Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 16-18)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالـى ذكره لهؤلاء الـخاسرين يوم القامة فـي جهنـم : { مِنْ فَوقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّار } وذلك كهيئة الظلل الـمبنـية من النار { وَمِنْ تَـحْتهمْ ظُلَلٌ } يقول : ومن تـحتهم من النار ما يعلوهم ، حتـى يصير ما يعلوهم منها من تـحتهم ظللاً ، وذلك نظير قوله جلّ ثناؤه لَهُمْ : { مِنْ جَهَنَـمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقهِمْ غَواشٍ } يغشاهم مـما تـحتهم فـيها من الـمهاد . وقوله : { ذلكَ يخَوِّفُ اللّهُ بِهِ عبـادَهُ يا عبـادِ فـاتَّقُونِ } يقول تعالـى ذكره : هذا الذي أخبرتكم أيها الناس به ، مـما للـخاسرين يوم القـيامة من العذاب ، تـخويف من ربكم لكم ، يخوّفكم به لتـحذروه ، فتـجتنبوا معاصيه ، وتنـيبوا من كفركم إلـى الإيـمان به ، وتصديق رسوله ، واتبـاع أمره ونهيه ، فتنـجوا من عذابه فـي الآخرة { فـاتَّقُونِ } يقول : فـاتقونـي بأداء فرائضي علـيكم ، واجتناب معاصيَّ ، لتنـجوا من عذابـي وسخطي . وقوله : { وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ } : أي اجتنبوا عبـادة كلّ ما عُبد من دون الله من شيء . وقد بـيَّنا معنى الطاغوت فـيـما مضى قبل بشواهد ذلك ، وذكرنا اختلاف أهل التأويـل فـيه بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع ، وذكرنا أنه فـي هذا الـموضع : الشيطان ، وهو فـي هذا الـموضع وغيره بـمعنى واحد عندنا . ذكر من قال ما ذكرنا فـي هذا الـموضع : حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث ، قال : ثنا الـحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، قوله : { وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ } قال : الشيطان . حدثنا مـحمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ { وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أنْ يَعْبُدُوها } قال : الشيطان . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أنْ يَعْبُدُوها } قال : الشيطان هو هاهنا واحد وهي جماعة . والطاغوت علـى قول ابن زيد هذا واحد مؤنث ، ولذلك قـيـل : أن يعبدوها . وقـيـل : إنـما أُنثث لأنها فـي معنى جماعة . وقوله : { وأنابُوا إلـى اللّهِ } يقول : وتابوا إلـى الله ورجعوا إلـى الإقرار بتوحيده ، والعمل بطاعته ، والبراءة مـما سواه من الآلهة والأَنداد . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وأنابُوا إلـى اللّهِ } : وأقبلوا إلـى الله . حدثنا مـحمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قوله : { وأنابُوا إلـى اللّهِ } قال : أجابوا إلـيه . وقوله : { لَهُمُ البُشْرَى } يقول : لهم البشرى فـي الدنـيا بـالـجنة فـي الآخرة { فَبَشِّرْ عِبـادِ الَّذِينَ يَسْتَـمِعُونَ القَوْلَ } يقول جلّ ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم : فبشر يا مـحمد عبـادي الذين يستـمعون القول من القائلـين ، فـيتبعون أرشده وأهداه ، وأدله علـى توحيد الله ، والعمل بطاعته ، ويتركون ما سوى ذلك من القول الذي لا يدل علـى رشاد ، ولا يهدي إلـى سداد . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { فَـيَتَّبِعُونَ أحْسَنَهُ } وأحسنه طاعة الله . حدثنا مـحمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، فـي قوله : { فَـيَتَّبِعُونَ أحْسَنَهُ } قال : أحسن ما يؤمرون به فـيعملون به . وقوله : { أُولَئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللّهُ } يقول تعالـى ذكره : الذين يستـمعون القول فـيتبعون أحسنه ، الذين هداهم الله ، يقول : وفقهم الله للرشاد وإصابة الصواب ، لا الذين يُعْرِضون عن سماع الـحقّ ، ويعبدون ما لا يضرّ ، ولا ينفع . وقوله : { أُولَئِكَ هُمْ أُولُوا الألْبـابِ } يعنـي : أولو العقول والـحجا . وذُكر أن هذه الآية نزلت فـي رهط معروفـين وحَّدوا الله ، وبرئوا من عبـادة كل ما دون الله قبل أن يُبعث نبـيّ الله ، فأنزل الله هذه الآية علـى نبـيه يـمدحهم . ذكر من قال ذلك : حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أنْ يَعْبُدُوها … } الآيتـين ، حدثنـي أبـي أن هاتـين الآيتـين نزلتا فـي ثلاثة نفر كانوا فـي الـجاهلـية يقولون : لا إله إلا الله : زيد بن عمرو ، وأبـي ذرّ الغفـاري ، وسلـمان الفـارسيّ ، نزل فـيهم : { وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أنْ يَعْبُدُوها } فـي جاهلـيتهم { وأنابُوا إلـى اللّهِ لَهُمُ البُشْرَى فَبَشِّرْ عِبـادِ الَّذِينَ يَسْتَـمِعُونَ القَوْلَ فَـيَتَّبِعُونَ أحْسَنَهُ } لا إله إلا الله ، أولئك الذين هداهم الله بغير كتاب ولا نبـيّ { وأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبـابِ } .