Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 55-60)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعنـي تعالـى ذكره بقوله : { هَذَا } : الذي وصفت لهؤلاء الـمتقـين : ثم استأنف جلّ وعزّ الـخبر عن الكافرين به الذين طَغَوا علـيه وبَغَوا ، فقال : { وإنَّ للطَّاغِينَ } وهم الذين تـمّردوا علـى ربهم ، فعَصَوا أمره مع إحسانه إلـيهم { لَشَرَّ مآبٍ } يقول : لشرّ مرجع ومصير يصيرون إلـيه فـي الآخرة بعد خروجهم من الدنـيا ، كما : حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ { وَإنَّ للطَّاغِينَ لَشرَّ مآبٍ } قال : لشرَّ مُنْقَلَبٍ . ثم بـين تعالـى ذكره : ما ذلك الذي إلـيه ينقلبون ويصيرون فـي الآخرة ، فقال : { جَهَنَّـمَ يَصْلَوْنَها } فترجم عن جهنـم بقوله : { لَشَرَّ مآبٍ } ومعنى الكلام : إن للكافرين لشرَّ مَصِير يصيرون إلـيه يوم القـيامة ، لأن مصيرهم إلـى جهنـم ، وإلـيها منقلبهم بعد وفـاتهم { فَبِئْسَ الـمِهادُ } يقول تعالـى ذكره : فبئس الفراش الذي افترشوه لأنفسهم جهنـم . وقوله : { هَذَا فَلْـيَذُوقُوهُ حَمِيـمٌ وَغَسَّاقٌ } يقول تعالـى ذكره : هذا حميـم ، وهو الذي قد أُغلـي حتـى انتهى حرّه ، وغساق فلـيذوقوه فـالـحميـم مرفوع بهذا ، وقوله : { فَلْـيَذُوقُوهُ } معناه التأخير ، لأن معنى الكلام ما ذكرت ، وهو : هذا حميـم وغسَّاق فلـيذوقوه . وقد يتـجه إلـى أن يكون هذا مكتفـياً بقوله فلـيذوقوه ثم يُبْتدأ فـيقال : حميـمٌ وغَسَّاق ، بـمعنى : منه حميـم ومنه غَسَّاق كما قال الشاعر : @ حتـى إذا ما أضَاءَ الصُّبْحُ فـي غَلَسٍ وَغُودِرَ البقْلُ مَلْويٌّ وَمَـحْصُودُ @@ وإذا وُجِّه إلـى هذا الـمعنى جاز فـي هذا النصب والرفع . النصب : علـى أن يُضْمر قبلها لها ناصب ، كم قال الشاعر : @ زِيادَتَنا نُعْمانُ لا تَـحْرِمَنَّنا تَقِ اللّهَ فِـينا والكِتابَ الَّذي تَتْلُو @@ والرفع بـالهاء فـي قوله : { فَلْـيَذُوقُوهُ } كما يقال : اللـيـلَ فبـادروه ، واللـيـلُ فبـادروه . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ { هَذَا فَلْـيَذوقُوهُ حَمِيـمٌ وَغَسَّاقٌ } قال : الـحميـم : الذي قد انتهى حَرُّه . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : الـحميـم دموع أعينهم ، تـجمع فـي حياض النار فـيسقونه . وقوله : { وَغَسَّاقٌ } اختلفت القرّاء فـي قراءته ، فقرأته عامة قرّاء الـحجاز والبصرة وبعض الكوفـيـين والشام بـالتـخفـيف : « وَغَسَاقٌ » وقالوا : هو اسم موضوع . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة : { وَغَسَّاقٌ } مشدّدة ، ووجهوه إلـى أنه صفة من قولهم : غَسَقَ يَغْسِقُ غُسُوقاً : إذا سال ، وقالوا : إنـما معناه : أنهم يُسْقَون الـحميـم ، وما يسيـل من صديدهم . والصواب من القول فـي ذلك عندي أنهما قراءتان قد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، وإن كان التشديد فـي السِّين أتـمّ عندنا فـي ذلك ، لأن الـمعروف ذلك فـي الكلام ، وإن كان الآخر غير مدفوعة صحته . واختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك ، فقال بعضهم : هو ما يَسيـل من جلودهم من الصديد والدم . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { هَذَا فَلْـيَذُوقُوهُ حَمِيـمٌ وَغَسَّاقٌ } قال : كنا نـحدِّث أن الغَسَّاق : ما يسيـل من بـين جلده ولـحمه . حدثنا مـحمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قال : { الغسَّاق } : الذي يسيـل من أعينهم من دموعهم ، يُسْقونه مع الـحميـم . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيـم ، قال : الغسَّاق : ما يسيـل من سُرْمهم ، وما يسقط من جلودهم . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد { الغسَّاق } : الصديد الذي يجمع من جلودهم مـما تصهَرهم النار فـي حياض يجتـمع فـيها فـيُسقونه . حدثنـي يحيى بن عثمان بن صالـح السهميّ ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنا ابن لَهيعة ، قال : ثنـي أبو قبـيـل أنه سمع أبـا هبـيرة الزيادي يقول : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : أيّ شيء الغسَّاق ؟ قالوا : الله أعلـم ، فقال عبد الله بن عمرو : هو القَـيْح الغلـيظ ، لو أن قطرة منه تُهرَاق فـي الـمغرب لأنتنت أهل الـمشرق ، ولو تُهَراق فـي الـمشرق لأنتنت أهل الـمغرب . قال يحيى بن عثمان ، قال أبـي : ثنا ابن لَهِيعة مرّة أخرى ، فقال : ثنا أبو قبـيـل ، عن عبد الله بن هبـيرة ، ولـم يذكر لنا أبـا هبـيرة . حدثنا ابن عوف ، قال : ثنا أبو الـمغيرة ، قال : ثنا صفوان ، قال : ثنا أبو يحيى عطية الكلاعيّ ، أن كعبـاً كان يقول : هل تدرون ما غَسَّاق ؟ قالوا : لا والله ، قال : عين فـي جهنـم يسيـل إلـيها حُمَةُ كلِّ ذات حُمَةٍ من حية أو عقرب أو غيرها ، فـيستنقع فـيؤتـي بـالآدمي ، فـيغْمَس فـيها غمسة واحدة ، فـيخرج وقد سقط جلده ولـحمه عن العظام . حتـى يتعلَّق جلده فـي كعبـيه وعقبـيه ، وينـجَرّ لـحمه كجرّ الرجل ثوبه . وقال آخرون : هو البـارد الذي لا يُستطاع من برده . ذكر من قال ذلك : حُدثت عن يحيى بن أبـي زائدة ، عن ابن جُرَيج ، عن مـجاهد { وغسَّاق } قال : بـارد لا يُسْتطاع ، أو قال : برد لا يُسْتطاع . حدثنـي علـيّ بن عبد الأعلـى ، قال : ثنا الـمـحاربـيّ ، عن جُوَيبر ، عن الضحاك { هَذَا فَلْـيَذُوقُوهُ حَمِيـمٌ وغَسَّاقٌ } قال : يقال : الغسَّاق : أبرد البرد ، ويقول آخرون : لا بل هو أنتن النَتْن . وقال آخرون : بل هو الـمُنْتِن . ذكر من قال ذلك : حُدثت عن الـمسيب ، عن إبراهيـم النكري ، عن صالـح بن حيان ، عن أبـيه ، عن عبد الله بن بُرَيدة ، قال : الغسَّاق : الـمنتن ، وهو بـالطُّخارية . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثنـي عمرو بن الـحارث ، عن درّاج ، عن أبـي الهيثم ، عن أبـي سعيد الـخُدريّ ، أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال : " لَوْ أنَّ دَلْوا مِنْ غَسَّاقٍ يُهَراقُ فِـي الدُّنـيْا لأَنُتَنَ أهْلَ الدُّنْـيا " . وأولـى الأقوال فـي ذلك عندي بـالصواب قول من قال : هو ما يسيـل من صديدهم ، لأن ذلك هو الأغلب من معنى الْغُسُوق ، وإن كان للآخر وجه صحيح . وقوله : { وآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أزْوَاجٌ } اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والكوفة { وآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أزْوَاجٌ } علـى التوحيد ، بـمعنى : هذا حميـم وغساق فلـيذوقوه ، وعذاب آخر من نـحو الـحميـم ألوان وأنواع ، كما يقال : لك عذاب من فلان : ضروب وأنواع وقد يحتـمل أن يكون مراداً بـالأزواج الـخبر عن الـحميـم والغسَّاق ، وآخر من شكله ، وذلك ثلاثة ، فقـيـل أزواج ، يراد أن ينعت بـالأزواج تلك الأشياء الثلاثة . وقرأ ذلك بعضُ الـمكيـين وبعض البصريـين : « وأُخَرُ » علـى الـجماع ، وكأن من قرأ ذلك كذلك كان عنده لا يصلـح أن يكون الأزواج وهي جمع نعتاً لواحد ، فلذلك جمع أخَر ، لتكون الأزواج نَعْتاً لها والعرب لا تـمنع أن ينعَت الاسم إذا كان فعلاً بـالكثـير والقلـيـل والاثنـين كما بـيَّنا ، فتقول : عذاب فلان أنواع ، ونوعان مختلفـان . وأعجب القراءتـين إلـيّ أن أقرأ بها : { وآخَرُ } علـى التوحيد ، وإن كانت الأخرى صحيحة لاستفـاضة القراءة بها فـي قرّاء الأمصار وإنـما اخترنا التوحيد لأنه أصحّ مخرجاً فـي العربـية ، وأنه فـي التفسير بـمعنى التوحيد . وقـيـل إنه الزَّمهرير . ذكر من قال ذلك : حدثنا مـحمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفـيان ، عن السديّ ، عن مُرّة ، عن عبد الله { وآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أزْوَاجٌ } قال الزمهرير . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا سفـيان ، عن السديّ ، عن مرة ، عن عبد الله ، بـمثله . حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا معاوية ، عن سفـيان ، عن السديّ ، عمن أخبره عن عبد الله بـمثله ، إلا أنه قال : عذاب الزمهرير . حدثنا مـحمد قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، عن مرّة الهمدانـي ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : هو الزمهرير . حُدثت عن يحيى بن أبـي زائدة ، عن مبـارك بن فضالة ، عن الـحسن ، قال : ذكر الله العذاب ، فذكر السلاسل والأغلال ، وما يكون فـي الدنـيا ، ثم قال : { وآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أزْوَاجٌ } قال : وآخر لـم ير فـي الدنـيا . وأما قوله : { مِنْ شَكْلِهِ } فإن معناه : من ضربه ، ونـحوه يقول الرجل للرجل : ما أنت من شكلـي ، بـمعنى : ما أنت من ضربـي بفتـح الشين . وأما الشِّكْل فإنه من الـمرأة ما عَلَّقَتْ مـما تتـحسن به ، وهو الدَّلُّ أيضاً منها . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي علـيّ ، قال : ثنا أبو صالـح ، قال : ثنـي معاوية ، عن علـيّ ، عن ابن عبـاس ، قوله : { وآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أزْوَاجٌ } يقول : من نـحوه . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أزْوَاجٌ } من نـحوه . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أزْوَاجٌ } قال : من كلّ شَكْلِ ذلك العذاب الذي سمّى الله ، أزواج لـم يسمها الله ، قال : والشَّكل : الشبـيه . وقوله : { أزْوَاجٌ } يعنـي : ألوان وأنواع . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يعقوب ، قال : ثنا ابن علـية ، عن أبـي رجاء ، عن الـحسن ، فـي قوله : { وآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أزْوَاجٌ } قال : ألوان من العذاب . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { أزْوَاجٌ } زوج زوج من العذاب . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { أزْوَاجٌ } قال : أزواج من العذاب فـي النار . وقوله : { هَذَا فَوْجٌ مُقْتَـحِمٌ مَعَكُمْ } يعنـي تعالـى ذكره بقوله : { هَذَا فَوْجٌ } هذا فرقة وجماعة مقتـحمة معكم أيها الطاغون النار ، وذلك دخول أمة من الأمـم الكافرة بعد أمة { لا مرحبـاً بهم } ، وهذا خبر من الله عن قـيـل الطاغين الذين كانوا قد دخـلوا النار قبل هذا الفوج الـمقتـحِم للفوج الـمقتـحَم فـيها علـيهم ، لا مرحبـاً بهم ، ولكن الكلام اتصل فصار كأنه قول واحد ، كما قـيـل : { يُرِيدُ أنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } فـاتصل قول فرعون بقول مَلئه ، وهذا كما قال تعالـى ذكره مخبراً عن أهل النار : { كُلَّـما دَخَـلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها } ويعنـي بقولهم : { لا مَرْحَبـاً بِهِمْ } لا اتَّسعت بهم مداخـلُهم ، كما قال أبو الأسود : @ لا مَرْحَبٌ وَاديكَ غيرُ مُضَيَّقِ @@ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { هَذَا فَوْجٌ مُقْتَـحِمٌ مَعَكُمْ } فـي النار { لا مَرْحَبـاً بِهِمْ إنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ قالُوا بَلْ أنْتُـمْ لا مَرْحَبـاً بِكُمْ } … حتـى بلغ : { فَبِئْسَ القَرَارُ } قال : هؤلاء التبَّـاع يقولون للرؤوس . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { هَذَا فَوْجٌ مُقْتَـحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَبـاً بِهِمْ } قال : الفوج : القوم الذين يدخـلون فوجاً بعد فوج ، وقرأ : { كُلَّـما دَخَـلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها } التـي كانت قبلها . وقوله : { إنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ } يقول : إنهم واردو النار وداخـلوها . { قالُوا بَلْ أنْتُـمْ لا مَرْحَبـاً بِكُمْ } يقول : قال الفوج الواردون جهنـم علـى الطاغين الذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم لهم : بل أنتـم أيها القوم لا مرحبـاً بكم : أي لا اتسعت بكم أما كنكم ، { أنْتُـمْ قَدَّمْتُـمُوهُ لَنا } يعنون : أنتـم قدمتـم لنا سُكنى هذا الـمكان ، وصلَّـي النار بإضلالكم إيانا ، ودعائكم لنا إلـى الكفر بـالله ، وتكذيب رُسله ، حتـى ضللنا بـاتبـاعكم ، فـاستوجبنا سكنى جهنـم الـيوم ، فذلك تقديـمهم لهم ما قدموا فـي الدنـيا من عذاب الله لهم فـي الآخرة { فَبِئْسَ القَرارُ } يقول : فبئس الـمكان يُسْتَقرّ فـيه جهنـم .