Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 4-10)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعنـي تعالـى ذكره بقوله : { إنَّ إلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ } والصافـات صفـاً إن معبودكم الذي يستوجب علـيكم أيها الناس العبـادة ، وإخلاص الطاعة منكم له لواحد لا ثانـي له ولا شريك . يقول : فأخـلصوا العبـادة وإياه فأفردوا بـالطاعة ، ولا تـجعلوا له فـي عبـادتكم إياه شريكاً . وقوله : { رَبُّ السَّمَوَاتِ والأرْضِ وَما بَـيْنَهُما } يقول : هو واحد خالق السموات السبع وما بـينهما من الـخـلق ، ومالك ذلك كله ، والقـيِّـمِ علـى جميع ذلك ، يقول : فـالعبادة لا تصلـح إلا لـمن هذه صفته ، فلا تعبدوا غيره ، ولا تشركوا معه فـي عبـادتكم إياه من لا يضرّ ولا ينفع ، ولا يخـلق شيئاً ولا يُفْنـيه . واختلف أهل العربـية فـي وجه رفع ربّ السموات ، فقال بعض نـحويـيّ البصرة : رُفع علـى معنى : إن إلهكم لربّ . وقال غيره : هو رَدّ علـى { إن إلهكم لواحد } ثم فَسَّر الواحد ، فقال : ربّ السموات ، وهو ردّ علـى واحد . وهذا القول عندي أشبه بـالصواب فـي ذلك ، لأن الـخبر هو قوله : { لَوَاحِدٌ } ، وقوله : { رَبُّ السَّمَوَاتِ } ترجمة عنه ، وبـيان مردود علـى إعرابه . وقوله : { وَرَبُّ الـمَشارِقِ } يقول : ومدبر مشارق الشمس فـي الشتاء والصيف ومغاربها ، والقـيِّـم علـى ذلك ومصلـحه وترك ذكر الـمغارب لدلالة الكلام علـيه ، واستغنـي بذكر الـمشارق من ذكرها ، إذ كان معلوماً أن معها الـمغارب . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { إنَّ إلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ } وقع القسم علـى هذا إن إلهكم لواحد { رَبُّ السَّمَوَاتِ والأرْضِ وَما بَـيْنَهُما وَرَبُّ الـمَشارِقِ } قال : مشارق الشمس فـي الشتاء والصيف . حدثنـي مـحمد بن الـحسين ، قلا : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قوله : { رَبّ الـمَشارِقِ } قال : الـمشارق ستون وثلاثُ مئة مَشْرِق ، والـمغارب مثلها ، عدد أيام السنة . وقوله : { إنَّا زَيَّنا السَّماءَ الدُّنـيْا بزِينَةٍ الكَوَاكِبِ } اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله : { بِزِينَةٍ الكَوَاكِبِ } فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة : « بزينةِ الكواكبِ » بإضافة الزينة إلـى الكواكب ، وخفض الكواكب { إنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنـيْا } التـي تلـيكم أيها الناس وهي الدنـيا إلـيكم بتزيـيها الكواكب : أي بأنّ زينتها الكواكب . وقرأ ذلك جماعة من قرّاء الكوفة : { بِزِينَةٍ الكَوَاكبِ } بتنوين زينة ، وخفض الكواكبَ ردّاً لها علـى الزينة ، بـمعنى : إنا زينا السماء الدنـيا بزينة هي الكواكب ، كأنه قال : زيناها بـالكواكب . ورُوِي عن بعض قرّاء الكوفة أنه كان ينوّن الزِّينة وينصب الكواكبَ ، بـمعنى : إنا زيَّنا السماء الدنـيا بتزيـيننا الكواكبَ . ولو كانت القراءة فـي الكواكب جاءت رفعاً إذا نونّت الزينة ، لـم يكن لـحناً ، وكان صوابـاً فـي العربـية ، وكان