Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 8-9)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : إنا جعلنا أيـمان هؤلاء الكفـار مغلولة إلـى أعناقِهم بـالأغلال ، فلا تُبْسط بشيء من الـخيرات وهي فـي قراءة عبد الله فـيـما ذُكر : « إنَّا جَعَلْنا فِـي أيـمَانِهِمْ أغْلالاً فَهِيَ إلـى الأَذْقانِ » . وقوله : { إلـى الأَذْقانِ } يعنـي : فأَيـمانهم مـجموعة بـالأغلال فـي أعناقهم ، فكُنِّـي عن الأيـمان ، ولـم يجر لها ذكر لـمعرفة السامعين بـمعنى الكلام ، وأن الأغلال إذا كانت فـي الأعناق لـم تكن إلاَّ وأيدي الـمغلولـين مـجموعة بها إلـيها فـاستغنى بذكر كون الأغلال فـي الأعناق من ذكر الأيـمان ، كما قال الشاعر : @ وَما أَدْرِي إذَا يَـمَّـمْتُ وَجْهاً أُرِيدُ الـخَيْرَ أيُّهُما يَـلِـينِـي أألْـخَيْرُ الَّذِي أنا أبْتَغِيهِ أمِ الشَّرُّ الَّذِي لا يَأْتَلِـينِـي @@ فكنى عن الشرّ ، وإنـما ذكر الـخير وحده لعلـم سامع ذلك بـمعنـيّ قائله ، إذ كان الشرّ مع الـخير يُذكر . والأذقان : جمع ذَقَن ، والذَّقَن : مـجمع اللَّـحْيَـين . وقوله : { فَهُمْ مُقْمَـحُونَ } والـمُقْمَـح : هو الـمقنع ، وهو أن يحدر الذقن حتـى يصير فـي الصدر ، ثم يرفع رأسه فـي قول بعض أهل العلـم بكلام العرب من أهل البصرة . وفـي قول بعض الكوفـيـين : هو الغاضّ بصره ، بعد رفع رأسه . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { إنَّا جَعَلْنا فِـي أعْناقِهِمْ أغْلاَلاً فَهِيَ إلـى الأَذْقان فَهُمْ مُقْمَـحُونَ } قال : هو كقول الله : { وَلا تَـجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلـى عُنُقِكَ } يعنـي بذلك أن أيديهم موثقة إلـى أعناقهم ، لا يستطيعون أن يبسُطوها بخير . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قوله : { فَهُمْ مُقْمَـحُونَ } قال : رافعو رؤوسهم ، وأيديهم موضوعة علـى أفواههم . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إنَّا جَعَلْنا فِـي أعْناقِهِمْ أغْلالاً فَهِيَ إلـى الأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَـحُونَ } : أي فهم مغلولون عن كلّ خير . وقوله : { وَجَعَلْنا مِنْ بـينِ أيْدِيهِمْ سَدًّا } يقول تعالـى ذكره : وجعلنا من بـين أيدي هؤلاء الـمشركين سدًّا ، وهو الـحاجز بـين الشيئين إذا فتـح كان من فعل بنـي آدم ، وإذا كان من فعل الله كان بـالضمّ . وبـالضمّ قرأ ذلك عامة قرّاء الـمدينة والبصرة وبعض الكوفـيـين . وقرأه بعض الـمكيـين وعامة قرّاء الكوفـيـين بفتـح السين { سَدّاً } فـي الـحرفـين كلاهما والضم أعجب القراءتـين إلـيّ فـي ذلك ، وإن كانت الأخرى جائزة صحيحة . وعنى بقوله : { وَجَعَلْنا مِن بـينِ أيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَـلْفِهِمْ سَدًّا } أنه زيَّن لهم سوء أعمالهم ، فهم يَعْمَهون ، ولا يبصرون رشداً ، ولا يتنبهون حقاً . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن مـحمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبـي بَزَّة ، عن مـجاهد ، فـي قوله : { مِنْ بـينِ أيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَـلْفِهِمْ سَدًّا } قال : عن الـحقّ . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد { وَجَعَلْنا مِنْ بـين أيْديهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَـلْفهِمْ سَدًّا } عن الـحقّ فهم يتردّدون . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَجَعَلْنا مِنْ بـينِ أيْدِيهِمْ سدًّا وَمِنْ خَـلْفِهِمْ سَدًّا } قال : ضلالات . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قول الله : { وَجَعَلْنا مِنْ بَـينِ أيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَـلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ } قال : جعل هذا سدًّا بـينهم وبـين الإسلام والإيـمان ، فهم لا يخـلصون إلـيه ، وقرأ : { وَسَوَاءٌ عَلَـيْهِمْ أأنْذَرْتَهُمْ أمْ لَـمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ } ، وقرأ : { إنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَـيْهِمْ كَلِـمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ … } الآية كلها ، وقال : من منعه الله لا يستطيع . وقوله : { فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ } يقول : فأغشينا أبصار هؤلاء : أي جعلنا علـيها غشاوة فهم لا يبصرون هدى ولا ينتفعون به ، كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ } هُدًى ، ولا ينتفعون به . وذُكر أن هذه الآية نزلت فـي أبـي جهل بن هشام حين حلف أن يقتله أو يشدخ رأسه بصخرة . ذكر الرواية بذلك : حدثنـي عمران بن موسى ، قال : ثنا عبد الوارث بن سعيد ، قال : ثنا عُمارة بن أبـي حفصة ، عن عكرمة قال : قال أبو جهل : لئن رأيت مـحمداً لأفعلنّ ولأفعلنّ ، فأنزلت : { إنَّا جَعَلْنا فِـي أعْناقِهِمْ أغْلالاً … } إلـى قوله { فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ } قال : فكانوا يقولون : هذا مـحمد ، فـيقول : أين هو ، أين هو ؟ لا يبصره . وقد رُوي عن ابن عبـاس أنه كان يقرأ ذلك : « فَأَعْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ » بـالعين بـمعنى أعشيناهم عنه ، وذلك أن العَشَا هو أن يـمشي بـاللـيـل ولا يبصر .