Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 42-47)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله فَوَاكِهُ ردّاً علـى الرزق الـمعلوم تفسيراً له ، ولذلك رفعت . وقوله : { وَهُمْ مُكْرَمُونَ } يقول : وهم مع الذي لهم من الرزق الـمعلوم فـي الـجنة ، مكرمون بكرامة الله التـي أكرمهم الله بها { فِـي جَنَّاتِ النَّعِيـمِ } يعنـي : فـي بساتـين النعيـم { علـى سُرُرٍ مُتَقابِلِـينَ } يعنـي : أن بعضهم يقابل بعضاً ، ولا ينظر بعضهم فـي قـفـا بعض . وقوله : { يُطافُ عَلَـيْهِمْ بكأْسٍ مِنْ مَعِينٍ } يقول تعالـى ذكره : يطوف الـخدم علـيهم بكأس من خمر جارية ظاهرة لأعينهم غير غائرة ، كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { يُطافُ عَلَـيْهِمْ بكأْسٍ مِنْ مَعِينٍ } قال : كأس من خمر جارية ، والـمعين : هي الـجارية . حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا سفـيان ، عن سلـمة بن نبـيط ، عن الضحاك بن مزاحم ، فـي قوله : { بكأْسٍ مِنْ مَعِينٍ } قال : كلّ كأس فـي القرآن فهو خمر . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الله بن داود ، عن سلـمة بن نبـيط ، عن الضحاك بن مزاحم ، قال : كل كأس فـي القرآن فهو خمر . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، فـي قوله : { بكأْسٍ مِن مَعِينٍ } قال : الـخمر . والكأس عند العرب : كلّ إناء فـيه شراب ، فإن لـم يكن فـيه شراب لـم يكن كأساً ، ولكنه يكون إناء . وقوله : { بَـيْضَاءَ لَذَّةٍ للشَّارِبِـينَ } يعنـي بـالبـيضاء : الكأس ، ولتأنـيث الكأس أنثت البـيضاء ، ولـم يقل أبـيض ، وذُكر أن ذلك فـي قراءة عبد الله : « صفراء » . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، فـي قوله : { بَـيْضَاءَ } قال السديّ : فـي قراءة عبد الله : « صفراء » . وقوله : { لَذَّةٍ للشَّارِبـينَ } يقول : هذه الـخمر لذّة يـلتذّها شاربوها . وقوله : { لا فِـيها غَوْلٌ } يقول : لا فـي هذه الـخمر غَوْل ، وهو أن تغتال عقولهم يقول : لا تذهب هذه الـخمر بعقول شاربـيها ، كما تذهب بها خمور أهل الدنـيا إذا شربوها فأكثروا منها ، كما قال الشاعر : @ وَما زَالَتِ الكأْسُ تَغْتالُنَا وَتَذْهَبُ بـالأَوَّلِ الأَوَّلِ @@ والعرب تقول : لـيس فـيها غيـلة وغائلة وغَوْل بـمعنى واحد ورفع غَوْل ولـم ينصب بلا لدخول حرف الصفة بـينها وبـين الغول ، وكذلك تفعل العرب فـي التبرئة إذا حالت بـين لا والاسم بحرف من حروف الصفـات رفعوا الاسم ولـم ينصبوه ، وقد يحتـمل قوله : { لا فِـيها غَوْلٌ } أن يكون معنـياً به : لـيس فـيها ما يؤذيهم من مكروه ، وذلك أن العرب تقول للرجل يصاب بأمر مكروه ، أو يُنال بداهية عظيـمة : غالَ فلاناً غُولٌ . وقد اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : لـيس فـيها صُداع . ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { لا فِـيها غَوْلٌ } يقول : لـيس فـيها صُداع . وقال آخرون : بل معنى ذلك : لـيس فـيها أذًى فتشكَّى منه بطونهم . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس { لا فِـيها غَوْلٌ } قال : هي الـخمر لـيس فـيها وجع بطن . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد قوله : { لا فِـيها غَوْلٌ } قال : وجع بطن . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد فـي قوله : { لا فِـيها غَوْلٌ } قال : الغول ما يوجع البطون ، وشارب الـخمر ههنا يشتكي بطنه . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { لا فِـيها غَوْلٌ } يقول : لـيس فـيها وجع بطن ، ولا صُداع رأس . وقال آخرون : معنى ذلك : أنها لا تغول عقولهم . