Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 3-3)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالـى ذكره : كثـيراً أهلكنا من قبل هؤلاء الـمشركين من قريش الذين كذّبوا رسولنا مـحمداً صلى الله عليه وسلم فـيـما جاءهم به من عندنا من الـحقّ { مِنْ قَرْنٍ } يعنـي : من الأمـم الذين كانوا قبلهم ، فسلكوا سبـيـلهم فـي تكذيب رسلهم فـيـما أتوهم به من عند الله { فَنادَوْا } يقول : فعجوا إلـى ربهم وضجوا واستغاثوا بـالتوبة إلـيه ، حين نزل بهم بأس الله وعاينوا به عذابه فراراً من عقابه ، وهربـاً من ألـيـم عذابه { وَلاتَ حِينَ مَناصٍ } يقول : ولـيس ذلك حين فرار ولا هرب من العذاب بـالتوبة ، وقد حقَّت كلـمة العذاب علـيهم ، وتابوا حين لا تنفعهم التوبة ، واستقالوا فـي غير وقت الإقالة . وقوله : { مَناصٍ } مفعل من النَّوص ، والنوص فـي كلام العرب : التأخر ، والـمناص : الـمفرّ ومنه قول امرىء القـيس : @ أمِنْ ذِكْرِ سَلْـمَى إذْ نأَتْكَ تَنُوصُ فَتقْصِرُ عَنْها خَطْوَةً وَتَبوصُ @@ يقول : أو تقدّم يقال من ذلك : ناصنـي فلان : إذا ذهب عنك ، وبـاصنـي : إذا سبقك ، وناض فـي البلاد : إذا ذهب فـيها ، بـالضاد . وذكر الفراء أن العقـيـلـي أنشده : @ إذا عاشَ إسْحاقٌ وَشَيْخُهُ لَـمْ أُبَلْ فَقِـيداً ولَـمْ يَصْعُبْ عَلـيَّ مَناضُ وَلَوْ أشْرَفَتْ مِنْ كُفَّةِ السِّتْرِ عاطِلاً لَقُلْتُ غَزَالٌ ما عَلَـيْهِ خُضَاضُ @@ والـخضاض : الـحلـيّ . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن أبـي إسحاق عن التـميـمي ، عن ابن عبـاس فـي قوله : { وَلاتَ حِينَ مَناصٍ } قال : لـيس بحين نزو ، ولا حين فرار . حدثنا أبو كُريب ، قال : ثنا ابن عطية ، قال : ثنا إسرائيـل ، عن أبـي إسحاق ، عن التـميـمي ، قال : قلت لابن عبـاس : أرأيت قول الله { وَلاتَ حِينَ مَناصٍ } قال : لـيس بحين نزو ولا فرار ضبط القوم . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن أبـي إسحاق الهمدانـي ، عن التـميـمي ، قال : سألت ابن عبـاس ، قول الله { وَلاتَ حِينَ مَناصٍ } قال : لـيس حين نزو ولا فرار . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَلاتَ حِينَ مَناصٍ } قال : لـيس حين نزو ولا فرار . حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وَلاتَ حِينَ مَناصٍ } يقول : لـيس حين مَغاث . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن . قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قول الله : { وَلاتَ حِينَ مَناصٍ } قال : لـيس هذا بحين فرار . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { فَنادُوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ } قال : نادى القوم علـى غير حين نداء ، وأرادوا التوبة حين عاينوا عذاب الله فلـم يقبل منهم ذلك . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قوله : { وَلاتَ حِينَ مَناصٍ } قال : حين نزل بهم العذاب لـم يستطيعوا الرجوع إلـى التوبة ، ولا فراراً من العذاب . حُدثت عن الـحسين ، قال : سمعت أبـا معاذ يقول : ثنا عبـيد ، قال : سمعت الضحاك يقول فـي قوله : { فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ } يقول : ولـيس حين فرار . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَلاتَ حِينَ مَناصٍ } ولات حين مَنْـجًى ينـجون منه ، ونصب حين فـي قوله : { وَلاتَ حِينَ مَناصٍ } تشبـيهاً للات بلـيس ، وأضمر فـيها اسم الفـاعل . وحكى بعض نـحوِّيـي أهل البصرة الرفع مع لات فـي حين زعم أن بعضهم رفع « وَلاتَ حِينُ مناصٍ » فجعله فـي قوله لـيس ، كأنه قال : لـيس وأضمر الـحين قال : وفـي الشعر : @ طَلَبُوا صُلْـحَنا وَلاتَ أوَانٍ فَأَجَبنا أنْ لَـيْسَ حِينَ بَقاءِ @@ فجرّ « أوانٍ » وأضمر الـحين إلـى أوان ، لأن لات لا تكون إلا مع الـحين قال : ولا تكون لات إلا مع حين . وقال بعض نـحويـي الكوفة : من العرب من يضيف لات فـيخفض بها ، وذكر أنه أنشد : @ لاتَ ساعَةِ مَنْدَمٍ @@ بخفض الساعة قال : والكلام أن ينصب بها ، لأنها فـي معنى لـيس ، وذُكر أنه أنشد : @ تَذَكَّرَ حُبَّ لَـيْـلَـى لاتَ حِينا وأضْحَى الشَّيْبُ قَدْ قَطَعَ القَرِينا @@ قال : وأنشدنـي بعضهم : @ طَلَبُوا صُلْـحَنا وَلاتَ أوَانٍ فأَجَبْنا أنْ لَـيْسَ حِينَ بَقاءِ @@ بخفض « أوانِ » قال : وتكون لات مع الأوقات كلها . واختلفوا فـي وجه الوقـف علـى قراءة : { لاتَ حِينَ } فقال بعض أهل العربـية : الوقـف علـيه ولاتّ بـالتاء ، ثم يبتدأ حين مناص ، قالوا : وإنـما هي « لا » التـي بـمعنى : « ما » ، وإن فـي الـجحد وُصلت بـالتاء ، كما وُصِلت ثم بها ، فقـيـل : ثمت ، وكما وصلت ربّ فقـيـل : ربت . وقال آخرون منهم : بل هي هاء زيدت فـي لا ، فـالوقـف علـيها لاه ، لأنها هاء زيدت للوقـف ، كما زيدت فـي قولهم : @ العاطِفُونَةَ حِينَ ما مِنْ عاطِفٍ والـمُطْعِمُونَةَ حِينَ أيْنَ الـمَطْعِمُ @@ فإذا وُصلت صارت تاء . وقال بعضهم : الوقـف علـى « لا » ، والابتداء بعدها تـحين ، وزعم أن حكم التاء أن تكون فـي ابتداء حين ، وأوان ، والآن ويستشهد لقـيـله ذلك بقول الشاعر : @ تَوَلَّـيْ قَبْلَ يَوْمِ سَبْـيٍ جُمانا وَصِلِـينا كما زَعَمْتِ تَلانا @@ وأنه لـيس ههنا « لا » فـيوصل بها هاء أو تاء ويقول : إن قوله : { ولاتَ حِينَ } إنـما هي : لـيس حين ، ولـم توجد لات فـي شيء من الكلام . والصواب من القول فـي ذلك عندنا : أن « لا » حرف جحد كما ، وإن وُصلت بها تصير فـي الوصل تاء ، كما فعلت العرب ذلك بـالأدوات ، ولـم تستعمل ذلك كذلك مع « لا » الـمُدَّة إلا للأوقات دون غيرها ، ولا وجه للعلة التـي اعتلّ بها القائل : إنه لـم يجد لات فـي شيء من كلام العرب ، فـيجوز توجيه قوله : { وَلاتَ حِينَ } إلـى ذلك ، لأنها تستعمل الكملة فـي موضع ، ثم تستعملها فـي موضع آخر بخلاف ذلك ، ولـيس ذلك بأبعد فـي القـياس من الصحة من قولهم : رأيت بـالهمز ، ثم قالوا : فأنا أراه بترك الهمز لـما جرى به استعمالهم ، وما أشبه ذلك من الـحروف التـي تأتـي فـي موضع علـى صورة ، ثم تأتـي بخلاف ذلك فـي موضع آخر للـجاري من استعمال العرب ذلك بـينها . وأما ما استشهد به من قول الشاعر : « كما زعمت تلانا » ، فإن ذلك منه غلط فـي تأويـل الكلـمة وإنـما أراد الشاعر بقوله : « وصِلِـينا كما زَعمْتِ تَلانا » : وصِلـينا كما زعمت أنتِ الآن ، فأسقط الهمزة من أنت ، فلقـيت التاء من زعمت النون من أنت وهي ساكنة ، فسقطت من اللفظ ، وبقـيت التاء من أنت ، ثم حذفت الهمزة من الآن ، فصارت الكلـمة فـي اللفظ كهيئة تلان ، والتاء الثانـية علـى الـحقـيقة منفصلة من الآن ، لأنها تاء أنت . وأما زعمه أنه رأى فـي الـمصحف الذي يقال له « الإمام » التاء متصلة بحين ، فإن الذي جاءت به مصاحف الـمسلـمين فـي أمصارها هو الـحجة علـى أهل الإسلام ، والتاء فـي جميعها منفصلة عن حين ، فلذلك اخترنا أن يكون الوقـف علـى الهاء فـي قوله : { وَلاتَ حِينَ } .