معناه : إنا زينا السماء الدنـيا بتزيـينها الكواكب : أي بأن زينتها الكواكب وذلك أن الزينة مصدر ، فجائز توجيهها إلـى أيِّ هذه الوجوه التـي وُصِفت فـي العربـية . وأما القراءة فأعجبها إلـيّ بإضافة الزينة إلـى الكواكب وخفض الكواكب لصحة معنى ذلك فـي التأويـل والعربـية ، وأنها قراءة أكثر قرّاء الأمصار ، وإن كان التنوين فـي الزينة وخفض الكواكب عندي صحيحاً أيضاً . فأما النصب فـي الكواكب والرفع ، فلا أستـجيز القراءة بهما ، لإجماع الـحجة من القرّاء علـى خلافهما ، وإن كان لهما فـي الإعراب والـمعنى وجه صحيح . وقد اختلف أهل العربـية فـي تأويـل ذلك إذا أضيفت الزينة إلـى الكواكب ، فكان بعض نـحويِّـي البصرة يقول : إذا قرىء ذلك كذلك ، فلـيس يعنـي بعضَها ، ولكن زينتها حسنها وكان غيره يقول : معنى ذلك إذا قرىء كذلك : إنا زينا السماء الدنـيا بأن زينتها الكواكب . وقد بـيَّـينا الصواب فـي ذلك عندنا . وقوله : { وَحِفْظاً } يقول تعالـى ذكره : { وَحِفْظاً } للسماء الدنـيا زيناها بزينة الكواكب . وقد اختلف أهل العربـية فـي وجه نصب قوله : { وَحِفْظاً } فقال بعض نـحويـي البصرة : قال وحفظاً ، لأنه بدل من اللفظ بـالفعل ، كأنه قال ، وحفظناها حفظاً . وقال بعض نـحويـي الكوفة : إنـما هو من صلة التزيـين أنا زينا السماء الدنـيا حفظاً لها ، فأدخـل الواو علـى التكرير : أي وزيناها حفظاً لها ، فجعله من التزيـين وقد بـيَّنا القول فـيه عندنا . وتأويـل الكلام : وحفظاً لها من كل شيطان عات خبـيث زيناها ، كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَحِفْظاً } يقول : جعلتها حفظاً من كلّ شيطان مارد . وقوله : { لا يَسَّمَّعُونَ إلـى الـمَلإِ الأعْلَـى } اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله : { لا يَسَّمَّعُونَ } ، فقرأ ذلك عامة قرّاء الـمدينة والبصرة ، وبعض الكوفـيـين : « لا يَسْمَعُونَ » بتـخفـيف السين من يسمعون ، بـمعنى أنهم يتسمَّعون ولا يسمعون . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفـيـين بعد { لا يسَّمَّعون } بـمعنى : لا يتسمعون ، ثم أدغموا التاء فـي السين فشدّدوها . وأولـى القراءتـين فـي ذلك عندي بـالصواب قراءة من قرأه بـالتـخفـيف ، لأن الأخبـار الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه ، أن الشياطين قد تتسمع الوحي ، ولكنها تُرمَى بـالشهب لئلا تسمع . ذكر رواية بعض ذلك : حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا وكيع ، عن إسرائيـل ، عن أبـي إسحاق ، عن سعيد بن جُبَـير ، عن ابن عبـاس ، قال : كانت للشياطين مَقاعد فـي السماء ، قال : فكانوا يسمعون الوحي ، قال : وكانت النـجوم لا تـجري ، وكانت الشياطين لا تُرمَى ، قال : فإذا سمعوا الوحي نزلوا إلـى الأرض ، فزادوا فـي الكلـمة تسعاً قال : فلـما بُعِثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الشيطانُ إذا قعد مقعده جاء شهاب ، فلـم يُخْطه حتـى يحرقه ، قال : فشكوا ذلك إلـى إبلـيس ، فقال : ما هو إلا لأمر حدث قال : فبعث جنوده ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلـي