Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 1-2)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويـل فـي معنى قول الله عزّ وجلّ : { ص } ، فقال بعضهم : هو من الـمصاداة ، من صاديت فلاناً ، وهو أمر من ذلك ، كأن معناه عندهم : صادٍ بعملك القرآن : أي عارضه به ، ومن قال هذا تأويـله ، فإنه يقرؤه بكسر الدال ، لأنه أمر ، وكذلك رُوي عن الـحسن ذكر الرواية بذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : قال الـحسن { ص } قال : حادث القرآن . وحُدثت عن علـيّ بن عاصم ، عن عمرو بن عبـيد ، عن الـحسن ، فـي قوله : { ص } قال : عارض القرآن بعملك . حدثت عن عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الـحسن ، فـي قوله : { ص والقرآن } قال : عارض القرآن ، قال عبد الوهاب : يقول اعرضه علـى عملك ، فـانظر أين عملك من القرآن . حدثنـي أحمد بن يوسف ، قال : ثنا القاسم ، قال : ثنا حجاج ، عن هارون ، عن إسماعيـل ، عن الـحسن أنه كان يقرأ : { ص والقرآن } بخفض الدال ، وكان يجعلها من الـمصاداة ، يقول : عارض القرآن . وقال آخرون : هي حرف هجاء . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : أما { ص } فمن الـحروف . وقال آخرون : هو قسم أقسم الله به . ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { ص } قال : قسم أقسمه الله ، وهو من أسماء الله . وقال آخرون : هو اسم من أسماء القرآن أقسم الله به . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { ص } قال : هو اسم من أسماء القرآن أقسم الله به . وقال آخرون : معنى ذلك : صدق الله . ذكر من قال ذلك : حُدثت عن الـمسيب بن شريك ، عن أبـي روق ، عن الضحاك فـي قوله : { ص } قال : صدق الله . واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك فقرأته عامة قرّاء الأمصار خلا عبد الله بن أبـي إسحاق وعيسى بن عمر ، بسكون الدال ، فأما عبد الله بن أبـي إسحاق فإنه كان يكسرها لاجتـماع الساكنـين ، ويجعل ذلك بـمنزلة الآداة ، كقول العرب : تركته حاثِ بـاثِ ، وخازِ بـازِ يخفضان من أجل أن الذي يـلـي آخر الـحروف ألف فـيخفضون مع الألف ، وينصبون مع غيرها ، فـيقولون حيث بـيث ، ولأجعلنك فـي حيص بـيص : إذا ضيق علـيه . وأما عيسى بن عمر فكان يوفِّق بـين جميع ما كان قبل آخر الـحروف منه ألف ، وما كان قبل آخره ياء أو واو فـيفتـح جميع ذلك وينصبه ، فـيقول : ص وق ون ويس ، فـيجعل ذلك مثل الآداة كقولهم : لـيتَ ، وأينَ وما أشبه ذلك . والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا السكون فـي كل ذلك ، لأن ذلك القراءة التـي جاءت بها قرّاء الأمصار مستفـيضة فـيهم ، وأنها حروف هجاء لأسماء الـمسميات ، فـيعربن إعراب الأسماء والأدوات والأصوات ، فـيسلك بهنّ مسالكهن ، فتأويـلها إذ كانت كذلك تأويـل نظائرها التـي قد تقدم بـيانناها قبل فـيـما مضى . وكان بعض أهل العربـية يقول : { ص } فـي معناها كقولك : وجب والله ، نزل والله ، وحقٌّ والله ، وهي جواب لقوله : { والقُرآنِ } كما تقول : حقاً والله ، نزل والله . وقوله : { والقُرآنِ ذِي الذّكْرِ } وهذا قسم أقسمه الله تبـارك وتعالـى بهذا القرآن فقال : { والقُرآنِ ذِي الذّكْر } . واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله : { ذِي الذّكْرِ } فقال بعضهم : معناه : ذي الشرف . ذكر من قال ذلك : حدثنا نصر بن علـيّ ، قال : ثنا أبو أحمد ، عن قـيس ، عن أبـي حصين ، عن سعيد { ص والقُرآنِ ذِي الذّكْر } قال : ذي الشرف . حدثنا نصر بن علـيّ وابن بشار ، قالا : ثنا أبو أحمد ، عن مسعر ، عن أبـي حصين { ذِي الذكْرِ } : ذي الشرف . قال : ثنا أبو أحمد ، عن سفـيان ، عن إسماعيـل ، عن أبـي صالـح أو غيره { ذِي الذّكْرِ } : ذي الشرف . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ { والقُرآنِ ذِي الذّكْرِ } قال : ذي الشرف . حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا معاوية بن هشام ، عن سفـيان ، عن يحيى بن عُمارة ، عن سعيد بن جبـير عن ابن عبـاس { ص والقُرآنِ ذِي الذّكْرِ } ذي الشرف . وقال بعضهم : بل معناه : ذي التذكير ، ذكَّركمُ الله به . ذكر من قال ذلك : حدثت عن الـمسيب بن شريك ، عن أبـي روق ، عن الضحاك { ذِي الذّكْرِ } قال : فـيه ذكركم ، قال : ونظيرتها : { لَقَدْ أنْزَلْنا إلَـيْكُمْ كِتابـاً فِـيهِ ذِكرُكُمْ } حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { ذي الذّكْرِ } : أي ما ذكر فـيه . وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول من قال : معناه : ذي التذكير لكم ، لأن الله أتبع ذلك قولَه : { بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِـي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ } فكان معلوماً بذلك أنه إنـما أخبر عن القرآن أنه أنزله ذكراً لعبـاده ذكَّرهم به ، وأن الكفـار من الإيـمان به فـي عزّة وشقاق . واختلف فـي الذي وقع علـيه اسم القسم ، فقال بعضهم وقع القسم علـى قوله : { بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِـي عِزَّةٍ وَشِقاق } . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِـي عِزَّةٍ } قال : ها هنا وقع القسم . وكان بعض أهل العربـية يقول : « بل » دلـيـل علـى تكذيبهم ، فـاكتفـى ببل من جواب القسم ، وكأنه قـيـل : ص ، ما الأمر كما قلتـم ، بل أنتـم فـي عزّة وشقاق . وكان بعض نـحويـي الكوفة يقول : زعموا أن موضع القسم فـي قوله : { إنْ كُلٌ إلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ } وقال بعض نـحويـي الكوفة : قد زعم قوم أن جواب { والقُرآنِ } قوله : { إنَّ ذلكَ لَـحَقّ تَـخاصُمُ أهْلِ النَّارِ } قال : وذلك كلام قد تأخر عن قوله : { والقُرآنِ } تأخراً شديداً ، وجرت بـينهما قصص مختلفة ، فلا نـجد ذلك مستقـيـماً فـي العربـية ، والله أعلـم . قال : ويقال : إن قوله : { والقُرآنِ } يـمين اعترض كلام دون موقع جوابها ، فصار جوابها للـمعترض وللـيـمين ، فكأنه أراد : والقرآن ذي الذكر ، لَكَمْ أهلكنا ، فلـما اعترض قوله { بَل الَّذِينَ كَفَرُوا فِـي عزَّةٍ } صارت كم جوابـاً للعزّة والـيـمين . قال : ومثله قوله : { والشَّمْسِ وضُحاها } اعترض دون الـجواب قوله : { وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها فأَلْهَمَها } فصارت قد أفلـح تابعة لقوله : فألهمها ، وكفـى من جواب القسم ، فكأنه قال : والشمس وضحاها لقد أفلـح . والصواب من القول فـي ذلك عندي ، القول الذي قاله قتادة ، وأن قوله : { بَلْ } لـما دلَّت علـى التكذيب وحلَّت مـحلّ الـجواب استغنـي بها من الـجواب ، إذ عُرف الـمعنى ، فمعنى الكلام إذ كان ذلك كذلك : { ص والقُرآنِ ذِي الذّكْرِ } ما الأمر ، كما يقول هؤلاء الكافرون : بل هم فـي عزّة وشقاق . وقوله : { بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِـي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ } يقول تعالـى ذكره : بل الذين كفروا بـالله من مشركي قريش فـي حمية ومشاقة ، وفراق لـمـحمد وعداوة ، وما بهم أن لا يكونوا أهل علـم ، بأنه لـيس بساحر ولا كذّاب . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قوله : { فِـي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ } قال : مُعازِّين . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { فِـي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ } : أي فـي حَمِيَّة وفراق . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِـي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ } قال : يعادون أمر الله ورسله وكتابه ، ويشاقون ، ذلك عزّة وشِقاق ، فقلت له : الشقاق : الـخلاف ، فقال : نعم .