمه نصفـين ، فـيطعم نصفـاً عياله ، ويتصدّق بنصف ، فلـم يُهِمَّه سقمه ولا عمله ولا ضعفه ، عن عمل ربه ، قال : فلـما أجمع قومه علـى قتل الرسل ، بلغ ذلك حبـيبـاً وهو علـى بـاب الـمدينة الأقصى ، فجاء يسعى إلـيهم يذكرهم بـالله ، ويدعوهم إلـى اتبـاع الـمرسلـين ، فقال : { يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الـمُرْسَلِـينَ } . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن عمرو بن حزم أنه حُدّث عن كعب الأحبـار قال : ذكر له حبـيب بن زيد بن عاصم أخو بنـي مازن بن النـجار الذي كان مسيـلـمة الكذّاب قطعه بـالـيـمامة حين جعل يسأله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل يقول : أتشهد أن مـحمداً رسول الله ؟ فـيقول : نعم ، ثم يقول : أتشهد أنـي رسول الله ؟ فـيقول له : لا أسمع ، فـيقول مسيـلـمة : أتسمع هذا ، ولا تسمع هذا ؟ فـيقول : نعم ، فجعل يقطعه عُضْواً عضواً ، كلـما سأله لـم يزده علـى ذلك حتـى مات فـي يديه . قال كعب حين قـيـل له اسمه حبـيب : وكان والله صاحب يس اسمه حبـيب . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، عن الـحسن بن عمارة ، عن الـحكم بن عتـيبة ، عن مِقْسم أبـي القاسم مولـى عبد الله بن الـحارث بن نوفل ، عن مـجاهد ، عن عبد الله بن عبـاس أنه كان يقول : كان اسم صاحب يس حبـيبـاً ، وكان الـجُذام قد أسرع فـيه . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَجاءَ مِنْ أقْصَى الـمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى } قال : ذُكر لنا أن اسمه حبـيب ، وكان فـي غار يعبد ربه ، فلـما سمع بهم أقبل إلـيهم . وقوله : { قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الـمُرْسَلِـينَ } يقول تعالـى ذكره : قال الرجل الذي جاء من أقصى الـمدينة لقومه : يا قوم اتبعوا الـمرسلـين الذين أرسلهم الله إلـيكم ، واقبلوا منهم ما أتوكم به . وذُكر أنه لـما أتـى الرسل سألهم : هل يطلبون علـى ما جاءوا به أجراً ؟ فقالت الرسل : لا ، فقال لقومه حينئذٍ : اتبعوا من لا يسألكم علـى نصيحتهم لكم أجراً . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : لـما انتهى إلـيهم ، يعنـي إلـى الرسل ، قال : هل تسألون علـى هذا من أجر ؟ قالوا : لا ، فقال عند ذلك : { يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الـمُرْسَلِـينَ اتَّبِعوا مَنْ لا يَسأَلُكُمْ أجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ } . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق فـيـما بلغه ، عن ابن عبـاس ، وعن كعب الأحبـار ، وعن وهب بن منبه { اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسألُكُمْ أجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ } : أي لا يسألونكم أموالكم علـى ما جاؤوكم به من الهدى ، وهم لكم ناصحون ، فـاتبعوهم تهتدوا بهداهم . وقوله : { وَهُمْ مُهْتَدُونَ } يقول : وهم علـى استقامة من طريق الـحقّ ، فـاهتدوا أيها القوم بهداهم .