بـين جبلـي نـخـلة قال أبو كُرَيب ، قال وكيع : يعنـي بطن نـخـلة ، قال : فرجعوا إلـى إبلـيس فأخبروه ، قال : فقال هذا الذي حدث . حدثنا ابن وكيع وأحمد بن يحيى الصوفـي قالا : ثنا عبـيد الله ، عن إسرائيـل ، عن أبـي إسحاق ، عن سعيد بن جُبَـير ، عن ابن عبـاس ، قال : كانت الـجنّ يصعدون إلـى السماء الدنـيا يستـمعون الوحي ، فإذا سمعوا الكلـمة زادوا فـيها تسعاً ، فأما الكلـمة فتكون حقاً ، وأما ما زادوا فـيكون بـاطلاً فلـما بُعث النبـيّ صلى الله عليه وسلم مُنِعوا مقاعدَهم ، فذكروا ذلك لإبلـيس ، ولـم تكن النـجوم يُرْمى بها قبل ذلك ، فقال لهم إبلـيس : ما هذا إلا لأمر حدث فـي الأرض ، فبعث جنوده ، فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً يصلـي ، فأتوه فأخبروه ، فقال : هذا الـحدث الذي حدث . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا عبد الله بن رجاء ، قال : ثنا إسرائيـل ، عن أبـي إسحاق ، عن سعيد بن جبـير ، عن ابن عبـاس ، قال : كانت الـجنّ لهم مقاعد ، ثم ذكر نـحوه . حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا يونس بن بكير ، قال : ثنا مـحمد بن إسحاق ، قال : ثنـي الزهريّ ، عن علـيّ بن الـحسين ، عن أبـي إسحاق ، عن ابن عبـاس ، قال : حدثنـي رهط من الأنصار ، قالوا : بـينا نـحن جلوس ذات لـيـلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ رأى كوكبـاً رُمي به ، فقال : " ما تقولون فـي هذا الكوكب الذي يُرمَى به ؟ " فقلنا : يُولد مولود ، أو يهلك هالك ، ويـموت ملك ويـملك ملك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لَـيْسَ كَذَلكَ ، ولكِنَّ اللّهَ كانَ إذَا قَضَى أمْراً فِـي السَّماءِ سَبَّحَ لِذَلِكَ حَمَلَةُ العَرْشِ ، فَـيُسَبِّحُ لِتَسْبِـيحِهِمْ مَنْ يَـلِـيهِمْ مِنْ تَـحْتِهِمْ مِنَ الـمَلائِكَةِ ، فَمَا يَزَالُونَ كذلكَ حتـى يَنْتَهِيَ التَّسْبِـيحُ إلـى السَّماءِ الدُّنـيْا ، فَـيَقُولُ أهْلُ السَّماءِ الدّنـيْا لِـمَنْ يَـلِـيهِمْ مِنَ الـمَلائِكَةِ مِـمَّ سَبَّحْتُـمْ ؟ فَـيَقُولُونَ : ما نَدْرِي : سَمِعْنا مَنْ فَوْقَنا مِنَ الـمَلائِكَةِ سَبَّحُوا فَسَبَّحْنا اللّهَ لتَسْبِـيحِهِمْ ولكِنَّا سَنَسأَلُ ، فَـيَسأَلُونَ مَنْ فَوْقَهُمْ ، فَمَا يَزَالُونَ كَذلكَ حتـى يَنْتَهِيَ إلـى حَمَلَةٍ العَرْشِ ، فَـيَقُولُونَ : قَضَى اللّهُ كَذَا وكَذَا ، فَـيُخْبِرُونَ بِهِ مَنْ يَـلِـيهِمْ حتـى يَنْتَهُوا إلـى السَّماءِ الدُّنـيْا ، فَتَسْتَرِقُ الـجِنُّ ما يَقُولُونَ ، فَـيَنْزِلُونَ إلـى أَوْلِـيائِهِمْ مِنَ الإنْسِ فَـيَـلْقُونَهُ علـى ألْسِنَتِهِمْ بِتَوَهُّمِ مِنْهُمْ ، فَـيُخْبِرُونَهُمْ بِهِ ، فَـيَكُونَ بَعْضُهُ حَقًّا وَبَعْضُهُ كَذِبـاً ، فَلَـمْ تَزَلِ الـجِنّ كذلك حتـى رُمُوا بِهِذِهِ الشُّهُبِ " . حدثنا ابن وكيع وابن الـمثنى ، قالا : ثنا عبد الأعلـى ، عن معمر ، عن الزهريّ ، عن علـي بن حسين ، عن ابن عبـاس ، قال بـينـما النَّبِـيُّ صلى الله عليه وسلم فـي نفر من الأنصار ، إذ رُمي بنـجم فـاستنار ، فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم : " ما كُنْتُـمْ تَقُولُونَ لِـمِثْلِ هَذَا فـي الـجاهِلِـيَّةِ إذَا رأيْتُـمُوهُ ؟ " قالوا : كنا نقول : يـموت عظيـم أو يولد عظيـم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فإنَّهُ لا يُرْمَى بِهِ لـمَوْتِ أحَدٍ وَلا لَـحَياتِهِ ، وَلَكِنَّ رَبَّنا تَبـارَكَ اسمُهُ إذَا قَضَى أمْراً سَبَّحَ حَمَلَهُ العَرْشِ ، ثُمَّ سَبَّحَ أهْلُ السمَّاءِ الَّذِينَ يَـلُوَنهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَـلُوَنهُمْ حتـى يَبْلُغَ التَّسْبِـيحُ أهْلَ هَذِهِ السَّماءِ ثُمَّ يَسأَلُ أهْلُ السَّماءِ السابعة حملَة العرش : مَاذا قال ربنا ؟ فـيخبرونهم ، ثم يستـخبر أهل كل سماء ، حتـى يبلغ الـخبر أهل السَّماءِ الدُّنـيْا ، وتَـخْطِفُ الشَّياطِينُ السَّمْعَ ، فَـيرْمُونَ ، فَـيَقْذِفُونَهُ إلـى أوْلِـيائِهِم ، فَمَا جاءُوا بِهِ علـى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقّ ، وَلَكِنَّهُمْ يَزِيدُونَ " . حدثنا ابن الـمثنى ، قال : ثنا مـحمد بن جعفر ، قال : أخبرنا معمر ، قال : ثنا ابن شهاب ، عن علـيّ بن حسين ، عن ابن عبـاس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً فـي نَّفَرٍ من أصحابه ، قال : فرُمي بنـجم ، ثم ذكر نـحوه ، إلا أنه زاد فـيه : قلت للزهري : أكان يُرْمى بها فـي الـجاهلـية ؟ قال : نعم ، ولكنها غلظت حين بُعث النبـيُّ صلى الله عليه وسلم . حدثنـي علـيّ بن داود ، قال : ثنا عاصم بن علـيّ ، قال : ثنا أبـي علـيّ بن عاصم ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبَـير ، عن ابن عبـاس ، قال : كان للـجنّ مقاعد فـي السَماء يسمعون الوحي ، وكان الوحي إذا أُوحِي سمعت الـملائكة كهيئة الـحديدة يُرْمى بها علـى الصَّفْوان ، فإذا سمعت الـملائكة صلصلة الوحي خرّ لـجبـاههم مَنْ فـي السماء من الـملائكة ، فإذا نزل علـيهم أصحاب الوحي { قالُوا ماذَا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الـحَقَّ وَهُوَ العَلِـيُّ الكَبِـيرُ } قال : فـيتنادون ، قال : ربكم الـحقّ وهو العلـيّ الكبـير قال : فإذا أنزل إلـى السماء الدنـيا ، قالوا : يكون فـي الأرض كذا وكذا موتاً ، وكذا وكذا حياة ، وكذا وكذا جدوبة ، وكذا وكذا خِصْبـاً ، وما يريد أن يصنع ، وما يريد أن يبتدىء تبـارك وتعالـى ، فنزلت الـجنّ ، فأوحوا إلـى أولـيائهم من الإنس ، مـما يكون فـي الأرض ، فبـيناهم كذلك ، إذ بعث الله النبـيّ صلى الله عليه وسلم ، فزجرت الشياطين عن السماء ورَمَوهم بكواكب ، فجعل لا يصعُد أحد منهم إلا احترق ، وفزع أهل الأرض لِـمَا رأوا فـي الكواكب ، ولـم يكن قبل ذلك ، وقالوا : هلك مَنْ فـي السماء ، وكان أهل الطائف أوّل من فزع ، فـينطلق الرجل إلـى إبله ، فـينـحَر كلّ يوم بعيراً لآلهتهم ، وينطلق صاحب الغنـم ، فـيذبح كلّ يوم شاة ، وينطلق صاحب البقر ، فـيذبح كلّ يوم بقَرة ، فقال لهم رجل : ويْـلَكم لا تُهْلكوا أموالكم ، فإن معالـمكم من الكواكب التـي تهتدون بها لـم يسقط منها شيء ، فأقلعوا وقد أسرعوا فـي أموالهم . وقال