Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 33-34)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف أهل التأويل في الذي جاء بالصدق وصدّق به ، وما ذلك ، فقال بعضهم : الذي جاء بالصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالوا : والصدق الذي جاء به : لا إله إلا الله ، والذي صدّق به أيضاً ، هو رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { وَالَّذِي جاءَ بالصِّدْقِ } يقول : من جاء بلا إله إلا الله { وَصَدَّقَ بِهِ } يعني : رسوله . وقال آخرون : الذي جاء بالصدق : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذي صدّق به : أبو بكر رضي الله عنه . ذكر من قال ذلك : حدثني أحمد بن منصور ، قال : ثنا أحمد بن مصعد المروزي ، قال : ثنا عمر بن إبراهيم بن خالد ، عن عبد الملك بن عمير ، عن أسيد بن صفوان ، عن عليّ رضي الله عنه ، في قوله : { وَالَّذِي جاءَ بالصِّدْقِ } قال : محمد صلى الله عليه وسلم ، وصدّق به ، قال : أبو بكر رضي الله عنه . وقال آخرون : الذي جاء بالصدق : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والصدق : القرآن ، والمصدقون به : المؤمنون . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { وَالَّذِي جاءَ بالصِّدْقِ } قال : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بالقرآن ، وصدّق به المؤمنون . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَالَّذِي جاءَ بالصِّدْقِ } رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصدّق به المسلمون . وقال آخرون : الذي جاء بالصدق جبريل ، والصدق : القرآن الذي جاء به من عند الله ، وصدّق به رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : { وَالَّذِي جاءَ بالصِّدْقِ وصَدَّقَ بِهِ } محمد صلى الله عليه وسلم . وقال آخرون : الذي جاء بالصدق : المؤمنون ، والصدق : القرآن ، وهم المصدِّقون به . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد قوله : { وَالَّذِي جاءَ بالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } قال : الذين يجيئون بالقرآن يوم القيامة ، فيقولون : هذا الذي أعطيتمونا فاتبعنا ما فيه . قال : ثنا حكام ، عن عمرو ، عن منصور ، عن مجاهد { وَالَّذِي جاءَ بالصِّدْقِ وَصَدَّقِ بِهِ } قال : هم أهل القرآن يجيئون به يوم القيامة يقولون : هذا الذي أعطيتمونا ، فاتبعنا ما فيه . والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله تعالى ذكره عنى بقوله : { وَالَّذِي جاءَ بالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } كلّ من دعا إلى توحيد الله ، وتصديق رسوله ، والعمل بما ابتعث به رسوله صلى الله عليه وسلم من بين رسل الله وأتباعه والمؤمنين به ، وأن يقال : الصدق هو القرآن ، وشهادة أن لا إله إلا الله ، والمصدّق به : المؤمنون بالقرآن ، من جميع خلق الله كائنا من كان من نبيّ الله وأتباعه . وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب ، لأن قوله تعالى ذكره : { وَالَّذِي جاءَ بالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } عُقيب قوله : { فَمَنْ أظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ على اللَّهِ ، وَكَذَّبَ بالصّدْقِ إذْ جاءَهُ } وذلك ذمّ من الله للمفترين عليه ، المكذّبين بتنزيله ووحيه ، الجاحدين وحدانيته ، فالواجب أن يكون عقيب ذلك مدح من كان بخلاف صفة هؤلاء المذمومين ، وهم الذين دعوهم إلى توحيد الله ، ووصفه بالصفة التي هو بها ، وتصديقهم بتنزيل الله ووحيه ، والذين هم كانوا كذلك يوم نزلت هذه الآية ، رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن بعدهم ، القائمون في كل عصر وزمان بالدعاء إلى توحيد الله ، وحكم كتابه ، لأن الله تعالى ذكره لم يخصّ وصفه بهذه الصفة التي في هذه الآية على أشخاص بأعيانهم ، ولا على أهل زمان دون غيرهم ، وإنما وصفهم بصفة ، ثم مدحهم بها ، وهي المجيء بالصدق والتصديق به ، فكل من كان كذلك وصفه فهو داخل في جملة هذه الآية إذا كان من بني آدم . ومن الدليل على صحة ما قلنا أن ذلك كذلك في قراءة ابن مسعود : « والَّذِينَ جاءُوا بالصدْقِ وصدَّقُوا بِهِ » فقد بين ذلك من قراءته أن الذي من قوله { وَالَّذِي جاءَ بالصِّدْقِ } لم يعن بها واحد بعينه ، وأنه مراد بها جِمَاعٌ ذلك صفتهم ، ولكنها أخرجت بلفظ الواحد ، إذ لم تكن مؤقتة . وقد زعم بعض أهل العربية من البصريين ، أن « الذي » في هذا الموضع جُعل في معنى جماعة بمنزلة « مَن » . ومما يؤيد ما قلنا أيضاً قوله : { أُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ } فجُعل الخبر عن « الذي » جماعا ، لأنها في معنى جماع . وأما الذين قالوا : عني بقوله : { وَصَدَّقَ بِهِ } : غير الذي جاء بالصدق ، فقول بعيد من المفهوم ، لأن ذلك لو كان كما قالوا لكان التنزيل : والذي جاء بالصدق ، والذي صدق به أولئك هم المتقون فكانت تكون « الذي » مكرّرة مع التصديق ، ليكون المصدق غير المصدق فأما إذا لم يكرّر ، فإن المفهوم من الكلام ، أن التصديق من صفة الذي جاء بالصدق ، لا وجه للكلام غير ذلك . وإذا كان ذلك كذلك ، وكانت « الذي » في معنى الجماع بما قد بيَّنا ، كان الصواب من القول فـي تأويـله ما بَيَّنا . وقوله : { أُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ } يقول جلّ ثناؤه : هؤلاء الذين هذه صفتهم ، هم الذين اتقوا الله بتوحيده والبراءة من الأوثان والأنداد ، وأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه ، فخافوا عقابه ، كما : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، { أُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ } يقول : اتقوا الشرك . وقوله : { لَهُمْ ما يَشاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ } يقول تعالى ذكره : لهم عند ربهم يوم القيامة ، ما تشتهيه أنفسهم ، وتلذّه أعينهم { ذلكَ جَزَاءُ المُحْسِنِينَ } يقول تعالى ذكره : هذا الذي لهم عند ربهم ، جزاء من أحسن في الدنيا فأطاع الله فيها ، وأتمر لأمره ، وانتهى عما نهاه فيها عنه .