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ { لا فِـيها غَوْلٌ } قال : لا تغتال عقولهم . وقال آخرون : بل معنى ذلك : لـيس فـيها أذًى ولا مكروه . ذكر من قال ذلك : حُدثت عن يحيى بن زكريا بن أبـي زائدة ، عن إسرائيـل ، عن سالـم الأفطس ، عن سعيد بن جُبَـير ، فـي قوله : { لا فِـيها غَوْلٌ } قال : أذًى ولا مكروه . حدثنا مـحمد بن سنان القزّاز ، قال : ثنا عبد الله بن بزيعة ، قال : أخبرنا إسرائيـل ، عن سالـم ، عن سعيد بن جُبَـير ، فـي قوله : { لا فِـيها غَوْلٌ } قال : لـيس فـيها أذًى ولا مكروه . وقال آخرون : بل معنى ذلك : لـيس فـيها إثم . ولكلّ هذه الأقوال التـي ذكرناها وجه ، وذلك أن الغَوْل فـي كلام العرب : هو ما غال الإنسان فذهب به ، فكلّ من ناله أمر يكرهه ضربوا له بذلك الـمثل ، فقالوا : غالت فلاناً غول ، فـالذاهب العقل من شرب الشراب ، والـمشتكي البطن منه ، والـمصدّع الرأس من ذلك ، والذي ناله منه مكروه كلهم قد غالته غُول . فإذا كان ذلك كذلك ، وكان الله تعالـى ذكره قد نفـى عن شراب الـجنة أن يكون فـيه غَوْل ، فـالذي هو أولـى بصفته أن يقال فـيه كما قال جلّ ثناؤه { لا فِـيها غَوْلٌ } فـيعمّ بنفـي كلّ معانـي الغَوْل عنه ، وأعمّ ذلك أن يقال : لا أذى فـيها ولا مكروه علـى شاربـيها فـي جسم ولا عقل ، ولا غير ذلك . واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله { وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ } فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة { يُنْزَفُونَ } بفتـح الزاي ، بـمعنى : ولا هم عن شربها تُنْزَف عقولهم . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة : « وَلا هُمْ عَنْها يُنْزِفُونَ » بكسر الزاي ، بـمعنى : ولا هم عن شربها يَنْفَد شرابهم . والصواب من القول فـي ذلك أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا الـمعنى غير مختلفتـيه ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب وذلك أن أهل الـجنة لا ينفد شرابهم ، ولا يُسكرهم شربهم إياه ، فـيُذهِب عقولَهم . واختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك ، فقال بعضهم : معناه : لا تذهب عقولهم . ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس { وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ } يقول : لا تذهب عقولهم . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس { وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ } قال : لا تُنْزَف فتذهب عقولهم . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد { وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ } قال : لا تذهب عقولهم . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، فـي قوله : { وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ } قال : لا تُنْزَف عقولهم . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ } قال : لا تُنْزِف العقول . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ } قال : لا تغلبهم علـى عقولهم . وهذا التأويـل الذي ذكرناه عمن ذكرنا عنه لـم تفصِّل لنا رَواته القراءة الذي هذا تأويـلها ، وقد يحتـمل أن يكون ذلك تأويـل قراءة من قرأها يَنْزِفُونَ ويُنْزَفُون كلتـيهما ، وذلك أن العرب تقول : قد نُزِف الرجل فهو منزوف : إذا ذهب عقله من السكر ، وأَنْزَف فهو مُنْزِف ، مـحكية عنهم اللغتان كلتاهما فـي ذهاب العقل من السكر وأما إذا فَنِـيت خمر القوم فإنـي لـم أسمع فـيه إلا أنزَفَ القومُ بـالألف ، ومن الإنزاف بـمعنى : ذهاب العقل من السكر ، قول الأُبَـيرد :