إبلـيس : حدث فـي الأرض حدث ، فأتـي من كلّ أرض بتربة ، فجعل لا يؤتـي بتربة أرض إلا شمها ، فلـما أتـي بتربة تهامة قال : ههنا حدث الـحدث ، وصرف الله إلـيه نفراً من الـجنّ وهو يقرأ القرآن ، فقالوا : { إنَّا سَمِعْنا قُرآناً عَجَبـاً } حتـى ختـم الآية ، { فولَّوا إلـى قومهم منذرين } حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنـي ابن لهيعة ، عن مـحمد بن عبد الرحمن ، عن عُروة ، عن عائشة أنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنَّ الـمَلائِكَةَ تَنْزِلُ فِـي العَنان وَهُوَ السَّحابُ فَتَذْكُرُ ما قُضِيَ فِـي السَّماءِ ، فَتَسْتَرِقُ الشَّياطِينُ السَّمْعَ ، فَتَسْمَعُهُ فَتُوحِيهِ إلـى الكُهَّانِ ، فَـيَكْذِبُونَ مَعَها مِئَةَ كِذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أنْفُسهِمْ " . فهذه الأخبـار تُنبىء عن أن الشياطين تسمع ، ولكنها تُرْمى بـالشهب لئلا تسمع . فإن ظنّ ظانّ أنه لـما كان فـي الكلام « إلـى » ، كان التسمع أولـى بـالكلام من السمع ، فإن الأمر فـي ذلك بخلاف ما ظنّ ، وذلك أن العرب تقول : سمعت فلاناً يقول كذا ، وسمعت إلـى فلان يقول كذا ، وسمعت من فلان . وتأويـل الكلام : إنا زينا السماء الدنـيا بزينة الكواكب . وحفظاً من كلّ شيطان مارد أن لا يسَّمَّع إلـى الـملإ الأعلـى ، فحذفت « إن » اكتفـاء بدلالة الكلام علـيها ، كما قـيـل : كذلك سلكناه فـي قلوب الـمـجرمين لا يؤمنون به بـمعنى : أن لا يؤمنوا به ولو كان مكان « لا » أن ، لكان فصيحاً ، كما قـيـل : { يُبَـيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أنْ تَضِلُّوا } بـمعنى : أن لا تضلوا ، وكما قال : { وألْقَـى فِـي الأرْضِ رَوَاسيَ أنْ تَـمِيدَ بِكُمْ } بـمعنى : أن لا تـميد بكم . والعرب قد تـجزم مع « لا » فـي مثل هذا الـموضع من الكلام ، فتقول : ربطت الفرس لا يَنْفَلِتْ ، كما قال بعض بنـي عُقَـيـل : @ وَحتـى رأَيْنا أحْسَنَ الوُدّ بَـيْنَنا مُساكَنَةً لا يَقْرِفِ الشَّرَّ قارِفُ @@ ويُروي : لا يقرف رفعاً ، والرفع لغة أهل الـحجاز فـيـما قـيـل : وقال قتادة فـي ذلك ما : حدثنـي بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { لا يَسَّمَّعُونَ إلـى الـمَلإِ الأَعْلَـى } قال : منعوها . ويعنـي بقوله : { إلـى الـمَلإِ } : إلـى جماعة الـملائكة التـي هم أعلـى مـمن هم دونهم . وقوله : { وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ دُحُوراً } ويُرْمَوْن من كلّ جانب من جوانب السماء دُحُوراً والدحور : مصدر من قولك : دَحَرْته أدحَرُه دَحْراً ودُحوراً ، والدَّحْر : الدفع والإبعاد ، يقال منه : ادْحَرْ عنك الشيطان : أي ادفعه عنك وأبعده . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلّ جانِبٍ دُحُوراً } قذفـاً بـالشهب . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { وَيُقْذَفُونَ } يُرمَوْن { مِنْ كُلّ جانِبٍ } قال : من كلّ مكان . وقوله : { دُحُوراً } قال : مطرودين . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلّ جانبٍ دُحُوراً } قال : الشياطين يدحرون بها عن الاستـماع ، وقرأ وقال : { إلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فأتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ } وقوله : { ولَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ } يقول تعالـى ذكره : ولهذه الشياطين الـمسترِقة السمع عذاب من الله واصب . واختلف أهل التأويـل فـي معنى الواصب ، فقال بعضهم : معناه : الـموجع . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا ابن أبـي زائدة ، عن إسماعيـل بن أبـي خالد ، عن أبـي صالـح { وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ } قال : موجع . وحدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، فـي قوله : { عَذَابٌ وَاصِبٌ } قال : الـموجع . وقال آخرون : بل معناه : الدائم . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد عن قتادة { وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ } : أي دائم . حدثنا مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { عَذَابٌ وَاصِبٌ } قال : دائم . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس { وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ } يقول : لهم عذاب دائم . حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا ابن أبـي زائدة ، عمن ذكره ، عن عكرمة { ولَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ } قال : دائم . حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ } قال : الواصب : الدائب . وأولـى التأويـلـين فـي ذلك بـالصواب تأويـل من قال : معناه : دائم خالص ، وذلك أن الله قال { وَلَهُ الدّين وَاصِبـاً } فمعلوم أنه لـم يصفه بـالإيلام والإيجاع ، وإنـما وصفه بـالثبـات والـخـلوص ومنه قول أبـي الأسود الدؤلـي : @ لا أشْتَرِي الـحَمْدَ القَلِـيـلَ بَقاؤُهُ يَوْماً بِذَمّ الدَّهْر أجمَعَ وَاصِبـا @@ أي دائماً . وقوله : { إلاَّ مَنْ خَطِفَ الـخَطْفَةَ } يقول : إلا من استرق السمع منهم { فأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ } يعنـي : مضيء متوقد . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فأَتَبْعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ } من نار وثقوبه : ضوؤه . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قوله : { شِهابٌ ثاقِبٌ } قال : شهاب مضيء يحرقه حين يُرْمى به . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { فأَتْبَعَهُ شِهابٌ } قال : كان ابن عبـاس يقول : لا يقتلون الشهاب ، ولا يـموتون ، ولكنها تـحرقهم من غير قتل ، وتُـخَبِّل وتُـخْدِج من غير قتل . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { فأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ } قال : والثاقب : الـمستوقد قال : والرجل يقول : أَثْقِب نارك ، ويقول : استثقِب نارك ، استوقد نارك . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا عبـيد الله ، قال : سُئل الضحاك ، هل للشياطين أجنـحة ؟ فقال : كيف يطيرون إلـى السماء إلا ولهم أجنـحة .