Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 123-129)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره : وإن إلـياس ، وهو إلـياس بن ياسين بن فنـحاص بن العيزار بن هارون بن عمران فـيـما : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سَلَـمة ، عن ابن إسحاق . وقـيـل : إنه إدريس . حدثنا بذلك بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كان يقال : إلـياس هو إدريس . وقد ذكرنا ذلك فـيـما مضى قبل . وقوله : { لَـمِنَ الـمُرْسَلِـينَ } يقول جلّ ثناؤه : لـمرسل من الـمرسلـين { إذْ قالَ لَقَوْمِهِ ألا تَتَّقُونَ } ؟ يقول حـين ، قال لقومه فـي بنـي إسرائيـل : ألا تتقون الله أيها القوم ، فتـخافونه ، وتـحذرون عقوبته علـى عبـادتكم ربـاً غير الله ، وإلهاً سواه { وَتَذَرُونَ أحْسَنَ الـخالِقِـينَ } يقول : وتَدَعون عبـادةَ أحسنِ مَن قـيـل له خالق . وقد اختلف فـي معنى بَعْل ، فقال بعضهم : معناه : أتدعون ربـاً ؟ وقالوا : هي لغة لأهل الـيـمن معروفة فـيهم . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا حِرْميّ بن عُمارة ، قال : ثنا شعبة ، قال : أخبرنـي عُمارة ، عن عكرمة ، فـي قوله : { أتَدْعُونَ بَعْلاً } قال : إلهاً . حدثنا عمران بن موسى ، قال : ثنا عبد الوارث ، قال : ثنا عمارة ، عن عكرمة ، فـي قوله : { أتَدْعونَ بَعْلاً } يقول : أتدعون ربـا ، وهي لغة أهل الـيـمن ، تقول : مَنْ بَعْل هذا الثور : أي من رَبُّه ؟ . حدثنـي زكريا بن يحيى بن أبـي زائدة ومـحمد بن عمرو ، قالا : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قوله : { أتَدْعُونَ بَعْلاً } ؟ قال : ربـاً . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { أتَدْعُونَ بَعْلاً } قال : هذه لغة بـالـيـمانـية : أتدعون ربـاً دون الله . حدثنا مـحمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قوله : { أتَدْعُونَ بَعْلاً } قال : رَبّـاً . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن عبد الله بن أبـي يزيد ، قال : كنت عند ابن عبـاس فسألوه عن هذه الآية : { أتَدْعُونَ بَعْلاً } قال : فسكت ابن عبـاس ، فقال رجل : أنا بعلُها ، فقال ابن عبـاس : كفـانـي هذا الـجواب . وقال آخرون : هو صنـم كان لهم يقال له بَعْل ، وبه سميت بعلبك . ذكر من قال ذلك : حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : أخبرنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { أتَدْعُونَ بَعْلاً } يعنـي : صنـماً كان لهم يسمى بَعْلاً . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { أتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أحْسَنَ الـخالِقِـينَ } ؟ قال : بعل : صنـم كانوا يعبدون ، كانوا ببعلك ، وهم وراء دمشق ، وكان بها البعل الذي كانوا يعبدون . وقال آخرون : كان بَعْل : امرأة كانوا يعبدونها . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : سمعت بعض أهل العلـم يقول : ما كان بَعْل إلا امرأة يعبدونها من دون الله . وللبَعْل فـي كلام العرب أوجه : يقولون لربّ الشيء هو بَعْلَهُ ، يقال : هذا بَعْل هذه الدار ، يعنـي ربُّها ويقولون لزوج الـمرأة بعلُها ويقولون لـما كان من الغروس والزروع مستغنـياً بـماء السماء ، ولـم يكن سَقِـياً بل هو بعل ، وهو العَذْي . وذُكر أن الله بعث إلـى بنـي إسرائيـل إلـياس بعد مهلك حِزْقـيـل بن يوزا . وكان من قصته وقصة قومه فـيـما بلغنا ، ما : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن مـحمد بن إسحاق ، عن وهب بن منبه ، قال : إن الله قبض حِزْقـيـل ، وعظمت من بنـي إسرائيـل الأحداث ، ونسُوْا ما كان من عهد الله إلـيهم ، حتـى نصبوا الأوثان وعبدوها دون الله ، فبعث الله إلـيهم إلـياس بن ياسين بن فنـحاص بن العيزار بن هارون بن عمران نبـياً . وإنـما كانت الأنبـياء من بنـي إسرائيـل بعد موسى يُبعثون إلـيهم بتـجديد ما نسُوا من التوراة ، فكان إلـياس مع ملك من ملوك بنـي إسرائيـل ، يقال له : أحاب ، كان اسم امرأته : أربل ، وكان يسمع منه ويصدّقه ، وكان إلـياس يقـيـم له أمره ، وكان سائر بنـي إسرائيـل قد اتـخذوا صنـماً يعبدونه من دون الله يقال له بعل . قال ابن إسحاق : وقد سمعت بعض أهل العلـم يقول : ما كان بعد إلا امرأة يعبدونها من دون الله يقول الله لـمـحمد : { وَإنَّ إلْـياس لَـمِنَ الـمُرْسَلِـينَ إذْ قالَ لَقَوْمِهِ ألا تَتَّقُونَ أتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أحْسَنَ الـخالِقِـينَ اللّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبـائِكُمُ الأوَّلِـينَ } فجعل إلـياس يدعوهم إلـى الله ، وجعلوا لا يسمعون منه شيئاً إلا ما كان من ذلك الـملك ، والـملوك متفرّقة بـالشام ، كل ملك له ناحية منها يأكلها ، فقال ذلك الـملك الذي كان إلـياس معه يقوّم له أمره ، ويراه علـى هدى من بـين أصحابه يوماً : يا إلـياس ، والله ما أرى ما تدعو إلـيه إلا بـاطلاً ، والله ما أرى فلاناً وفلاناً ، يعدّد ملوكاً من ملوك بنـي إسرائيـل قد عبدوا الأوثان من دون الله إلا علـى مثل ما نـحن علـيه ، يأكلون ويشربون وينعمون مـملكين ، ما ينقص دنـياهم أمرُهم الذي تزعم أنه بـاطل ، وما نرى لنا علـيهم من فضل فـيزعمون والله أعلـم أن إلـياس استرجع وقام شعر رأسه وجلده ، ثم رفضه وخرج عنه ، ففعل ذلك الـملك فعل أصحابه : عبد الأوثان ، وصنع ما يصنعون ، فقال إلـياس : اللهمّ إن بنـي إسرائيـل قد أبَوْا إلا أن يكفروا بك والعبـادةَ لغيرك ، فغَيِّرْ ما بهم من نعمتك ، أو كما قال . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، قال : ثنا مـحمد بن إسحاق ، قال : فذكر لـي أنه أُوحي إلـيه : إنا قد جعلنا أمر أرزاقهم بـيدك وإلـيك حتـى تكون أنت الذي تأذن فـي ذلك ، فقال إلـياس : اللهمّ فأمسك علـيهم الـمطر فحُبِس عنهم ثلاث سنـين ، حتـى هلكت الـماشية والهوامّ والدوابّ والشجر ، وجَهِد الناس جَهداً شديداً . وكان إلـياس فـيـما يذكرون حين دعا بذلك علـى بنـي إسرائيـل قد استـخفـى ، شفقاً علـى نفسه منهم ، وكان حيثما كان وضع له رزق ، وكانوا إذا وجدوا ريح الـخبز فـي دار أو بـيت ، قالوا : لقد دخـل إلـياس هذا الـمكان فطلبوه ، ولقـى منهم أهل ذلك الـمنزل شراً . ثم إنه أوَى لـيـلة إلـى امرأة من بنـي إسرائيـل لها ابن يقال له الـيسع ابن أخطوب به ضرّ ، فآوته وأخفت أمره ، فدعا إلـياس لابنها ، فعُوفَـى من الضرّ الذي كان به ، واتبعَ الـيسعُ إلـياسَ ، فآمن به وصدّقه ولزمه ، فكان يذهب معه حيثما ذهب . وكان إلـياس قد أسنّ وكبر ، وكان الـيسعُ غلاماً شابـاً ، فـيزعمون والله أعلـم أن الله أوحى إلـى إلـياس : إنك قد أهلكت كثـيراً من الـخـلق مـمن لـم يعص سوى بنـي إسرائيـل من البهائم والدوابّ والطير والهوامّ والشجر ، بحبس الـمطر عن بنـي إسرائيـل ، فـيزعمون والله أعلـم أن إلـياس قال : أي ربّ دعنـي أنا الذي أدعو لهم وأكون أنا الذي آتـيهم بـالفرج مـما هم فـيه من البلاء الذي أصابهم ، لعلهم أن يرجعوا ويَنزِعوا عما هم علـيه من عبـادة غيرك ، قـيـل له : نعم فجاء إلـياس إلـى بنـي إسرائيـل فقال لهم : إنكم قد هلكتـم جَهْداً ، وهلكت البهائم والدوابّ والطير والهوامّ والشجر ، بخطاياكم ، وإنكم علـى بـاطل وغرور ، أو كما قال لهم ، فإن كنتـم تـحبون أن تعلـموا ذلك ، وتعلـموا أن الله علـيكم ساخط فـيـما أنتـم علـيه ، وأن الذي أدعوكم إلـيه الـحقّ ، فـاخرجوا بأصنامكم هذه التـي تعبدون وتزعمون أنها خير مـما أدعوكم إلـيه ، فإن استـجابت لكم ، فذلك كما تقولون ، وإن هي لـم تفعل علـمتـم أنكم علـى بـاطل ، فنزعتُـم ، ودعوت الله ففرّج عنكم ما أنتـم فـيه من البلاء ، قالوا : أنصفت فخرجوا بأوثانهم ، وما يتقرّبون به إلـى الله من إحداثهم الذي لا يرضى ، فدعوها فلـم تستـجب لهم ، ولـم تفرج عنهم ما كانوا فـيه من البلاء حتـى عرفوا ما هم فـيه من الضلالة والبـاطل ، ثم قالوا لإلـياس : يا إلـياس إنا قد هلكنا فـادع الله لنا ، فدعا لهم إلـياس بـالفرج مـما هم فـيه ، وأن يسقوا ، فخرجت سحابة مثل التُّرس بإذن الله علـى ظهر البحر وهم ينظرون ، ثم ترامى إلـيه السحاب ، ثم أدْحَسَتْ ثم أرسل الـمطر ، فأغاثهم ، فحيـيت بلادهم ، وفرج عنهم ما كانوا فـيه من البلاء ، فلـم ينزعوا ولـم يرجعوا ، وأقاموا علـى أخبث ما كانوا علـيه فلـما رأى ذلك إلـياس من كفرهم ، دعا ربه أن يقبضه إلـيه ، فـيريحه منهم ، فقـيـل له فـيـما يزعمون : انظر يوم كذا وكذا ، فـاخرج فـيه إلـى بلد كذا وكذا ، فماذا جاءوك من شيء فـاركبه ولا تهبه فخرج إلـياس وخرج معه الـيسع بن أخطوب ، حتـى إذا كان فـي البلد الذي ذُكر له فـي الـمكان الذي أُمر به ، أقبل إلـيه فرس من نار حتـى وقـف بـين يديه ، فوثب علـيه ، فـانطلق به ، فناداه الـيسع : يا إلـياس يا إلـياس ما تأمرنـي ؟ فكان آخر عهدهم به ، فكساه الله الريش ، وألبسه النور ، وقطع عنه لذّة الـمطعم والـمشرب ، وطار فـي الـملائكة ، فكان إنسياً ملكياً أرضياً سمَاوياً . واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله : { اللّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبـائِكُمُ الأوَّلِـينَ } فقرأته عامة قرّاء مكة والـمدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة : « اللّهُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبـائِكُمُ الأوَّلِـينَ » رفعاً علـى الاستئناف ، وأن الـخبر قد تناهى عند قوله : { أحْسَنُ الـخالِقِـينَ } . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة : { اللّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبـائِكُمُ الأوَّلِـينَ } نصبـاً ، علـى الردّ علـى قوله : { وَتَذَرُونَ أحْسَنَ الـخالِقِـينَ } علـى أن ذلك كله كلام واحد . والصواب من القول فـي ذلك عندنا أنهما قراءتان متقاربتا الـمعنى ، مع استفـاضة القراءة بهما فـي القرّاء ، فبأيّ ذلك قرأ القارىء فمصيب . وتأويـل الكلام : ذلك معبودكم أيها الناس الذي يستـحقّ علـيكم العبـادة : ربكم الذي خـلقكم ، وربّ آبـائكم الـماضين قبلكم ، لا الصنـم الذي لا يخـلق شيئاً ، ولا يضرّ ولا ينفع . وقوله : { فَكَذَّبُوهُ فإنَّهُمْ لَـمُـحْضَرونَ } يقول : فكَذّب إلـياسَ قومُهُ ، فإنهم لـمـحضرون : يقول : فإنهم لـمـحضرون فـي عذاب الله فـيشهدونه ، كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { فإنَّهُمْ لَـمُـحْضَرُونَ } فـي عذاب الله . { إلاَّ عِبـادَ اللّهِ الْـمُخْـلَصِينُ } يقول : فإنهم يُحْضَرون فـي عذاب الله ، إلا عبـاد الله الذين أخـلصهم من العذاب { وَتَرَكْنا عَلَـيْهِ فِـي الآخِرِينَ } يقول : وأبقـينا علـيه الثناء الـحسن فـي الآخرين من الأمـم بعده .